آية الله مسيلمة كليتشدار أوغلو
اقتربت سحائب الانتخابات التركية المنتظرة على أعتاب زمن النهايات، فمعاهدة لوزان في أنفاسها الأخيرة، وقد انتصرت الثورات المضادّة، وثمة حرب عالمية موشكة، وكل نهاية بداية، فامتشق زعيم المعارضة وكبير الطاولة السداسية سلاحاً انتخابياً فتاكاً، وهو سلاح الشرف والأشراف، فادّعى انتسابه إلى آل البيت، واتصل بنسب من السماء، وزعم أنه علوي، ومن قريش، وأحضر معه شجرة عائلة، عليها ختم المختار وتوقيع شاهدين، مع أنه من خراسان.
وقد أصبح جميع آل البيت من الأعاجم، وهذا غريب، فالظنُّ -والظنّ بمعنى اليقين- أنَّ آل البيت هم من العرب عرقاً ونسباً، لكن امرأ قد يفسر انتهاء نسب آل البيت إلى نسل الأعاجم، حتى صارت الملكة إليزابيت من آل البيت على قول مفتي الديار المصرية الوسيم علي جمعة، الأمر هو زواج الحسين من أمته المسبية شهر بانو بنت يزدجرد، واسم شهربانو سلافة في قول ابن خلكان وسلامة في أقوال آخرين. وأن شأن الدين قد اشتد في تركيا حتى أصبح غلاة العلمانيين يتوددون إلى المتدينين!
النسب عند العرب نسب آباء لا نسب أمهات، وشهير قول النبي عليه الصلاة والسلام للأشعث بن قيس: "لا، نحن بنو النّضر بن كنانة، لا نقفوا أمّنا ولا ننتفي من أبينا". وللخليفة المنصور مناظرة شهيرة بالرسائل مع محمد بن عبد الله بن حسن، حول النسب وجدارة الحكم، فريدة ومفحمة.
يطالب كمال كليتشدار أوغلو بملك آبائه وأجداده القرامطة والفاطميين والبويهيين الذين حكموا باسم آل البيت قروناً، وظهر الرجل في جوف أحد أضرحة الصالحين رافعاً يديه مبتهلاً، متمتماً بشفتيه الفاتحة، وليته قرأها جهراً، لنعرف إن كان يحسن قراءتها.
وظهر في صورة أخرى وكتاب الصحيفة السجادية على مكتبه، وعلى النضد كوب شاي في نهار رمضان، كما ظهر رفيقه في النسب والإمامة ورفقة السلاح، رئيس بلدية إسطنبول أكرم أمام أوغلو، وهو اسم حركي فليس باسمه الحقيقي، بثياب الإحرام في موسم الانتخابات المقدس! فهي مواسم انتخابات وصوت السماء أول الأصوات الانتخابية التي يسعى إليها المرشحون. سيقال إن أردوغان أيضاً يصلي ويؤذّن ويتاجر بالدين، فكيف نفرق بين الصدق والكذب؟ الواقع هو الذي يفرق بين الشحم والورم، يصدقه أو يكذبه.
وليس كمال كليتشدار أوغلو هو الوحيد الذي يحيي المعركة القديمة، فالإعلام العربي الموالي له والظهير سيبثُّ في شهر رمضان مسلسلين أو مسلسلا "ذا فقارين"، الفقار الأول هو مسلسل باسم معاوية، والثاني مسلسل باسم شجاعة أبو لؤلؤة المجوسي.
تقول الوقائع إن الانتخابات التركية فاصلة مثل المعارك الكبرى في التاريخ، اليرموك وحطين وجناق قلعة، فهي آخر القلاع والحصون الصامدة، وإنها بين جبهتين متضادتين، والركب أسفل منهما، وإنّ المعارضة مدججة بالمال والإعلام المحلي والعربي والعالمي، وإن فريق كوماندوز أوباما الإعلامي قد نزل إلى تركيا لإدارة المعركة الانتخابية والعبث بالخوادم وإعداد كتائب الذباب وخيالة الضفادع الالكترونية، وتعجيل فرج المهدي المنتظر القريب. وإنها ليست المرة الأولى، فما أكثر المرات التي لجأ فيها الطامعون في الحكم إلى سلاح النسب الشريف.
وفي العصر الحديث وجدنا صدام حسين في سنة 1991 يدّعي الانتساب إلى البيت النبوي، وكان غرضه من ذلك معارضة المقامات الحسينية الشيعية، وأصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بمنع الانتساب إلى البيت النبوي، وإن أي ادّعاء يستوجب عقوبة سبع سنوات سجناً، فللبيت النبوي سليل واحد فقط هو صدام حسين.
أما حافظ الأسد الذي حكم بلاد بني أمية في الشام، فلم يدّع شرف الانتساب، خبثاً ودهاءً أو ترفعاً منه، فدفع مذيعاً مفوها هو مروان شيخو صاحب برنامج "طريق الهداية" إلى أن يهتف بالأسد في ذكرى الإسراء والمعراج: يا ابن بنت رسول الله. وهي أول صيحة تشييع علنية في عهد الأسد.
والقذافي دافع في خطبة له بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لقصف بيته عن الدولة الفاطمية، وهجا معاوية هجاءً شديداً. واليساريون عموماً في أدبياتهم يميلون إلى التشيع، ويعدّون الحسين ثائراً ضد الاستبداد السني الوراثي، ولم نجد دكتاتورية تعادل الدكتاتوريات اليسارية الشمولية التي لم تُعرف من قبل في التاريخ.
وكتب اليساريون عشرات الكتب في مديح ثورة الحسين واليسار الإسلامي، لم يكن آخرهم عبد الله أوجلان.
فما أحسَنَ الدِّينَ والدُّنيا إذا اجتَمَعا، والكفر والإسلام إذا اضطجعا على سرير واحد!
ذكرنا بعض الرؤساء "المنتخبين"، ويمكن أن نذكر دعم بريطانيا لثورة الشريف حسين التي سميت باسم عظيم "اكس لارج" هو الثورة الكبرى، والتي قادها لورنس العرب ضد الخلافة العثمانية التي يحمل رايتها كمال كليتشدار أوغلو في تركيا، والسيسي في مصر، وحفتر في ليبيا، والأسد في سوريا.. والسلسلة طويلة.
قال بول بريمر في لقاء شهير: نحن نوالي الشيعة لأن عندهم عنوانا، فالفرنجة يحبون الأمة التي تقاد برجل واحد، وفي موضع آخر قال: غزونا العراق من أجل ألف سنة من التسلط السنّي، فجاؤوا (بآية الله) السيستاني الذي لا يحبُّ هدر الماء وهو في بلاد ما بين النهرين، وقام بمعجزة فتوضأ بكوب من الماء! وهي النسك الوحيد الذي شوهد له، فما رُئي وهو يصلي قط، ولا يتلو القرآن قط.
أما السيسي فهو من القلائل الذين لم يدّعوا الانتساب إلى آل البيت، ليس تواضعاً منه، وإنما خوفاً من إظهار شجرة عائلته. ثم إنه مؤيَد من الله الذي جاء به، وهو الذي سيسرّحه سراحاً جميلاً إن شاء، كما يقول في خطبه العصماء، ليس به حاجة بعد إلى الانتساب إلى آل البيت، فهو قاهر الإخوان، وخليفة داود الذي قهر جالوت. ويعلل إعلاميوه نصره على الإخوان بنصر الله له، وأنه آتاه الحكم، فالحكم نعمة من الله وليس اختيارا من الشعب، وهو في النظرية الشيعية بالأنساب والدماء لا بالانتخاب والاصطفاء.
ولا يذكر الإعلاميون لنا لمَ آتى الله إسرائيل أو أمريكا كل هذا السلطان، وآتى فرعون المُلك الذي علا في الأرض، فالله يؤتي الملك الأخيار والأشرار. ولم يؤت الله ملكاً أحداً من خلقه، كما أوتي الشيطان، فقد مات النبي سليمان ملك الإنس والجن، لكن ملك الشيطان لا يزال قائماً.
محبة آل البيت شائعة حتى في كتب أهل السنّة والمعاجم، والآل غير الأهل في القرآن الكريم، فالآل هم الأتباع والأهل هم الزوجات. كما أنّ جلّ المؤرخين السنّة يفضّلون عليّاً على معاوية، لكنهم يقبلون بحكم المتغلب، وقد يكون سبب ذلك هو العصبية القبلية، واعتقادهم بالدماء والأنساب، وإن كثيراً من الرواة والمؤرخين والمصنفين العرب يجعلون إخوة يوسف أنبياء!
عرفنا فلتر الجمال في وسائل التواصل، وهي فلاتر تجعل من القبيحة حسناء مكسالا، ومن السخلة غزالا. ونسب آل البيت فلتر سياسي، فإن كان كمال كليتشدار أوغلو من قريش، فهو من فرع حمالة الحطب، وحبل السلالة حبل من مسد.
twitter.com/OmarImaromar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق