الاثنين، 25 يناير 2021

أين المتصدق بعرضه البارحة ؟!

 أين المتصدق بعرضه البارحة ؟!

أدهم شرقاوي


كانت غزوة تبوك علامةً فارقةً في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم رغم أنه لم يحدث فيها قتال أبداً، ولكنها كانت كذلك لأنها كانت الغزوة الأبعد عن المدينة المنورة، ولأن الوقت صيف والصحراء لظى، وما زاد الطين بلة أن بيت المال كان خالياً، فحثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين على الصدقة لتجهيز الجيش الذي عُرف في كتب السيرة بجيش العُسرة!

فجادوا ولم يُقصروا، جاء أبو بكر بكل ماله، وعمر بنصف ماله، والعباس بن عبد المطلب بدراهم لا تُحصى، وكلٌّ قد جادَ مما عنده، غير أن تلك الغزوة كانت غزوة الثّري عثمان بن عفان الذي جهَّز وحده ثلث الجيش، فحاز على وسام نبوي شريف من رتبة: ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم!

وبينما النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحثُّ على الصدقة، قام عُلبة بن زيد فقال: يا رسول الله إني فقير، وليس لديَّ ما أتصدقُ به، ولكني أُشهدكَ أني تصدقتُ بعرضي على من ناله من المسلمين.

فلم يعلقِ النبي صلى الله عليه وسلم على قول عُلبة، ولكنه في اليوم التالي أمرَ من يُنادي: أين المتصدق بعرضه البارحة؟!

فقام عُلبة بن زيد فقال: ها أنا يا رسول الله.

فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: قد قبلَ الله منك صدقتكَ!

اُنظرْ إلى الخُلق الذي يعاملُ به خلقه، فعاملهم أنتَ به تنلْ رضاه!

لا شيء أحبّ إلى الله تعالى من العفو، وإن أحبَّ أسمائه إليه الرحمن، والعفو جزء من الرحمة، فارحمْ تُرحمْ، واعفُ يُعفَ عنك!

كن مبادراً ولا تدع الشيطان يُدندن على وتر كرامتك!

إذا حصل خلاف بينك وبين أخ أو أخت، ورأيتَ الحقَّ معك، فلا تنتظر كثيراً، فكلما طال أمد الخلاف قست القلوب، بادِرْ، وقل اللهم قد تصدقتُ بمظلمتي طمعاً بما عندكَ! وان الذي قبلَ صدقة عُلبة بن زيد سيتقبل صدقتكَ!

تصدَّق بعرضك على الجار الذي أساء إليكَ وكُن خير ابني آدم!

تصدَّق بعرضك على الزميل الذي أساء إليكَ، فالحقد يفسدُ القلوب، فطهِّرْ قلبكَ بالتسامح!

أعرفُ أن الأمر صعب أحياناً، وأن الإنسان كرامة نهاية المطاف، ولكني أقول ليس بالضرورة أن تعود المياه إلى مجاريها، ولكن لماذا على الماء أن يبقى راكداً وآسناً؟!

ليس المطلوب أن تُعانق عناق الأحبة وإنما المطلوب أن لا تُدبر إدبار الأعداء، وحسبك وعد النبي صلى الله عليه وسلم: ما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عِزاً!

بقلم: أدهم شرقاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق