الهدي في الحزن
كثيرة هي الآيات التي تذكر الحزن في القرآن العظيم ..
جاءت في مقامات مختلفة ومع شخصيات متعددة،
ذكره الله مع مريم ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي ﴾
وأم موسى ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾، ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾
والنبي صلى الله عليه وسلم ﴿وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾، ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾
والصديق رضي الله عنه ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾
ونبي الله يعقوب عليه السلام ﴿أقَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾، ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾
ونبي الله لوط عليه السلام ﴿وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ ﴾
وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ﴾
وذكره في باب الوعيد والعقاب للطاغية فرعون ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾
وذكره في باب العزة والتأييد ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
وذكره في باب البشرى ﴿ألا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
فالحزن أثره عظيم في النفوس لذلك جاء التثبيت للمؤمنين في المحن كي لا يحزنوا وجاءت البشرى لهم بصرف الحزن عنهم .. رحمة من الله سبحانه وتعالى إن هم تمسكوا بحبل الله المتين.
قال ابن رجب رحمه الله:
“إنّ المؤمن لا بد أن يُفتن بشي من الفتن المؤلمة الشاقة عليه؛ ليمتحن إيمانه!”. تفسيره (212/2)أنت ممتحن ولا بد في أقسى ما يكون عليك، وقد يكون ما هو قاسيا عليك هينا على غيرك وما أنت قوي فيه ضعيف فيه غيرك، فلا تطمئن لاجتيازك أصعب الامتحانات على الناس إنما احذر من أصعبها على نفسك!
الحزن في الدنيا
قال تعالى يصف قول أهل الجنة عند دخلوها ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ [فاطر: 34]،
وفي الآية دليل على أن الحزن كان يصيبهم في الدنيا.
وجاء في تفسير السعدي لقول الله تعالى (وتولىٰ عنهم وقال يا أسفىٰ علىٰ يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) “أي: وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام عن أولاده بعد ما أخبروه هذا الخبر، واشتد به الأسف والأسى، وابيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه، والكمد الذي أوجب له كثرة البكاء، حيث ابيضت عيناه من ذلك.
(فهو كظيم) أي: ممتلئ القلب من الحزن الشديد، (وقال يا أسفى على يوسف) أي: ظهر منه ما كمن من الهم القديم والشوق المقيم، وذكرته هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للأولى، المصيبة الأولى”.
هكذا ابتلي نبي من أنبياء الله عليهم السلام ..
وجاء في تفسير (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) قال سعِيدِ بنِ جُبيرٍ رحمه اللّه: “لم يعط هذه الكلمات نبي قبل نبينا صلى اللّه عليه وسلم، ولو عرفها يعقوب لما قال (يا أسفا على يوسف)”. المحرر الوجيز (228/1).
وكان الأعمش يقول: “كنا نشهد الجنائز ولا نعرف مَنْ يُعَزِّي؛ لأن الحزن قد عمَّ الناس كلهم”.
ويقول ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”: “الناس كلهم مصابون – لا تظن أن أحدا بمعزل عن المصائب – الناس كلهم مصابون إما بفوات محبوب أو بحصول مكروه”.
والله يبتلي المؤمن بأكثر ما يعز عليه ..
وقد ابتلى فاطمة رضي الله عنها بموت أبيها النبي صلى الله عليه وسلم، يقول ابن كثير في ترجمتها رضي الله عنها: “مكثت بعد أبيها ستة أشهر، وهي تذوب، وما ضحكت بعده أبداً!!”.
وكذلك ابتليت الصحابيات رضي الله عنهن بمصاب جلل في آخر حياتهن، تذوب الواحدة حتى تلقى الله ربها عاملة مجتهدة محتسبة!
كأسماء بنت الصديق بمقتل ابنها عبد الله بن الزبير وصلبه .. وكأسماء بنت عميس بمقتل زوجها علي رضي الله عنه وابنها محمد.
وغير ذلك قصص قدوة تزهدك في الدنيا وتذكرك بفضل الآخرة!
قال تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
لقد كانت سيدة من سيدات نساء العالمين تتعذب على يد أطغى طغاة الأرض زوجها فرعون! وما زالت تصبر وتحتسب وترجو بيتا عند الله في الجنة، قال: قتادة كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده، فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها لتعلموا أن الله حكم عدل، لا يؤاخذ أحدا إلا بذنبه.
قال ابن جرير : .. حدثنا القاسم بن أبي بزة، قال: كانت امرأة فرعون تسأل: من غلب؟ فيقال: غلب موسى، وهارون. فتقول: آمنت برب موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون، فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت بيتها في الجنة، فمضت على قولها، وانتزع روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح .
فقولها: ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ) قال العلماء: اختارت الجار قبل الدار . وقد ورد شيء من ذلك في حديث مرفوع، ( ونجني من فرعون وعمله ) أي: خلصني منه، فإني أبرأ إليك من عمله ، (ونجني من القوم الظالمين ) وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم ، رضي الله عنها. (تفسير الطبري)
فاللهم حسن الخاتمة وبيتا عندك في الجنة.
فالحزن قدر لا مفر منه للمؤمن لأن الابتلاء في حياته سنة! لكنه لا يستسلم له ولا يعجزه فيمنعه العمل والصبر والمسابقة والاحتساب مهما كلّفه الثمن، بل يتعهد نفسه بالتوحيد والهدي الرباني في النوازل والملمّات، ولذلك جاءت السنة بالأدعية التي تشد أزر المؤمن في الكرب ولطرد الهم والحزن، ومن يتأمل سير من سبق يجد أن لا أحد سلم من ابتلاء أو فقد .. ففي كل قصة مصاب وأذى.. ولكن رافقه ثبات واحتساب. وفي كل ذلك رحمة وسلوى ولو رؤيا يراها المؤمن يستأنس بها .. فإن مع العسر يسرا.
لقد كان النبي ﷺ يقول:”اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدَّين، وغلبة الرجال” صحيح البخاري.
فقه الحزن
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه التحفة العراقية في الأعمال القلبية:
“أما الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين كقوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
وقوله تعالى : ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ )
وقوله تعالى : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) وأمثال ذلك كثير .
وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه ومالا فائدة فيه لا يأمر الله به ، نعم لا يأثم صاحبه، إذا لم يقترن بحزنه محرم كما يحزن على المصائب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا على حزن القلب ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم ) وأشار بيده إلى لسانه ، وقال صلى الله عليه وسلم تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب .
ومنه قوله تعالى : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) ..
وقد تبين بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه فيكون محموداً من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه وعلى مصائب المسلمين عموما ، فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير وبغض الشر وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة نهى عنه وإلا كان حسب صاحبه رفع الإثم عنه من جهة الحزن ، وأما أن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به كان مذموماً عليه من تلك الجهة وان كان محمودا من جهة أخرى ) ا.هـ
وقال رحمه الله في مجموع الفتاوى الجزء العاشر: “والذين يؤذون على الإيمان، وطاعة اللّه ورسوله، ويحدث لهم بسبب ذلك حرج، أو مرض، أو حبس، أو فراق وطن وذهاب مال وأهل، أو ضرب أو شتم أو نقص رياسة ومال هم في ذلك على طريقة الأنبياء وأتباعهم كالمهاجرين الأولين، فهؤلاء يثابون على ما يؤذون به ويكتب لهم به عمل صالح، كما يثاب المجاهد على ما يصيبه من الجوع والعطش والتعب وعلى غيظه الكفار، وإن كانت هذه الآثار ليست عملاً فعله يقوم به لكنها متسببة عن فعله الاختياري، وهي التي يقال لها متولدة. وقد اختلف الناس: هل يقال: إنها فعل لفاعل السبب، أو للّه أو لا فاعل لها، والصحيح أنها مشتركة بين فاعل السبب، وسائر الأسباب؛ ولهذا كتب له بها عمل صالح”.
وفي ذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى في طريق الهجرتين :”الحزن يُضعف القلب، ويوهن العزم ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، لذلك تسلح بالقرآن في كل أحوالك (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) سورة الرعد. ولا تكن كمن (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) سورة المجادلة”.
ومن جميل ما كتب ابن القيم في دفع الهم والحزن:
قوله:”ما يُستقبل لا يُدفع أيضاً بالهمِّ, بل إما أن يكون له حيلة في دفعه, فلا يعجز عنه, وإما أن لا تكون له حيلة في دفعه فلا يجزع منه…ويأخذُ له عُدته…ويستجن بجُنةٍ حصينة من التوحيد, والتوكل, والانطراح بين يدي الرب تعالى, والاستسلام له”. [زاد المعاد في هدي خير العباد]
وقوله:”تأثير الجهاد في دفع الهم والغم, فأمر معلوم بالوجدان فإن النفس متى تركت صائل الباطل…اشتد همها وغمها وكربها وخوفها فإذا جاهدته لله أبدل الله ذلك الهم والحزن فرحاً ونشاطاً وقوةً فلا شيء أذهب لجوى القلب وغمه وهمه وحزنه من الجهاد”. [زاد المعاد في هدي خير العباد]
وقال بعض العلماء: فكرت فيما يسعى فيه العقلاء, فرأيت سعيهم كله في مطلوب واحد, وإن اختلفت طرقهم في تحصيله, رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم, فهذا بالأكل والشرب, وهذا بالتجارة والكسب, وهذا بالنكاح, وهذا بسماع الغناء وهذا باللهو واللعب, فقلت: هذا مطلوب العقلاء, ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه, بل لعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده, ولم أر في جميع هذه الطرق طريقاً موصلةً إلا الإقبال على الله ومعاملته وحده, وإيثار مرضاته على كل شيء.
فحياة حَزِن فيها أحب الخلق إليه جل جلاله .. توجب الاقتداء بهدي القرآن والسنة لتجاوز أثقالها وملماتها، توجب التشبث بالتوحيد والصبر واليقين، وذلك العزاء لكل مؤمن موحد.
فاثبت أيها المبتلى بالرباط على القرآن وتعهد قلبك بالعبادات القلبية .. ولا تزال الأذكار اليومية وأدعية النبي صلى الله عليه وسلم الدرع القوية للتحصن من سهام الهم والحزن والتخفيف من آثارهما، التزم صحبتها فهي خير رفيق في درب المؤمنين.
لا بد من الابتلاء كما ابتلي الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون .. وحسن أولئك رفيقا، ولا بد من فرار لله ورجاء رحمته وما عنده لمن يشتاق لجزاء الجنة الأوفى! (ألا إن سلعة الله غالية).
إن الحياة لأجل التوحيد والسنة، عقيدة ومنهاجا وغاية، هي الحياة الحقيقية وإن ابتلي فيها المؤمن بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. كل حياة لم تقم لأجل هذه الغاية الجليلة والهدف العظيم .. هدر! فإن خسرت كل شيء في دنياك إياك ثم إياك أن تحيد عن سبيل المؤمنين.
إدخال السرور على المؤمنين عبادة
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” لأقُولنّ شيئًا يُضحِك النَبي ” (رواه مسلم ).
إن من ملامح النجابة والبصيرة سعي المسلم لإسعاد من حوله ورسم البسمات على وجه من يحب. وقد جاء في الحديث الصحيح (أَحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ). واليوم كم من الحزن ندخله على المسلم!
ونعمة الأضداد نعمة عظيمة! فلولا التعب لما أدركنا قيمة الراحة، ولولا الحزن لما استطعمنا الفرح، ولولا الحرمان لما عرفنا قيمة ما نملك ولولا العسر لما فرحنا باليسر، ولولا الجهل لما تعطشنا للعلم، ولولا الوحشة لما تنعمنا بالأنس، وإنما تتم الحياة باجتماع الأضداد وإلا فقدت معانيها بين رجاء وشكر.
ومن فقه إدخال السرور على قلوب المؤمنين الدعاء بقول “أضحك الله سنك”، “فقوله “أضحك الله سنك” لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن “. فتح الباري (7/47)
ومن تدبر الآيات التي تصف الجنة في القرآن ينتشل نفسه من قاع الحزن ودنو الهمة إلى سقف الاستبشار وعلو الهمة، تهون كل الابتلاءات وتصغر كل العقبات، فالجزاء لا يقدر بثمن، فكيف يجب أن يكون البذل! بلا شك لا يقف عند حد إلى أن تقر العين بنعيم الخلود. اللهم نسألك رضاك والجنة.
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ
ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ
فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ
وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
والعاقبة للموقنين
“ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء”.
هذه العبارة تأسرك وتزلزلك في حديث رسول الله ﷺ، تدرك معها عظمة الصبر على الفقد وجلال شأن مراتب الآخرة.
سأل رسول الله ﷺ أصحابه يوما:
“هل تدرون من أول من يدخل الجنة من خلق الله؟”.
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: “أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين يسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء.
فيقول الله لمن يشاء من ملائكته: إيتوهم فحيوهم.
فيقول الملائكة: ربنا نحن سكان سماواتك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟
قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء.
قال: “فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
أخرجه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه – واللفظ له – ,وغيرهما بإسناد صحيح.
لا عيش إلا عيش الآخرة.
مسك الختام وصية النبي ﷺلنجعل الحزن سبب الارتقاء في مراتب الجنة السامقة، لا الانتكاس والحرمان !
في الحديث الذي روته الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس، صاحبة الهجرتين رضي الله عنها، قالت:
قال لي رسول الله ﷺ: ألا أُعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب -أو في الكرب-؟
الله ربي لا أُشرك به شيئًا”.
حين تتأمل كيف يعلم النبي ﷺ دعاء الكرب .. فاعلم أن المؤمن ولا بد ممتحن بالكرب فليحفظ الكلمات.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: “ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقك، أو أنزلتَه في كتابك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآنَ ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي؛ إلا أذهب اللهُ همَّه وحُزنَه، وأبدله مكانه فرحًا”، قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلَّمها؟ فقال ﷺ: “بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمها”. (1)
فأيها المؤمن وأيتها المؤمنة .. التزما القرآن والسنة، ففيهما الهدي والمنجاة .. ولا يكتمل أمر في الدنيا .. فلا جزع ولا سخط إنما الرضا بقدر الله جل جلاله والتسليم والفرار إليه .. فتلك سبيل الأنبياء والمؤمنين في كل زمان ومكان .. اللهم أيدنا بمعيتك وسكينتك. واجعل خواتيمنا خير عزاء .. ومراتبنا في الجنة كل شفاء.
([1]) أخرجه الإمامُ أحمد -رحمه الله- في “مسنده” وقال عنه ابن تيمية -رحمه الله-: مشهور، وصححه ابن القيم – رحمه الله-،
الله ربي لا أُشرك به شيئًا”.
حين تتأمل كيف يعلم النبي ﷺ دعاء الكرب .. فاعلم أن المؤمن ولا بد ممتحن بالكرب فليحفظ الكلمات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق