الاثنين، 25 يناير 2021

"قرآن المؤرخين"

 

"قرآن المؤرخين"
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


"قرآن المؤرخين" وقاموس مكمل له، خاص بكل ما يتعلق بالقرآن والإسلام، صادر عن دار نشر "لو سير" (Le Cerf) الفرنسية، ويقع بأجزائه الثلاثة في 3408 صفحة. ومرفق معه قاموس خاص عن مختلف المفردات التي تنتقد الإسلام وتدينه. 
وهو أكبر وأجبن صفعة توجهها فرنسا للقرآن والإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مصر، بلد الأزهر وعلماؤه الأفاضل.. 
وذلك تحت راية العلم والبحث العلمي الشديد الدقة والأمانة، وتحت لافتة تحمل اسم الشخص المسلم الذي تولي الإشراف على هذه الجريمة، رغم كل ما يحمله من أوسمة وشهادات تقدير فرنسية، هو السيد محمد علي أمير مُعزّي، الشيعي، الأستاذ بالجامعات؛ والسيد جيوم ديي الفرنسي، أستاذ الإسلاميات بالجامعة الحرة في بروكسل.
وهو ما يكشف المستوي العلمي لفريق العمل برمته والذي ضم ثلاثين عالما متخصصا في مجالات مختلفة، أمضوا خمسة أعوام من أعمارهم ليخرجوا بهذه الوثيقة التي تدينهم وتدين أمانتهم العلمية مثلما تدين رئيس دولتهم الذي يعمل على اقتلاع الإسلام من فرنسا بخطي حثيثة ويغلق المساجد وأنشأ معهدا لتخريج الأئمة ليقيم "إسلاماً فرنسياً" كما يقول: (Un Islam de France).
ويقع هذا البحث في ثلاث مجلدات، المجلد الأول حوالي ألف صفحة ويضم أبحاث الأساتذة الكرام في مختلف التخصصات التي تصوروا أنه يمكنها أن تفضح وتهدم الإسلام مثلما فعل علماؤهم المسيحيون بالأناجيل على مر التاريخ، بل منذ اللحظات الأولي التي تولدت فيها فكرة المسيحية والتي بدأ فيها التحريف. فالثابت تاريخيا بفضل واقلام أبنائها، أن المسيحية وُلدت ونشأت وتتواصل وسط المعارك بأقلام أساتذتها المسيحيين.
وقد تم الإعلان عن هذا العمل "المتفرد" كما يقولون، في آخر 2019، وصدر فعلا مع وباء كرورنا المجيد، والذي كان البابا فرنسيس ينوي خلال شهر أغسطس فيه الإعلان عن خطته لتوحيد التعليم في العالم، وتوحيد يوم الأجازة الأسبوعية عالميا بيوم الأحد. لكنه شاء، وشاء الله شيء آخر..
ومن الغريب أن نطالع نشر ثلاث مقالات لثلاثة كتّاب، غير الذين ساهموا في هذا العمل، تتعدي كلا منها العشرين صفحة تنتقد الإسلام والقرآن بصورة قبيحة تحت ستار تقديم ذلك العمل الفذ، والغريب أن هذه المقالات معروضة للتحميل، وهو ما لا يحدث مع الأبحاث الجادة. بل والأدهى من ذلك أن نفس ذلك العمل "المتفرد" معروض للتحميل المجاني على موقع "بينترست"، وهو من أشهر وأكثر المواقع انتشارا على مستوي العالم. فلو كان هذا العمل الذي لا يساوي قطعا ثمن الورق الذي طُبع عليه له قيمة ما لما سعوا في نشره بهذه الصورة الرخيصة (بمعنيَيْها).
ويصف الناشر هذا البحث بأنه يقدم تقييما علميا لكل الأبحاث السابقة حول أصول القرآن وتكوينه وتأليفه، وإثبات عدم وجود أية وثيقة تثبت مصداقيته واعتماده، أو أي أثر أو تحليل موثق للعناصر الأثرية والخطية أو المحيط الجغرافي والأحداث العرقية والسياسية الكاشفة. إضافة إلى تحليل نص القرآن في مجلدين، آية تلو الآية، في تحريف شامل "موثق" للمائة وأربعة عشر سورة.
وفيما يلي بعضا من تلك النصوص العلمية التي وصفها الناشر بأنها "حدث عالمي يتم لأول مرة في التاريخ، كما أنه يفند كل الأعمال السابقة حول أصول القرآن وتكوينه وتأليفه وفهم ذلك التاريخ الهلامي المحرّف":
* "لكي نفهم الإشكالية من أساسها فإن تاريخ الإسلام قد تم التلاعب فيه منذ القرن التاسع بأيدي مؤلفي التراث الإسلامي الذين كانوا يعملون لصالح الخلافة العباسية"؛
* "الأعمال التمهيدية أو التعريفية بالإسلام تقدم تقريبا نفس الخط وكأن هذا التاريخ لم يتغيّر أو لم يتم تزييفه. فسوء نية من كتبوا السُنة لم يتم نقدها أبدا. وأنه لا يوجد في القرن السابع أي نص مسلم أو غير مسلم يشير إلى وجود مكة"؛
* "إن النص الكامل للقرآن يرجع للقرن الثامن وليس للسابع"؛
* "على عكس معتقد الإسلاميين فإن حوالي عشرين سورة تمت صياغتها أيام العباسيين فيما بين 813 و870. إلا أنها كانت منسوبة للنبي وكأنها ترجع الي ما بين 610 أو 632"؛
* "لا ضرورة لإضافة مزيدا من الشرح بما أنه من الواضح أنه لم يكن هناك أي وحيّ للرسول"؛
* السيد جيوم ديي الذي تصدر اسمه هذا العمل يقول: "لا بد من توجيه البحث العلمي لنقطة التراث الإسلامي غير الموثوق به"،
* "إن كتبة الخليفة عبد الملك قد صاغوا عددا من السور. وان مجرد قراءة القرآن نكتشف أن محمد لم يكن موجودا لا في أصل اختلاق القرآن ولا مجتمعه، فهو لم يظهر إلا بعد ثلثي كل التقويمات الموجودة"،
* "علماء الإسلام معرفتهم ضحلة بالإسلام.. لا تاريخيا ولا دينيا، كما يحاولون استبعاد البحث العلمي حول أصول الإسلام"؛
* "لا أثر لمحمد قبل سنة 685 وهي فترة عبد الملك، ووجوده في القرآن في القرن السابع مستبعد تماما من نص القرآن"..
* "نعلم أن هناك دين إسلام، لأن المسلمون يؤكدون ذلك، لكن في الواقع نحن نحكم خطأ علي الإسلام لأننا نجهل طبيعة الإسلام، ونجهل من ومتي ولأي غرض تم اختلاق هذه العبادة"؛
* "نحن نعلم أننا لا نعلم، لكننا نتظاهر بأننا نعلم: خرافة رسول اسمه "ماأوميه" (Mahomet) يتلقى أو خُيل إليه أنه يتلقى رسائل إلهية في مكة والمدينة بين 610 و632 وإن ذلك حقيقة تاريخية لا نقاش فيها"؛
وهذا أقل المكتوب وطأة وتجريحا.
ولا أجد ما أختم به عرض هذه الهجمة الشرسة والمغرضة سوي: نحن نستحق كل ما يحدث لنا من ذلك الغرب الصليبي المتعصب، الذي يتغنى قائده الديني بالأخوة الإنسانية، بينما يقوم سادته السياسيين باقتلاع الإسلام بدأب خطوة خطوة..


زينب عبد العزيز
23 يناير 2021


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق