مصطلح (الواقعية السياسية) الذي يكثر دورانه على ألسنة المُرَقِّعِينَ الإسلاميين، هو خلاط التفاصيل الذي ضرب النظامُ العالمي الإسلاميين فيه؛ فظنوا- واهمين- أنهم يستطيعون خلخلةَ أصولِه من داخله؛ فخلخلَ هو أصولَهم وأسقَطَهَا.. هو روضة المستنقع التي أعجبتهم خُضرتُها فدخلوها؛ فَدَوَّخَهُم عَفَنُ رائحتِها.. فلما لم يستطيعوا الخروج منها؛ اعتادوا العفن!!
ظَنُّوها تَدَرُّجَاً فكانَت استِدرَاجَاً..
ظَنُّوهَا حُديبيةً فكانت أُحُدَاً..
وَضَعَ الكف.ارُ لهم أصولَ اللعبة، وحددوا لهم مسارات الحركة، واستدرجوهم ببعض المكاسب التافهة؛ فصاروا يرون قطعةَ الجُبن ولا يُبصرون الفَخ، وكلما حاولوا التملص والخلاص؛ وضعوا لهم قطعةَ جُبنٍ أخرى في فَخٍّ آخر.. وهكذا دواليك حتى تحولوا هم أنفسهم إلى فخٍ بلا جُبن يُصادُ به غيرهم؛ فكسب الكف.ارُ بهم ثلاثةَ مكاسب لم يكونوا يحلمون بها:
استنزفوهم عَقَدِيَّاً حتى تماهت أطروحاتُهم مع أطروحاتِ العلمانية الكافرة، واستخدموهم سياسياً لإضفاء الشرعية على الأنظمة الكف.رية العميلة، وَسَوَّقُوهُم دِينياً للتشويش على القوى الإسلامية الأُخرى وإحباط حركتها واتهامها بالاختراق والعمالة!!
لقد صاروا إسلامقراطيين يكادون يعبدون الشعب والصندوق من دون الله ويتنازلون عن كل ما لا يمكن التنازل عنه من أجل الكف.ر الذي اقتنعوا أنهم سيصلون به إلى الإيمان، وحين وصلوا- وأعطاهم الشعبُ صوتَه ورَضِيَ بِعُجَرِهِم وبُجَرِهِم-؛ لم يكونوا يملكون من القوة ما يحافظون به على مكاسبهم التي تلبسوا بالكف.ر من أجلها؛ فَخَسِروا عِنبَ الشامِ وبَلَحَ اليمن، وظهرت الديمقراطية على حقيقتها بأنيابها ومخالبها، وأغلقَ النظامُ العالميُّ الديمقراطيُّ المجالَ العام وفتحَ المعتقلات والقبور.. ثم أبقى مساراتٍ محددةً سلفاً (لِبَقِيَّةِ السيفِ) و(سَقَطِ المعتقلات والقبور)؛ ليستخدمهم من جديد- كما استخدم إخوانَهم من قبل- حتى ينتهي من حفر قبورٍ جديدة وبناء معتقلات أُخرى!!
الكف.رُ الذي تلبسوا به- ولا نُكَفِّرُهُم بهذا التلبس- لم يوصلهم إلى الإيمان الذي توهموه.. ونحن- وإنْ عَذَرْنَا الأوائلَ بالجهل حين خدعتهم الديمقراطية بالحرية والمساواة-؛ كيف سنعذرُ الأواخرَ بهِ وقد ظهرت الديمقراطية على حقيقتها بالأنياب والمخالب؟!
إِنْ كان هؤلاء الأواخر أُجْبِرِوا على هذا فمن أدخلهم المنظومةَ ابتداءً؟! وإن كانوا لم يعرفوا الواقعَ قبل الدخول فها قد عرفوه بَعدَ الدخول، فهل يستوي الحفاظُ على مكاسب متوهمة- ستُنزع منهم عما قليلٍ بالأنياب والمخالب- مع شرعنة الكفرِ من خلالهم بِوَهْمِ الحرية والمساواة؟!
وَيْكَأنَّ الراعي لا يزال يُسَمِّنُ الأغنامَ للذبح، وويكأن الأغنامَ لا تزال ترتعُ وتشكرُ الراعي!!
الذي قال: "صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بورقيبة"؛ انتقل إلى رحمة الله غير مُبدِّلٍ أو متخاذل، وجاء بعده قومٌ لم يكتفوا بمناقشة ما لا يُناقش؛ بل صوتوا- وَهُمُ الأغلبية- على مساواة المرأة بالرجل في الميراث، وزواج المسلمة بالكافر، وإقرار قانون تخفيضات الجمارك على الخمور، ثم رفعوا الجلسة لأداء صلاة المغرب.. هذا واللهِ الوَجعُ المُعَتَّق!!
يُذَكِّرُني (حَمَ) والرمحُ شَاجِرٌ
فَهَلَّا تَلَا (حَمَ) قَبلَ التَّقَدُّمِ؟!
عَبَثٌ أَنِفَ الهالكُ شنودة أن يُقَارِف مِثلَهُ حين رَفَضَ حكمَ المحكمة بإنفاذ الطلاق لعلةٍ غير علة الزنا؛ وَضَرَبَ بحكمها وبالقانون وبالدولة عرض الحائط قائلاً: "لن نخالف القانونَ الإلهي، ولا أحد يفرضُ قوانينه علينا"..
لا زلتُ أذكرُ كلامَ بعضِ إخواننا الطيبين حين كنتُ أحذرهم من هذا الفخاخ؛ فيقولون:" إنه لا يُتصور- في مجتمعاتنا التي يغلب عليها الإسلام- أن يوافق المسلمون على تشريع يُصادم صريحَ القرآن وصحيحَ السنة؛ بل إنَّ هذا مستحيل أيضاً من الناحية الإجرائية؛ لأن كل الدساتير الوضعية في الدول العربية- على ما فيها من عوج- تَنُصُّ على عدم مصادمة أصول التشريع الإسلامي."!!
آه يا وَجَعَ المعرفة!!
كم أوردتنا الدَّرْوَشَة مِن مهالك!!
هَا قد أَقَرَّ الإسلاميون أنفُسُهم- في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة- بما يُصادم صريحَ القرآن وصحيحَ السنة.. فأين أساطيرُ الدساتير عن خَوابِير الدياجير؟!
نُرَقِّعُ دنيانا بتمزيقِ ديننا
فلا ديننا يبقى ولا ما نُرَقِّعُ
***
(بتصرفٍ من مقالٍ قديم بعنوان: الديمقراطية تلك الزفة الكاذبة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق