"المثقف السلطوي" حين ينتقد الديمقراطية الأميركية
خليل العناني
ليس أكثر بؤساً مما حدث في أميركا يوم الأربعاء الماضي (6/1/2021)، حين اقتحم أنصار الرئيس المنصرف، دونالد ترامب، مبنى الكونغرس الأميركي اعتراضاً على خسارته السلطة، سوى الانتقادات التي يوجهها السلطويون حول العالم للديمقراطية في أميركا. تماماً مثلما فعلت الصين وإيران التي علّق مسؤولوها على ما يحدث بقدرٍ لا يخلو من الفرح والشماتة في ما يحدث.
قطعاً، لا ضير في توجيه الانتقادات إلى أميركا وإلى ديمقراطيتها التي تثار حالياً أسئلة كثيرة بشأن رسوخها وصلابتها، فهذا ما يفعله الكتّاب والباحثون والصحافيون الأميركيون أنفسهم، ولكن أن يأتي النقد من أطرافٍ لم تمارس الديمقراطية يوماً، بل تحتقرها وتعتقل وتقتل كل من ينادي بها، فتلك هي المأساة والمهزلة.
خذ مثلاً الحالة العربية، فمنذ بدأت الأزمة السياسية في أميركا قبل شهرين، بسبب رفض ترامب الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأ المثقفون والإعلاميون العرب الذين يخدمون في بلاط السلطويات بتوجيه النقد واللوم إلى النموذج الأميركي، بسبب ما يرونه ضعفاً وفشلاً. ولو نظر هؤلاء في المرآة قليلاً قبل أن يتكلموا، لربما شعروا ببعض الحياء، ولبلعوا ألسنتهم داخل أفواههم. فكما يقول المثل العربي: "من كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالحجارة". وبيت هؤلاء السلطوي من أسوأ وأردأ أنواع الزجاج الذي يتهاوى بمجرد النفخ عليه، وليس قذفه.
تمنّى بعضهم أن يلقي ترامب سلّم الديمقراطية الذي صعد عليه إلى البيت الأبيض جانباً
ويكتشف من يتابع الإعلام المصري (اسم مجازي وليس حقيقياً) حجم الشماتة والفرح بين الموالين للنظام السلطوي الحالي في ما يحدث في أميركا، خصوصاً في تعامل قوات الأمن مع المتظاهرين. وهو أمر ظهر بوضوح الصيف الماضي حين استخدمت قوات الأمن الأميركية العنف المفرط في قمع مظاهرات حركة "حياة السود مهمة"، وذلك في محاولة لتبرير قمع الأنظمة العربية معارضيها. وهي مقارنة ليست فقط ساذجة بسبب الاختلاف الكبير بين السياقين، العربي والأميركي، ولكنها أيضاً تكشف إفلاساً سياسياً وأخلاقياً كبيراً لدى هؤلاء، فحق التعبير والتظاهر من أهم الحقوق التي يتمتع بها الأميركيون، وقد رأينا ذلك بوضوح طوال فترة حكم ترامب الذي لم يستطع أن يفعل شيئاً مع الانتقادات التي وجهها إليه الإعلام الأميركي بسبب أدائه الكارثي، فحق التعبير مقدّس يصونه الدستور للجميع، ولا يمكن أحداً، وإن كان الرئيس، أن ينتقص منه أو يمنعه أو يجور عليه. وقد شهدنا عندما منع ترامب الصحافي مراسل قناة سي. إن. إن، جيم أكوستا، من حضور مؤتمراته الصحافية في البيت الأبيض، رفض القضاء الأميركي قرار ترامب، وأعاد الصحافي ليمارس عمله بحرية.
الأنكى من ذلك يتمثل في فريق آخر من الإعلاميين والمثقفين العرب الذين يدافعون عن ترامب أكثر من دفاع أنصاره عنه، بينما في الوقت نفسه، يلعنون الديمقراطية الأميركية التي أوصلته إلى السلطة. بل تمنّى بعضهم أن يلقي ترامب سلّم الديمقراطية الذي صعد عليه إلى البيت الأبيض جانباً، وممارسة السلطة بالطريقة نفسها التي يمارسها بها حكامهم السلطويون. وقد حمّل بعض هؤلاء الحزب الديمقراطي مسؤولية الأزمة الراهنة في أميركا، بل وصل الأمر إلى تبنّي نظرية ترامب حول المؤامرة التي يتعرّض لها من وسائل الإعلام الأميركية، ومن اليسار الديمقراطي، وتوجيه انتقادات لاذعة إلى معارضيه، حتى وإن كانوا من داخل الحزب الجمهوري.
يحزن المثقف السلطوي العربي لما يقع لترامب وأنصاره، بينما يدافع ويحرّض على الانتقام من معارضي السلطة في بلاده
بمعنى آخر، كما تبلورت لدينا على مدار السنوات الماضية ظاهرة الصهاينة العرب، من السياسيين والمثقفين والإعلاميين العرب، فإن لدينا الآن من يمكن أن نسميهم "الترامبيين العرب" الذين يدافعون عن سياسات ترامب وقراراته، ويلتمسون له العذر في كل قراراته وأفعاله، إلى درجة أن بعضهم أصبح أكثر تطرّفاً في الدفاع عنه من أنصاره الأميركيين أنفسهم. كتب أحد هؤلاء أخيراً مقالاً ينعى فيه خسارة ترامب الانتخابات، ويحمّل الأزمة الحالية لفترة حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بل ويلقي باللائمة على الإعلام الأميركي، لأنه حسب قوله قام بعملية "شيطنة للجمهوريين وقواعدهم الانتخابية". ويرى صاحبنا أن هذا الإعلام منحاز إلى اليسار الديمقراطي وإلى حركة "حياة السود مهمة". بالطبع، لا يستطيع الرجل كتم صدمته من خسارة ترامب، مثله في ذلك مثل كثيرين ممن كانوا يراهنون، ويمنّون النفس، بسنوات أربع أخرى لترامب في البيت الأبيض. وعلى ما يبدو، فإنهم غير قادرين على ابتلاع هزيمته وخروجه من الرئاسة بعد ولاية واحدة.
يحزن المثقف السلطوي العربي لما يقع لترامب وأنصاره، بينما يدافع ويحرّض على الانتقام من معارضي السلطة في بلاده. ولا يجد حرجاً في أن يدافع عن محاولات ترامب لتخريب النموذج الديمقراطي الأميركي، ليس لشيء سوى تحقيق مصالح سيّده الذي يتولاه بالرعاية والحماية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق