السبت، 23 يناير 2021

إيمانويل ماكرون فرنسا غير مستعدة لتقديم اعتذار عن ماضيها الأسود واستعمارها للجزائر

إيمانويل ماكرون فرنسا غير مستعدة لتقديم اعتذار عن ماضيها الأسود واستعمارها للجزائر
رغم استعمار بلاده الأسود لإفريقيا.. ماكرون يواصل السير على نهج أسلافه


 تقرير بقلم الخبير السياسى والإقتصادى

د.صلاح الدوبى 

جنيف – سويسرا

– قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن استعمار بلاده للقارة الإفريقية مجرد “خطأ جسيم”
– ماكرون، لم يعطِ ولو إشارة واحدة بخصوص رفع يده عن اقتصاد القارة السمراء ومواردها. 
– الخبراء يشيرون إلى أن فرنسا ستواصل فرض سيطرتها على العملة الجديدة التي سيتم استخدامها بديلًا عن فرنك “الجماعة المالية الإفريقية” (CFA)

أكد نص البحث الذي سلمه الباحث والأكاديمي بنجامان ستورا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي نشرت نسخة منه جريدة “لوفيغارو“، أن “ما قام به الباحث كان بعيداً عن أي إملاءات خاصة من الرئاسة الفرنسية والرئيس نفسه”.

ومن أبرز ما أوصى به ستورا في تقريره المكون من 150 صفحة، “تشكيل لجنة تسمى الذاكرة والحقيقة، وتُوثق شهادات الناجين من حرب الاستقلال الجزائرية، وذلك بتنسيق بين باحثين فرنسيين وجزائريين”.

كما أوصى التقرير بـ”ضرورة زيادة التعاون بين فرنسا والجزائر، وأن يتمكن الجزائريون الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا (يعرفون باسم الحركى) خلال حرب الاستقلال الجزائرية، من التنقل بسهولة بين البلدين، وتيسير منحهم التأشيرات”.

التقرير اقترح أيضاً إزالة عبارة “سر الدولة” الموجودة بالوثائق التي يعود تاريخها إلى عام 1970 في الأرشيف، وإنشاء أرشيف مشترك بين البلدين، مشدداً على “ضرورة تقديم منح دراسية للطلاب الجزائريين لإجراء دراسات في الأرشيف الفرنسي، على أن يتم الشيء نفسه أيضاً بالنسبة للطلاب الفرنسيين”.

بيان قصر الإليزيه حول تقرير الاستعمار الفرنسي للجزائر وحرب الجزائر مستفز جداً، ويعيد تقزيم المستعمرات الفرنسية كأنها ما زالت تحت الوصاية والاحتلال.

 إن الحديث عن الحلول الرمزية إشارة واضحة إلى أن فرنسا ما زالت تعامل الجزائر كمستعمرة صغيرة ومتخلفة، تعطي لها فُتات الامتيازات، وترفض حتى الاعتذار أو الاعتراف بالجرائم المرتكبة.



رغم أن فرنسا لها ماض استعماري أسود في قارة إفريقيا استمر زهاء 5 قرون، إلا أن هذا لم يدفعها ولو لمرة إلى الاعتذار عما ارتكبته من جرائم ومآسي، أسفرت عن مقتل أكثر من مليوني إنسان.
الرؤساء الفرنسيون على امتداد تاريخ جمهوريتهم، لم يكلفوا أنفسهم عناء إبداء الندم عما فعله أسلافهم وأجدادهم بحق شعوب تلك القارة، ولا حتى تقديم الاعتذار عن المجازر التي ارتكبوها.
الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون، لم يختلف عن أسلافه، إذ أنه خلال زيارة أجراها مؤخرًا، لدولة ساحل العاج، تحدث عن تلك الحقبة السوداء، وبدلًا من أن يعتذر عن الماضي، استخدم مصطلح “الخطأ الجسيم” لتوصيف المجازر التي ارتكبتها بلاده، ليس هذا فحسب، بل يلجأ من ناحية أخرى إلى حيل وألاعيب جديدة من أجل الإبقاء على سيطرة بلاده على تلك القارة.
وقال ماكرون، خلال زيارته الأخيرة إلى ساحل العاج، وهو بصدد حديثه عن ماضي الاستعمار الفرنسي بإفريقيا: “غالبًا ما يُنظر إلى فرنسا اليوم على أنّ لديها نظرة هيمنة ومظاهر خادعة لاستعمار كان خطأً جسيماً، خطأ ارتكبته الجمهورية (الفرنسية)”.

 استغلال موارد إفريقيا لمصالح فرنسا

ولم يقدم الرئيس الفرنسي في تصريحاته حتى مجرد اعتذار عن التاريخ الدموي لبلاده، كما لم يعطِ ولو إشارة واحدة بخصوص رفع يده عن اقتصاد القارة السمراء ومواردها، بل حاول التقليل من أثار ذلك الاستعمار وتداعياته.
وثمة اتهامات لفرنسا تقول إن الأخيرة من خلال وجودها العسكري في عدد كبير من البلدان الإفريقية تستغل مواردها مثل الحديد والنفط من أجل مصالحها.
وأعلن الحسن وتارا، خلال مؤتمر صحفي جمعه مع ماكرون، أن “الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا” (UEMOA) اتّفق مع فرنسا على إعادة تسمية “الفرنك الإفريقي” (CFA) الخاصة بغرب أفريقيا إلى “ايكو” (Eco)، وإنهاء بعض الروابط المالية مع باريس الداعمة لعملة “CFA” التي ظلت مستخدمة على مدار 74 عامًا منذ إنشائها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وسيكون تنفيذ هذا الاتفاق بداية من العام 2020، في المقابل تجري باريس استعدادتها المناهضة للعملة الجديدة.
وبموجب هذه الصفقة، ستبقى عملة “إيكو” مربوطة بعملة “يورو”، ولكن دول غرب إفريقيا التي تستخدم العملة لن تضطر إلى إيداع 50 بالمائة من احتياطياتها في الخزانة الفرنسية ولن يكون هناك ممثل فرنسي في مجلس إدارة العملة.
وتتماشى هذه الصفقة مع قرار “المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا” (ECOWAS) لبدء استخدام عملة “ايكو” الموحّدة في عام 2020.

إضافة إلى أنّ فرنسا تعرّضت في السنوات الأخيرة لانتقادات من قبل النشطاء والاقتصاديين الأفارقة، حيث اعتبروا عملة “CFA” من بقايا الفترة الاستعمارية، بينما يرى مؤيدو العملة – وعلى رأسهم فرنسا – أنها وفّرت الاستقرار المالي في المنطقة حتى في وقت الاضطرابات المالية والاقتصادية.
جدير بالذكر أن هذه التغييرات ستؤثر فقط على عملة “CFA” الخاصة بغرب إفريقيا المستخدمة من قبل بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج ومالي والنيجر والسنغال وتوغو – أي جميع المستعمرات الفرنسية السابقة باستثناء “غينيا بيساو”.

أما الدول الست التي تستخدم عملة “CFA” في منطقة وسط إفريقيا، فهي غير داخلة ضمن الاتفاق. وهذه الدول هي: الكاميرون ، وتشاد ، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية والغابون، رغم أن جميعها مستعمرات فرنسية سابقة باستثناء غينيا الاستوائية.

وبحسب الاتفاق ذاته ستبقى فرنسا دولة ضامنة وقت الأزمات. أي أنه إذا عجزت الدول التي ستستخدم العملة الجديدة “إيكو”، عن دفع مستحقات واردتها ستتكفل باريس بعملية الدفع مقابل حقها في العودة لمجلس إدارة العملة.
وهذه النقطة الأخيرة تشير إلى أن هذه العملة الجديدة لن تدار بشكل مستقل من قبل الدول الإفريقية المعنية. إذ يقول اقتصاديون أفارقة أن استبدال عملة “CFA” بالعملة الجديدة “إيكو”، ما هو إلا مناورة تهدف إلى إبقاء فرنسا على سيطرتها على السياسات المالية في مستعمراتها القديمة.
بولين تيتيلون، الرئيس المشارك لجميعة تسمى “Survie”، وهي جمعية تضغط باتجاه تغيير السياسة الفرنسية في إفريقيا، قال ، تعليقًا على هذه التطورات الجديدة، “حتى لو استخدمت عملة الـ(إيكو) محل عملة (CFA)، بداية من العام 2020، فإن فرنسا ستواصل إحكام سيطرتها على هذه العملة الجديدة أيضًا”.
بدوره، قال الرئيس المشارك الآخر للجمعية ذاتها، باتريس غاريسيو، إن “هذا الإصلاح (في إشارة لما أعلنه رئيس ساحل العاج) تم الإعلان عنه من قبل ماكرون والحسن واتارا الذي جاء على رأس السلطة بفضل تدخل الجيش الفرنسي في بلاده بالعام 2011”.

وأضاف غاريسيو: “حتى الأمس القريب كان الزعيمان يدافعان عن عملة “CFA”، لكنهما (ماكرون وواتارا) ليسا الشخصان الشرعيان المخولان للقيام بهذا الإصلاح الذي تم إعلانه دون التشاور مع بلدان المنطقة”.
تاريخ فرنسا الأسود بإفريقيا
تجدر الإشارة أن فرنسا لها ماضٍ أسود في إفريقيا بدأته بحملات استعمارية في العام 1524، حيث شملت أنشطتها الاستعمارية أكثر من عشرين دولة غربي وشمالي القارة السمراء بسطت سيطرتها عليها. إذ أن 35 في المئة من تلك القارة ظلت تحت السيطرة الفرنسية طيلة 300 عام.
دول مثل السنغال، وساحل العاج، وبنين، استخدمت في تلك السنوات كمراكز لتجارة العبيد لفرنسا. فضلًا عن استغلال باريس لموارد تلك الدول ونهب ثرواتها.
من ناحية أخرى قامت فرنسا بممارسات شديدة العنف لقمع الثورات التي قامت بها شعوب الدول التي جعلتها تحارب في صفوفها خلال الحروب العالمية، على وعدٍ بمنحها الاستقلال.

الإستعمار الفرنسى البشع للدول فى أفريقيا

وأسفرت فترة الاستعمار التي استمرت زهاء 5 قرون، وكذلك حروب الاستقلال، عن مقتل أكثر من مليوني إنسان.
وقبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، اندلعت مظاهرات بالجزائر التي حاربت إلى جانب فرنسا في تلك الحرب على أمل نيل الاستقلال، قتل خلالها الجنود الفرنسيون مئات الألاف من الجزائريين.

واستمرت تلك الممارسات بشكل ممنهج حتى نالت الجزائر استقلالها بعد مجازر 8 مايو/أيار 1945 التي شهدت عمليات قتل ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري، وشملت معظم أرجاء البلاد ومن أهم المناطق هي سطيف والمسيلة وقالمة وخراطة وسوق أهراس، بعد أن قامت الشرطة الفرنسية بقمع المظاهرات فيها يوم إعلان انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
وفي حرب الاستقلال الجزائرية قتل 1.5 مليون جزائري تقريبًا على يد الفرنسيين. وفضلًا عن ذلك تركت فرنسا المجتمع الجزائري وجهًا لوجه مع مجزرة ثقافية. إذ تسببت وبشكل كبير في محو التاريخ العثماني الذي استمر 300 عامٍ، فضلًا عن تسببها في طمس الهوية المحلية للجزائر.
وحتى يومنا هذا لم تقدم فرنسا كدولة اعتذارًا رسميًا للجزائر على ما اقترفته في حق شعبها من جرائم لا يمكن أن ينساها التاريخ.

في المقابل تقول وزارة المجاهدين الجزائرين، إن هناك 4 ملفات متعلقة بسنوات الاستعمار والفترة التي تلتها، لا زالت معلقة بين الدولتين، كما أن فرنسا ترفض إعادة الأرشيف الجزائري الذي استولت عليه ويحتوي على مئات الوثائق والمؤلفات الوطنية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق