الجمعة، 1 يناير 2021

معسكر التدريب لصناعة الهمة

معسكر التدريب لصناعة الهمة


 د. ليلى حمدان

لماذا معسكر التدريب؟

لأن التنظير لا يكفي لصقل المهارات وصناعة الهمة والخروج من روتين الضعف والبطالة إلى فضاء القوة والمسابقة. حيث قضى الله أن كل نهضة أو انتصار تستوجب الإعداد. قال تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ).

ومعسكر التدريب للنفس مرحلة مهمة جدًا ومصيرية في تغيير حال المرء من الضعف إلى القوة ومن الكسل إلى النشاط ومن دنو الهمة إلى علوها.

ثم لأن الإنسان قبل معسكر التدريب وبعده، يختلف بشكل كبير من ناحية بنيته وعطاءاته وقدرته على التحمل ورصيد تجاربه وطموحاته، ولذلك تشترط قيادة الجيوش على الجندي المرور بمعسكر التدريب بداية قبل استلام أي مهام، وكذلك الشركات، تطلب من موظفيها دورات تدريبية عملية قبل أن يتحمل الموظف مسؤولية الأعمال.

الشاهد أن معسكر التدريب الذي نتحدث عنه اليوم يعمل بنفس المبدأ إلا أنه يعتمد على شروط تختلف عن الميادين الأخرى ليكون مؤثرًا بالشكل المطلوب.

وسنعتمد في معسكرنا قاعدة (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) فلن نسعى لأقل من الأفضل، هذه قاعدة سنعتمدها طوال مسيرتنا.

قال تعالى (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر : 16-17)

شروط معسكر التدريب لصناعة الهمة

تحديد خارطة الأهداف على 3 مستويات

لابد قبل الانطلاق في معسكر تدريب صناعة الهمةـ، أن تكون قد حددت خارطة أهدافك، ولست مطالبًا بتحقيق أهدافك جملة واحدة، بل الحكمة تقضي بالتدرج والتأني فقليل دائم خير من كثير منقطع.

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله قال: “أدومها وإن قل” (صحيح البخاري).

وإن هذا الحديث يعد سرَّا من أسرار صناعة الهمة وبناء الذات وتحقيق التغيير المنشود.

وبالنظر لطبيعة الهمة التي نطمح لصناعتها فسوف نحدد 3 مراحل لأهدافنا، بمعنى سيكون لدينا 3 مستويات من الأهداف، (الأول والثاني والثالث) لتحقيقها خلال معسكر التدريب.

قال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133).

معسكر التدريب: المستوى الأول (صناعة الحزم)

ويهدف معسكر التدريب لصناعة الهمة في المستوى الأول إلى صناعة الحزم وتعويد النفس على الانضباط، وهي أهم مرحلة يجب على المسلم الانطلاق منها وإلا فإن كل ما تسعى له سيجهضه التسويف والتواكل والكسل.

وسنلاحظ أن صفة الانضباط هي أول عامل للإنتاجية والفعالية في كل المجالات ولذلك يتم وضع أنظمة مراقبة وتفتيش لضمان هذا الانضباط. وتعد شرطا أساسيًا في الميدان العسكري وصناعة الجيوش.

معسكر التدريب: المستوى الثاني (التطوير والبذل)

ويشمل أهداف الإنجاز، وتعويد النفس على العطاء والبذل والمسابقة، وتطوير المهارات واكتساب الخبرات، وهي مرحلة ستكون سهلة نسبيًا بعد تحقيق الأولى، لأنها تتوج ثمار الصبر والمصابرة.

معسكر التدريب المستوى الثالث: (السبق والتميّز)

يشمل هذا المستوى أهداف التميّز والخصوصية والمسابقة، وهي الأهداف التي كنت تعدها جبالا وصعبة المنال، كما قيل لخالد رضي الله عنه حين أسلم متأخراً: أين كان عقلك يا خالد، فلم تر نور النبوة بين ظهرانيكم منذ عشرين سنة؟! فقال: “كان أمامنا رجال كنا نرى أحلامهم كالجبال”.

فاجعل مقياسك الجيل المتفرد، لا تقبل بغيره، فكلما نقص المقياس كلما ضعفت الهمة وعجز البذل. واحذر أن تشغلك مقاييس مضطربة.

ووفق هذا المبدأ جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ “.

تهيئة النفس للانطلاقة

قبل الانطلاق في معسكر التدريب لصناعة الهمة، عليك يا من تنشد علو الهمة أن تقطع وصال اهتمامك بالبشر ونظرتهم إليك وتقييمهم لك. اجعل الانطلاقة خالصة لله مولاك، منه ستستمد القوة وترجو المعية.

فبوصاله سبحانه وتعالى وبالإخلاص إليه ستتذلل لك العقبات وستحقق ما يعجز عنه من تعلقت آماله بالناس.

فهناك أسرار لا نكتشفها إلا إذا انغمسنا بصدق وإيمان لا نبالي إلا برب العالمين.

ولذلك بقدر توكلك على الله بقدر ما تجني من بركات هذا التوكل طيلة مسيرة التدريب ولا أبالغ إن وصفتها بالكرامات والفضل العظيم!

ثم إن التركيز على مرضاة الله وحده سبحانه تعينك كثيرًا في التخلص من الرواسب القديمة التي كانت تشكل عائقًا في حياتك، سواء رواسب التربية السيئة أو الجوار المؤذي أو الصحبة المستنزفة أو غيرها من سلبيات، وقد ثبت في نصوص الشريعة والتجربة أن السعي لتحقيق مرضاة الله يكسبك تلقائيًا مرضاة العباد وإن طال الزمن، لذلك فلا تشغل وقتك وجهدك في محاولة إرضاء الناس ما دام هدفك الأسمى إرضاء خالقك سبحانه.

قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) (العنكبوت: 10).

وعن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا:  إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله. إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال:”من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس؛ ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس”. رواه ابن حبان في صحيحه.

فافتح صفحة جديدة ترمق خلالها السماء وأنت على ثقة أن البيعة لله وحده لا شريك له.

وهذه التهيئة النفسية هي ضبط النية والإخلاص لواحدٍ أحدٍ وأيضا قطع لسبيل المرجفين والمفسدين.

الرضا بما قسمه الله لك والتكيّف معه

حين نتحدث عن صناعة الهمة فنحن نتحدث عن إخراج أفضل نسخة من نفسك، إننا نتحدث عن تأهيلك لتكون أفضل صورة لك.

وبالتالي هذا يستدعي الرضا بما قسمه الله لك من تفاصيل ترافقك، سواء جسدية أو عقلية أو عائلية أو ظروف المحيط أو أي ظرف تعيش فيه، فمعسكرنا صالح لكل زمان ومكان، لا يتطلب منك عدة ولا عتادًا، إنما رأس مالك نفسك الموحدة المخلصة لله ويقينك الذي يشعّ في الأفق في مرمى الأهداف والباقي يُسخّر لأجل ذلك.

فلا يهم أن تكون فقيرًا أو غنيًا، معسرًا أو موسرًا، سليمًا أو معاقًا، متزوجًا أو أعزبًا، شابًا أو كهلًا، امرأة أو رجلًا، كل هذه التفاصيل هي غير مهمة ولا ملزمة، بل يكفي أن تكون مسلمًا ينشد التغيير.

وهذه النقطة مهمة جدًا لتجاوز العقبات فلا يقال “لا يمكنني وظروفي لا تسمح”، بل كل مسلم فارس ميدان يمكنه أن يتحدى الصعاب بقلب نابض بالإيمان واليقين، ولدينا في التاريخ والحاضر نماذج مبهرة للعطاء الإنساني حين يؤمن صاحبه بأنه قادر على تحقيق القفزات.

لذلك من المهم الحرص على وضوح الرؤية منذ الانطلاقة بلا لجلجة أو ارتياب.

ثم إن بعض المعطيات في حياتك يمكننا تغييرها للأحسن بحسب ما يتيسر لنا من الأسباب، فدوام الحال من المحال ولا يجب الركون دائما للواقع دون محاولة تغييره فشيمة المسلم السعي للارتقاء.

تقييم قدراتك وصدقك مع نفسك

من المهم جدًا أن تكون عارفًا بنفسك صادقًا معها لا تكذب عليها، فمثلا أنت تعلم جيدًا قدراتك في الحفظ، فلن تقرر حفظ القرآن في شهر، وأنت تعلم أن هذا أمر مستحيل، إذن لتجعل سقف توقعاتك يتواءم وقدراتك، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، واعلم أن العبقرية تتفجر حين تكون في أمر تحبه وتميل إليه، وأنت أدرى بنفسك، ما تميل له وتهواه من أعمال وطموحات.

كن صادقا مع نفسك تماما، ولا تحاول أن تخدعها لتبدو بشكل جذاب للآخرين أو لتلبي رغبات الآخرين.

ويدخل في ذلك تحديد عيوبك للتعامل معها في كل ما سيأتي.

لذلك فأنت وحدك من يستطيع التقرير أن هذا المقدار مناسب أم أقل، أو أن هذا الهدف سيكون الأفضل أم غيره، وأنت وحدك من يعرف كيف يوظّف قدراته بكل قصور وعيوب لأفضل عطاء دون غشّ أو تحايل، فهذا مضمار سباق لا يمكن فيه الخداع لأن كل خداع فيه هو خداع لنفسك!.

ضبط مستوى الهمة

يختلف المقبلون على معسكر التدريب من ناحية مستويات الهمة والإقبال، لذلك فإن مستويات الأهداف تتغير بحسب الشخص وظروفه وقدراته، فالملتزم الذي لا يعاني مشكلة الانضباط والحزم يمكنه أن ينطلق من مستوى همة أعلى من غيره وصاحب الهمة أساسًا بغض النظر عن مستوى علو هذه الهمة، يمكنه أن يصل لمستويات أعلى وأكثر إنتاجية وتأثيرًا بفضل معسكر التدريب، وكلما ارتفع المسلم درجة في سلم الهمم كلما كبرت مشاريعه وتألقت أهدافه وكبرت طموحاته.

الانطلاقة

معسكر التدريب الأول: (صناعة الحزم من 3 إلى 6 أشهر)

في هذا المستوى ننطلق من مرحلة الانفلات واللامراقبة إلى مرحلة الانضباط التام والمراقبة، ولكن لن تكون مراقبة عادية أو من طرف ثاني، بل ستكون خشيتك من الله وسعيك لمرضاته هي الوازع الذي يدفعك للعمل والإتقان، تستحضر في ذهنك دائما أن الله يراك، وأنك قد عاهدته على التغيير للأفضل وترجو معيته فلا تعمل ما يجعلك تخسر هذه المعية. ولا أخال وجود دافع يحرض على العمل بحزم، أكثر من استشعار المسؤولية والأمانة والخشية من الله سبحانه. وذلك دأب المخلصين.

فالمخلص أشد الناس رقابة لنفسه وإتقانًا لعمله وتفانيًا في أداء واجباته، بغياب المراقبة الخارجية أو بوجودها.

ولأن معسكر التدريب الأول يشمل صناعة الحزم وكسب معية الرحمن سبحانه، لذلك فإن أول أهدافه سيكون ضبط النفس على الاستقامة والنظام وحسن الإدارة، وتختلف البدايات بحسب مستويات همة أصحابها في المعسكر.

ولأجل تقييم جاد لنتائج التدريب، يجب أن يصنع المتدرب جدولًا بالأيام لمدة المستوى الأول، أي لثلاث أشهر بحيث يضع علامة إنجاز على كل يوم أدى فيه التزامًا بعينه (ولدينا 15 التزام في هذه المرحلة)، بشكل تام ومنضبط بالوقت، فإن قصر أو تخلّف، وضع علامة تقصير، وفي آخر مدة المعسكر، يجمع علامات الإنجاز والتقصير فإن كان الفارق صغيرًا، مددنا مدة التدريب لثلاث أشهر أخرى.

التزامات المستوى الأول من معسكر التدريب

ويجدر بالمسلم في هذا المستوى الحرص على تحقيق:

* الالتزام المنضبط بأوقات الصلاة، فإن كنت رجلا ففي المسجد (بحسب ما تسمح به ظروفك) وإن كنتِ امرأة ففي البيت أفضل، والصلاة هي العماد وهي الركيزة التي تتوطد بها علاقة العبد بالله وترتقي لأفضل المراتب، فإذا صلحت صلح عملك وإذا فسدت فسد عملك، وهي أول ما يُسأل عنه العبد. لذلك أول ما عليك ضبطه علاقتك مع ربك وإيفاء واجباتك في العبادة حقها غير منقوص.

* الالتزام التام والحازم بأداء أذكار الصباح والمساء وهذا يعني توفير كتيب الأذكار واقتطاع وقت للاختلاء وترديد الذكر في وقته المحدد بشكل جاد. فصاحب الهمّة معرض لسهام العين والحسد فعليه بالأذكار المأثورة ليدرأ عن نفسه ما قد يصيبه من سهام القدر على يد الحساد كما أن الذكر يحفظك من الوسواس الخناس.

* الالتزام بورد من القرآن بشكل يومي، فهو زادك في المسيرة ورفيقك في الغربة ومؤنسك وملهمك وسندك، لا يجب أن تقف علاقتك بالقرآن على مشاهدة المصحف في الزاوية أو على الرفّ، بل احرص على قراءة ولو صفحة واحدة في اليوم المزحوم، وأكثر من ذلك في وقت السعة بتدبر لا بسرعة، فلا يهم أن تختم بقدر ما يهم أن تطرق الخشية قلبك وتدمع عينك! وليكن في وقت يناسبك ليلا أو نهارًا فالمهم أن لا يمضي يوم دون أن تفتح فيه كتاب الله ولو قليلًا.

* الالتزام بصيام ثلاثة أيام على الأقل خلال الشهر، وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه، من قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ-: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به). ورُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ مِن كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، فَقُلتُ لَهَا: مِن أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كانَ يَصُومُ؟ قالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِن أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ) (رواه مسلم).

ومن جرّب الصيام وجده وسيلة عجيبة في صناعة الهمة وقهر النفس الكسولة العنيدة، فالصيام بحد ذاته معسكر تدريب لحسن قيادة النفس وضبطها والتحكم في شهواتها ورغباتها، ولا شك أن الصائم يتمتع بصفات قيادية تسمح له بتحقيق إنجازات كبيرة في حياته، فمن ضبط نفسه وأحسن قيادتها بالصيام فاز بالكثير من الصفات الرائعة التي ستجعله يحقق النجاح في حياته. يقول ابن القيم في بدائع الفوائد:”لا تكون الروح الصافية إلا في بدن معتدل، ولا الهمة العالية إلا في نفس نفيسة”، فاحرص على هذه القاعدة الذهبية لتتيسر المسيرة.

* الالتزام بإخراج صدقة مرة في الأسبوع، وحين نتحدث عن الصدقة فلا نعني بها إخراج المال الكثير بل نعني بها ما تيسر ولو كان شق تمرة، فالهدف هو إخراج صدقة تتناسب وإمكانيات الفرد ثم لتعويده خلق الإحسان بالصدقة والكرم، ثم للاستفادة من بركات هذه الصدقة. يقول يحيى بن خالد البرمكي:”البخل من سوء الظن، وخمول الهمة، وضعف الروية ، وسوء الاختيار ، ونكران الخيرات” .

* التزم بذكر 100 مرة الاستغفار بشكل يومي ولا تنزل عن هذا الحد.

* الالتزام بعمل تطوعي واحد على الأقل خلال الشهر، هذا الأمر يختلف بحسب اختلاف ظروف كل فرد، فقد يكون العمل تقديم مساعدة للأهل والأقارب أو الإقدام على عمل خيري عام، كخدمة للمسجد أو مساعدة لمحتاج أو تصليح ما يحتاج لتصليح والأفكار في ذلك، باب مفتوح، المهم أن تخرج بعمل خيري خلال الشهر الواحد.

* الالتزام ببر الوالدين والإحسان لمن حولك وتطوير علاقتك للأفضل بالكف عن الخصومات والتوترات خاصة مع أفراد أسرتك، فإن لذلك المردود المضاعف، الأول على نفسيتك فالهدوء والصفاء يسمح لك بتقديم الأفضل، والثاني لمحيطك، فتكسب قسطًا من السلام مع من حولك فلا تعكر أجواء معسكرك في الخلافات، وما أجمل غض الطرف والتغاضي عند الاهتمام بالأهداف السامقة، فإنما هو راحة بال وبعد نظر، ولا شك أن تجميد خلافاتك مهما كان الطرف الآخر مزعجًا لك سيكون له بركاته، وتذكر أنك تبني نفسك لتخرج من دائرة الضعف للقوة والقوي يجب أن يحسن التعامل مع من حوله ويؤتي كل ذي حق حقه ويستوعب الخلافات بما لا يؤثر في دينه وعقله.

* الالتزام بالدعاء في كل وقت استجابة وخاصة وقت الجمعة في آخر ساعة، اجعلها محطة خلوة ولو لخمس دقائق، انعزل عن الناس جميعًا وقل ربي زدني علما!، اجعلها محطة تواصل وبث الحزن والشكوى لخالقك، واعلم أن هذه ساعة لا يفرط فيها نجيب، وما توفيقك إلا بالله العلي العظيم! ومن حاز التوفيق من ربه فهو خير له من كل أسباب البشر.

* الالتزام بالنظافة والنظام، وهذا يعني أن تهتم بنظافتك الشخصية ومظهرك، وأن تعكس صورة المسلم المنير ظاهرًا وباطنًا، ويدخل في ذلك نظام غرفتك ومكتبك وكل ما تتعامل به، عود نفسك النظام والترتيب، واهتم بالتفاصيل، لأنها مرحلة ضبط في حياتك سيكون لها بركاتها بعد حين!

* الالتزام بقراءة كتاب مفيد أو الاستماع لدرس مفيد، يجب أنا تستمر في صناعة الوعي وتوسيع مداركك ومعرفتك وهذا يعني أن تنتخب كتابات أو مقالات بالقدر الذي تسمح به ظروفك، فتقرأ على أقل تقدير، مقالة واحدة في اليوم، واستمر في ذلك بتحديد وقت لها، فإن لم تجد، فاعلم أن صاحب الهمة يقرأ في طريقه أو في لحظات استراحته وفي كل فرصة يتحين استراق اللحظات لإنجازاته!

* اهجر تماما كل ما يدخل في سماع الموسيقى والغناء والبرامج التافهة، وإن كنت شديد التعلق بذلك فاستبدله بالأناشيد التربوية الهادفة، وهناك أصوات كثيرة جميلة تغنيك عن التعلق بمخدرات الأغاني والموسيقى. وتأكد أنك سترى خيرًا كثيرًا وسيتسع فهمك وتزداد نباهتك وتعيش بركات التقوى.

* اهجر المعاصي والذنوب، من حضور مواقف الفسق أو الاشتراك في أمر محرم أو مشاهدته أو مواطن الفتن، وغيره مما سيحجب عنك رؤية النور، طهر نفسك واستقم كما أمرت وسترى مفعول من ترك شيئا لله فعوضه خيرًا منه! فنور الله لا يهدى لعاصٍ.

* تخلص تماما من الربا في أموالك، لا تتعامل بها ولا تقبلها فإن فيها محق للبركات وعقبات ولعنات. وكل حلالًا وعش بالحلال.

* احرص على وقت للرياضة ولو مرتين في الأسبوع كحد أدنى، يقول ابن تيمية رحمه الله:”فإن لفظ الرياضة يستعمل في ثلاثة أنواع:

في رياضة الأبدان بالحركة والمشي، كما يذكر ذلك الأطباء وغيرهم.
وفي رياضة النفوس بالأخلاق الحسنة المعتدلة، والآداب المحمودة.
وفي رياضة الأذهان بمعرفة دقيق العلم، والبحث عن الأمور الغامضة”.

وإن الحرص على نشاط الجسد يعطي قوة لصاحبه، وفي هذا المستوى سنحرص على حد أدنى برياضة المشي، أو التمارين المنزلية بمعدل 30 دقيقة وإن كنت ممن يحب السباحة وغيرها من رياضات فذلك فضل، وإن في ممارسة الرياضة عزيمة وقوة.

وأما المعاق، فهناك رياضات تناسبه يمكنه القيام بها، فليستعن بالله ولا يعجز.

وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها الأجسام

وبهذا العرض نكون وصلنا للحد الأدنى الذي لا يجب أن تنزل عنه أبدًا، في معسكر التدريب للمستوى الأول، معسكر صناعة الحزم.

ومما يجدر بنا الإشارة إليه في هذا المقام أن هناك علاقة عجيبة بين التدريب والاستمرارية، فما نعمل على تحقيقه من المعسكر الأول هو تحديدًا ما سيسمح لك بمواصلة المعسكر الثاني والثالث وبدونه لا يمكنك تحقيق شيء في المعسكرين المقبلين حيث سترتفع مستويات الأداء.

وما ستخرج به بعد هذه التجربة هو كما يلي:

* تعويد النفس على الانصياع لأوامرك وحزمك، وقيادتها كما يحب الله ويرضى.
* تعويد النفس على الاستقاء من معين الإسلام ووصال الله سبحانه مما يحقق لك خفة في السعي وبركة واستزادةً وانتعاشًا.
* الشعور مع كل يوم تستمر فيه على هذه الالتزامات بتغيير يقع في داخلك وفي نفسك وفي تركيبتك، ستصبح أقدر على مواجهة الصعاب وأكثر توكلا على الله واستعانة به، ستكتشف قدراتك الداخلية المبهرة وستعرف لذة نعيم العبادة، وتلك السكينة التي يمن بها الله على من أقبل عليه، ستصبح الدنيا في نظرك لا تساوي جناج بعوضة! وتذكر في البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي يرويه عن ربه:”إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا, وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة”.

ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أما للخروج من المعسكر فلن يكون حتى تبلغ نسبة الانضباط 70% كحد أدنى، أي أنك التزمت كأقل تقدير بسبعين بالمئة من جدول معسكر التدريب الأول خلال 3 أشهر، لا يدخل في ذلك حالات المرض أو الظروف الاستثنائية.

أسباب تساعدك على الحزم والانضباط

* الصرامة مع مواعيد الالتزامات، إياك والتسويف أو التأجيل، أدّ الواجب في وقته وانهي التزامك في لحظته لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ولا عمل اللحظة إلى ما بعد، وبادر للوفاء بالالتزام فورًا وفي موعده.

* تذكر دائما أنك في معسكر تدريب واستحضر دائما أهمية إنهاء هذه المرحلة بأفضل علامة ممكنة.

* ضع في ذهنك أن هناك من يسابقك في نفس المعسكر، فلا يسبقنك وتتأخر. قال ابن القيم : “ولله الهمم ما أعجب شأنها وأشد تفاوتها!, فهمة متعلقة بالعرش, وهمة حائمة حول الأنتان والحُش”.

* تذكر أن ما تقوم به الآن هو حجر الأساس لما هو قادم وأول خطوة في سلم الارتقاء فلا تستهين فتسقط وستدرك قيمة ذلك لاحقًا فلتصبر.

* اعلم أن ما تجنيه من بركات الصدق اليوم هو سر النجاح في حياتك وآخرتك إن منّ الله عليك بالثبات إلى الموت.

* ابتعد عن الصحبة المرهقة والعلاقات المستنزفة وإياك ووقت ضائع لا تحسن فيه صنعًا. يقول صاحب الظلال: ” تبدو اهتمامات الآخرين صغيرة هزيلة في حس المسلم المشغول بتحقيق وظيفة وجوده الكبرى في هذا الكون عن تلك الصغائر والتفاهات التي يخوض فيها اللاعبون ” ويقول أيضاً: ” والمسلم ينظر إلى اشتغال أهلها بها (أي الدنيا) وانغماسهم فيها وتعظيمهم لها كأنها أمور كونية عظمى، وهو ينظر إليهم كما ينظر إلى الأطفال المشغولين بعرائس الحلوى والدمى الميتة، يحسبونها شخوصاً، ويقضون أوقاتهم في مناغاتها واللعب معها وبها”.

* كل وقت ضائع لديك اشغله على الأقل في تدبر خلق الله والتفكر في المعاني القيّمة، في مشاهدة ما يجعلك تدرك عظمة الله وروعة خلقه، تعلم معلومة جديدة ودوّن فائدة ملهمة في دفتر الفوائد، وإياك أن تشغل نفسك بالمعاصي والذنوب كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!

* قد تكون ممن ابتلي ببعض الأمور السيئة كالتدخين مثلا أو الإدمان على الأفلام أو الغيبة أو العلاقات المتهمة، أو غيره مما يتهدد مسيرتك، فهذه ستتطلب عناية خاصة بالتدريج، ولن تمنعك من اجتياز معسكرك الأول لكنها ستكون هدفك في المعسكر الثاني إن فشلت في تجاوز إدمانها مبكرًا. وكذلك الحال مع كل نقائصك ستخوض معركة المجاهدة في كل حين تسعى فيه للارتقاء، وأنت تتلو قول ربك سبحانه (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69).

* لا تنشغل بأية أمور جانبية عن هدفك الأول والأخير وهو اجتياز المعسكر بنجاح فإن أسوأ إدارة للمهمات تلك التي تشتت جهودك وطاقاتك على جبهات مختلفة، فلا تحقق إنجازًا في أيّ منها، لذلك فالتركيز ضرورة للنجاح.

* سيكون ممتعًا أن تجد صديقًا أو أكثر، يجتاز معك نفس المعسكر فتتنافسان في الله.

* استعن بقضاء حوائجك بالسر والكتمان ولا تكثر الحديث عما تنوي فعله وإن تحقق وتفوقت، بل اشغل نفسك في إنجازه بهدوء ورجاء القبول من الله، وغالبًا كثرة الحديث عن المشاريع قبل تحقيقها يحبط العمل وبعد تحقيقها يجلب الغرور والعجب بالنفس.

* إياك والإصغاء لمن يثني همتك أو يحبط عزيمتك أو يسخر من إقبالك فأنت ترجو رحمة الله وهو يرجو خسارتك.

* استعن بدفتر تدوّن فيه ملاحظاتك وخواطرك عن هذا المعسكر تتركه ذكرى لمن أراد التجربة.

* الانتهاء من هذه المرحلة يعني الثبات حقيقة على هذا المستوى ولن تقبل بالنزول تحته، وستستعين بمجاديف التوبة والاستدراك عند الزلل، ولكن لا للتراجع أبدًا فالقادم يستحق وبدون هذه الذخيرة لن تسلك!

* تذكر قول ابن القيم رحمه الله : “أعلى الهمم همة من استعد صاحبها للقاء الحبيب صلى الله عليه وسلم”.

يقول الشاعر

وإني وإن كنت الأخير زمانه * لآت بما لم تستطعه الأوائل

ثم إن لم تتمكن من اجتياز هذا المعسكر بمجموع 70% فأعد الكرّة لثلاث أشهر أخرى، ثم بعدها لابد أن تمر على الأقل بـ50% لننتقل إلى معسكرات التطوير والبذل والسبق والتميّز. لنتم بناء الهرم ونصل إلى القمة بإذن الله.

وهو عنوان حلقتنا المقبلة “معسكرات البذل والتميّز في صناعة الهمة”.

إلى ذلك الحين تذكر قول ابن القيم رحمه الله: “فمن علت همته، وخشعت نفسه، اتصف بكلِّ خلق جميل. ومن دنت همته، وطغت نفسه، اتصف بكلِّ خلق رذيل”.

قد وعيت .. فالزم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق