فكرة مجنونة أخرى يموّلها بيل غيتس لحجب أشعة الشمس تثير مخاوف عالمية
تقرير بقلم الخبير السياسى والإقتصادى
جنيف – سويسرا
قال الملياردير الأميركي: «هذه الأفكار المجنونة تنتشر بطريقة ما على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أسرع من الحقيقة». وأضاف أنه «مندهش» من ظهور اسمه في نظريات المؤامرة هذه، حسب ما ذكر موقع «جي إم إكس» الألماني.
وكانت مقالات صحافية مغلوطة وصور مركبة ومزيفة فد انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبلغات عدة. ويتهم مقطع فيديو مثلاً بيل غيتس بأنه «يريد التخلص من 15 في المائة من السكان» تحت ستار تلقيحهم، وقد شاهد الملايين هذا المقطع عبر موقع «يوتيوب».
واستثمر بيل غيتس أكثر من 20 مليار دولار في اللقاحات في إطار مؤسسته «بيل وميليندا غيتس» خلال العقد الماضي.
ورفض الملياردير بيل غيتس إجراء مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، حول تقريرها عن نظريات تتهمه بلعب دور في خلق فيروس كورونا. وبدا ردّه نادراً، لكونه معروفا ببذل الجهود للوقاية من فيروس كورونا وظهر في العديد من وسائل الإعلام مؤخرًا لتحقيق هذا الهدف. لكنّه في المقابل، أجاب عن سؤال حول نظريات المؤامرة هذه، في مقابلة تلفزيونية مع قناة البث الصينية “جي سي تي أن”، يستهجن فيها هذه النظريات ويعتبرها مثيرة للسخرية، خاصّة أنّها تتهم شخصًا مثله بالتسبّب بمثل هذه الأوبئة. وأردف: “لكننا في وضع جنوني، لذلك ستكون هناك شائعات مجنونة”.
يخطط باحثون لتطبيق خطة (تبدو وكأنها خيال علمي) تتضمن قيام نحو 800 مركبة ضخمة بنقل ملايين الأطنان من غبار الطباشير إلى ارتفاع 19 كم فوق سطح الأرض ثم رشها في أنحاء الستراتوسفير.
يقدِّم مؤسِّس شركة مايكروسوفت، الملياردير بيل غيتس، دعماً مالياً لتطوير تقنية تعتيم الشمس التي من المُحتَمَل أن تعكس ضوء الشمس من الغلاف الجوي إلى الأرض، ما يؤدِّي إلى تأثير تبريدٍ عالمي. وتهدف تجربة تشويش الستراتوسفير الخاضع للتحكُّم، والتي أطلقها علماء جامعة هارفارد، إلى فحص هذا الحل عن طريق نثر غبار كربونات الكالسيوم غير السام في الغلاف الجوي، وهو رذاذٌ عاكس للشمس قد يحد من آثار الاحتباس الحراري، كما بحسب تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
وتوقَّفَت الأبحاث واسعة النطاق حول فاعلية الهندسة الجيولوجية الشمسية لسنواتٍ بسبب الجدل المُثار حولها. ويعتقد المعارضون أن مثل هذا العلم يأتي بمخاطر غير مُتوقَّعة، بما في ذلك التحوُّلات الشديدة في أنماط الطقس التي لا تختلف عن الميل نحو الاحترار الذي نشهده بالفعل. ويخشى أنصار البيئة من أن يُنظَر إلى التحوُّل الجذري في استراتيجية تلطيف الطقس كضوءٍ أخضر لمواصلة انبعاث الغازات الدفيئة بالتوازي مع تغييراتٍ طفيفة فحسب أو معدومة في أنماط الاستهلاك والإنتاج الحالية.
ما آلية عمل مشروع بيل غيتس لنثر غبار كربونات الكالسيوم في الغلاف الجوي؟
وستَّتَخِذ تجربة تشويش طبقة الستراتوسفير الخاضعة للتحكُّم خطوةً صغيرةً في أبحاثها المبكِّرة في يونيو/حزيران بالقرب من مدينة كيرونا بالسويد، حيث وافقت مؤسَّسة الفضاء السويدية على المساعدة في إطلاق بالون يحمل معداتٍ علمية يبلغ ارتفاعها 12 ميلاً (2 كيلومتراً). ولن يبعث الإطلاق أيَّ أيروسولات (هباء جوي) في الغلاف الجوي. في المقابل، سيكون بمثابة اختبارٍ لمناورة البالون وفحص الاتصالات وأنظمة التشغيل. وإذا نجحت التجربة، فقد تكون هذه خطوةً نحو مرحلةٍ تجريبية ثانية من شأنها إطلاق كمية صغيرة من غبار كربونات الكالسيوم في الغلاف الجوي.
يقرُّ ديفيد كيث، أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة هافارد، بـ”العديد من المخاوف الحقيقية” التي تخص الهندسة الجيولوجية. ولا أحد يعرف ماذا سيحدث حتى تُطلَق كربونات الكالسيوم ومن ثم تجري دراستها بعد ذلك. نَشَرَ كيث وزملاؤه من علماء التجربة ورقةً في العام 2017 تشير إلى أن الغبار قد يجدِّد بالفعل طبقة الأوزون من خلال التفاعل مع الجزيئات المُدمِّرة للأوزون. وكتب مؤلِّفو الورقة البحثية: “قد يؤدِّي إجراء المزيد من الأبحاث حول ذلك إلى تقليل المخاطر وتحسين فاعلية أساليب الهندسة الجيولوجية الشمسية”.
ما خصائص هذه المادة الكيميائية غير السامة وهل تنقذ كوكبنا بالفعل؟
من غير المعروف ما هي الكمية الدقيقة من كربونات الكالسيوم اللازمة لتبريد الكوكب، ولا يستطيع علماء التجربة بالمثل تأكيد ما إذا كانت كربونات الكالسيوم تمثِّل أفضل غبار من طبقة الستراتوسفير لهذه المهمة.
وتشير الأبحاث المبكِّرة إلى أن المادة لها “خصائص بصرية شبه مثالية” تسمح لها بامتصاص إشعاعٍ أقل بكثير من غبار الكبريتات، ما يتسبَّب في تسخينٍ أقل بكثير في الستراتوسفير. والغرض من التجربة هو أنه بمجرد إطلاق كمية تجريبية آمنة من كربونات الكالسيوم، سوف يطير البالون ويأخذ عيِّناتٍ من التفاعلات الجوية ويسجِّل ما ينتج عن الإطلاق.
ولا يعرف فرانك كوتش، الباحث الرئيسي في المشروع، ما الذي قد تجلبه النتائج. لكن الهباء الجوي لن يغيِّر على الإطلاق كيمياء الستراتوسفير. يقول كوتش: “الشيء الوحيد الذي سيفعله هو تشتيت أقصى قدر من أشعة الشمس، وبالتالي تبريد الكوكب”.
تبريد الأرض وتقليل الاحترار العالمي
واستشهد أنصار الهندسة الجيولوجية بآثار التبريد العالمي للانفجارات البركانية التي تنتج عن إدخال الرماد الكبريتي في الغلاف الجوي. وأدَّى ثوران بركان جبل تامبورا في إندونيسيا عام 1815 إلى “عامٍ بدون صيف”، في حين أدَّى ثوران بركان جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991 إلى خفض متوسِّط درجات الحرارة العالمية بمقدار 0.5 درجة مئوية. وقد يؤدِّي الإدخال المُتعمَّد لجزيئاتٍ مماثلة إلى مواجهة عقودٍ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وأشار تقريرٌ صادرٌ عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ إلى أن إجراء تجربة تشويش الستراتوسفير الخاضع للتحكُّم يمكن أن يخفض درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية، بتكلفة تبدأ من 1 مليار ولا تزيد عن 10 مليار دولار في السنة.
لكن ألا توجد مخاطر لهذه التقنية؟
لكن انخفاض درجات الحرارة يؤدِّي إلى مخاطر جسيمة، إذ أدَّت درجات الحرارة المنخفضة في عام 1815 إلى إفساد المحاصيل في ظروفٍ أقرب إلى المجاعة. وأشار علماءٌ بريطانيون إلى أن الهباء الجوي في الستراتوسفير من الانفجارات البركانية في ألاسكا والمكسيك هو السبب المُحتَمَل في الجفاف في منطقة الساحل الإفريقي. وقد يؤدِّي الاضطراب الكبير في المناخ العالمي إلى عواقب غير مقصودة، مِمَّا يؤثِّر سلباً على المناطق المكتظة بالسكَّان ويدفع نحو أزمة لاجئين أخرى.
واقترح ديفيد كيث إنشاء “تجمُّع مخاطر” لتعويض الدول الأصغر عن الأضرار الجانبية التي تسبِّبها مثل هذه الاختبارات، ولكن قد لا يكون مثل هذا الحل مريحاً لأولئك الذين شرَّدتهم الظروف غير الصالحة للعيش. ومنعت الولايات المتحدة والبرازيل والمملكة السعودية تقييم الأمم المتحدة لعام 2019 لخطط الهندسة الجيولوجية العالمية. وسيكون التعاون الدولي مطلوباً لتقييم المخاطر والمستفيدين والخاسرين في أيِّ تجربةٍ من هذا القبيل، وكذلك تقييم أفضل السُبُل للمُضيّ قُدُماً مع وضع الجميع في الاعتبار.
وبالنظر إلى المخاطر غير المعروفة المرتبطة بالهندسة الجيولوجية للشمس، يجب على أعضاء منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي مواصلة جهودهم لتطوير تكنولوجيا للطاقة المتجدِّدة تكون جذَّابة اقتصادياً، حتى بينما تُدعَّم فيه هذه الجهود ببحوثٍ وتجارب محدودة ودقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق