سلاماً أيها النادرون
الناس أجناس وطبائع، منهم الودود ومنهم اللئيم، فيهم اللطيف وفيهم القاسي، بعضهم حكيم وبعضهم انفعالي. لا يوجد شخصان على وجه الأرض يتمتعان بنفس الصفات كلياً، فهناك دوماً اختلافات، وحين نفتش عن أصدقاء أو أحبة فإننا عادة ما نميل إلى أصحاب القلوب البيضاء ممن يبثون الأمل في النفوس، ويقفون إلى صفنا عندما تضيق بنا الأحوال، ويقدرون قيمتنا في الوقت الذي لا يكترث الكثيرون لوجودنا في هذا العالم.
من السهل لأبعد الحدود أن تلتقي بالاستغلاليين والكذابين والمنافقين والمتشائمين، خصوصاً في أيامنا هذه حيث كثرت الأمراض النفسية وتعددت المصالح في زمن المادية والرفاهية. ومن الصعب جداً أن تجمعك الحياة بأشخاص ناجحين إيجابيين صادقين في عصر أصبح فيه الكذب وإحباط الآخرين فناً يتقنه الغالبية، وأسلوب عيش ينتهجه الكثير من الناس في شتى أنحاء المعمورة بهدف البقاء والنجاح!
في الماضي السحيق كان للقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية قيمة كبيرة في حياة الشعوب، أما اليوم فباتت التفاهة والسخافة عنوان الكثير من الحضارات، حيث اضمحلت الكثير من الأشياء الجميلة أمام غزو منصات التواصل الاجتماعية بكل ما فيها من محتوى ينحدر بالعقول ويهدد القلوب بالخواء.
برغم ذلك كله، ما يزال فينا حتى اليوم أناس فوق كل سطحية ومادية، يرفضون أن يمشوا خلف القطيع، لأنهم اختاروا السير في طريق النور بدلاً من طريق العتمة. ذلك أن أرواحهم وعقولهم حرة من كل شيء، فلا هم عبيد لأحد، ولا هم أسرى لتقاليد المجتمعات البالية أو مقلدون لعادات سيئة لاإنسانية، حتى لو اجتمع الكل من حولهم على ممارستها وتشجيعها ومحاربة كل من يخالفها.
يقول المثل الشعبي الجميل: «إن خليت خربت». بمعنى أنه ما يزال في الوجود أشخاص أشبه بالزهور وسط أكوام الشوك. رغم قلتهم وندرتهم إلا أنهم موجودون، ولولاهم لأصبح العالم غابة مظلمة لا ترى النور.
هؤلاء هم من يفتش غالبيتنا عنهم، لأننا نعلم يقيناً أن التواجد بقربهم يكفي وحده لنصاب بعدوى أخلاقهم الحميدة، ولنقطف بعضاً من ثمار أرواحهم الطاهرة وعقولهم النيرة حتى نغذي دواخلنا بالخير والعطاء والعلم والحكمة.
فلا تيأس إذا كنت ترى معظم البشر اليوم بعيدين كل البعد عن الروحانيات ومبادئ الأخلاق السامية، لأنه ما يزال في الوجود أشخاص ينشدون النور مثلك، وأناس يسيرون في طريق الضياء غير آبهين بالعتمة التي يحاول الكثيرون بسط أذرعها في كل مكان حتى يصبح العالم مرتعاً للشر والظلامية.
إن الخير والمحبة موجودان وسيبقيان حتى آخر الدهر مهما حاول البعض طمسهما لأهداف ذاتية أو سياسية أو غيرها. سيظل فينا إلى آخر يوم في حياة البشرية من يدعون إلى نشر السلام، وتعزيز أواصر المودة بين البشر، وتحقيق العدالة.
سيبقى هناك صديق حقيقي بانتظارك، وشريك حياة يمكن أن يخلص لك العمر كله. فلا تيأس، واستبشر بالخير دوماً، لأن الله لن يترك الطيبين يعيشون فرادى، بل سيجمع كل ذي قلب مستنير بآخرين يشبهونه ولو بعد حين.
فسلاماً من صميم الفؤاد لكل إنسان صادق في وعوده، مخلص إذا عاهد، وفيّ إذا صادق، محب بعمق إذا عشق، رقيق إذا خاصم، رفيق وقت الشدة، أنيق في المعاملة، رقيق في النصيحة. إذا تكلم فإنه ينطق بالخير وبأعذب الألفاظ فلا يجرح أحداً، وإذا صمت ترى البشاشة مرسومة على محياه. حقيقي في مشاعره، بسيط في تصرفاته، لا يشقى في محبته أو صحبته إنسان.
أمثال هؤلاء الناس نادرون بكل تأكيد، لكنهم دون شك موجودون. فاستمع إلى صوت حدسك الداخلي، واتبع قلبك وبصيرتك تجدهم أقرب إليك أكثر مما تتصور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق