ماذا يقصدون بالإسلام السياسي؟
د. حلمي القاعود
أستاذ جامعي وأديب وكاتب
يروج خدام الغرب والصهيونية لمصطلح الإسلام السياسي بوصفه حالة مختلفة ومختلقة بعيدة عن الإسلام الذي ينبغي ألا يتجاوز جدران المسجد والدروشة والدعاء. ومن خلال هذه الرؤية يجب على المسلمين ألا يكون لإسلامهم علاقة بالمجتمع أو السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الدولة، أو الوحدة بين المسلمين، فإقحام الإسلام في الدولة تطرف وإرهاب وخروج عن مقتضيات المواطنة، وبعضهم يعده خروجا عن الدين، ويسمي من يؤمن بكليّة الإسلام “خوارج!”.
لا ريب أن خصوم الأمة من أبنائها وأعدائها نجحوا إلى حد كبير في استخدام المصطلحات المراوغة والهلامية بكفاءة منقطعة النظير، إزاء الضعف العام الذي يعيشه المسلمون، وخيانة النخب التي تتحكم بمصائرهم وأمورهم وثقافتهم وتعليمهم وإعلامهم للمفاهيم الإسلامية الصحيحة، ثم إن ندرة المنابر بالنسبة للمسلمين وضعف تأثيرها أمام قوة الأذرع الإعلامية للنخب المعادية وهيمنتها على الأسماع والعيون والقلوب، أدى إلى ما يمكن تسميته بانتصار الخصوم في “حرب المصطلح”.. ولكن هذا لا يمنع من تقديم الحقيقة بأية وسيلة ممكنة- ولو كانت صحيفة حائط- إحقاقا للحق الذي لا يتغير، ووفاء للدين الحنيف، ومقاومة للزحف المعادي.
يعد مصطلح الإسلام الأصولي (بالإنجليزية: Islamic Fundamentalism) بداية المصطلحات التي تم استعمالها لوصف ما يسمى اليوم “بالإسلام السياسي”. فقد عُقد مؤتمر عالمي في واشنطن بالولايات المتحدة (سبتمبر 1994م) عنوانه: “خطر الإسلام الأصولي على شمال إفريقيا”، ودار المؤتمر حول السودان وما وصفه المؤتمر بمحاولة إيران نشر “الثورة الإسلامية” إلى إفريقيا عن طريق السودان، وفي التسعينيات وبمناسبة المذابح التي قام بها الجيش في الجزائر؛ تم استبدال مصطلح “الإسلاميون المتطرفون” بهذا المصطلح، واستقرت التسمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 على الإسلام السياسي.
يرى كثير من المحللين السياسيين الغربيين أن نشوء ما يسمونه ظاهرة الإسلام السياسي يرجع إلى المستوى الاقتصادي المتدني لمعظم الدول في العالم الإسلامي وعجز الحركات الشيوعية التي هيمنت على مراكز القرار في كثير من العواصم الإسلامية عن تحقيق أي تقدم في هذا السياق، وجاء انهيار الاتحاد السوفياتي، لينهض الإسلاميون من أجل التغيير. كما لعبت القضية الفلسطينية، واشتعال الثورة الإسلامية في إيران وحرب الخليج الثانية دورا مهما في نشوء فكرة أن السياسة الغربية “مجحفة وغير عادلة تجاه المسلمين وتستخدم مفهوم الكيل بمكيالين”.
بيد أن بعض المحللين الأمريكيين المهتمين بالحركة الإسلامية مثل روبرت سبنسر المعادي للإسلام يرى أنه “لا يوجد فرق بين الإسلام والإسلام السياسي وأنه من غير المنطقي الفصل بينهما؛ فالإسلام يحمل في مبادئه أهدافاً سياسية” وقال سبنسر ما نصه “إن الإسلام ليس مجرد دين للمسلمين وانما هو طريقة وأسلوب للحياة وفيه تعليمات وأوامر من أبسط الأفعال كالأكل والشرب إلى الأمور الروحية الأكثر تعقيداً” كما يقول. صدق وهو كذوب!
خدام الأنظمة الاستبدادية في بلادنا العربية يلحون اليوم وفي معزوفة واحدة على ربط الإسلام السياسي بالحركة الصهيونية. تكاد ألفاظهم أن تتطابق، في الزعم أن التشابه بين الحركتين واحد. في التنظيم واستخدام الأداة الإعلامية والقوة الاقتصادية والتأثير في الدوائر السياسية والقيام بعملية غسيل مخ لأجيال متعاقبة لعقود مختلفة- الحركة الصهيونية المستندة إلى فهم مغلوط للديانة اليهودية وحركة الإسلام السياسي المستندة إلى الديانة الإسلامية. الحركة الصهيونية تهدف إلى اغتصاب حقوق الغير، أما حركة الإسلام السياسي فتزعم- من وجهة نظرهم- أنها تدعو إلى صحوة إسلامية لاستعادة قوة الدفع التي تحرك بها المسلمون الأوائل مع رغبة في تغيير النظم القائمة لتصبح ذات طبيعة مختلفة.
ويقول كاتب فرانكفوني اسمه واسينى الأعرج: “الدين طاقة روحية ويجب ألا يتحول إلى فعالية سياسية هناك رواية كتبتها أثناء العشرية السوداء باللغة الفرنسية (العشر سنين التي سيطر فيها الإرهابيون على الجزائر(كذا!)، عندما وصلت الطبعة الجزائرية إلى بلدي تم فرمها تماماً ومحوها! أنا لا أكتب إلا ما أومن به، ومن وضع حياته شخصياً رهن القتل هل يخاف بعد ذلك من كتابة رواية؟!
قارن ذلك بما كتبه مستشار ترامب السابق للأمن القومي مايكل فلين:
“الإسلام عقيدة سياسية تخفي نفسها وراء الدين والجنرال صديقنا (يقصد قائد الانقلاب في مصر) وتدرب معنا ٣٠ سنة ويريد أن يحدث ثورة وتغييرا في الإسلام ويجب دعمه ودعم التحالف بقيادة أمريكا لمواجهة الإسلام. كان يجب أن نصنع تمثالا له ونحتضنه بدلا من دفعه بعيدا في عهد أوباما عندما قال في فاتيكان المسلمين (الأزهر) كيف لـ١.٧ مليار ان يقتلوا ٧ مليار؟ هو يعرف حقيقة مشكلة الإسلام ويجب علي الملكيات العربية ان تحذو حذوه”، ويضيف فلين: “الإسلام سرطان خبيث في جسد مليار وسبعمائة مليون انسان علي موكب الأرض ويجب استئصاله كما فعلنا مع النازية والشيوعية”.
بالتأكيد لا فرق بين فلين وخدام الغرب واليهود في بلادنا، فهم لا يريدون وجودا حقيقيا للإسلام في الحياة، بل لا يريدونه في المسجد أو التكية أو الخلوة!
الإسلام بنص القرآن الكريم {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:163-162)
الإسلام عبادة ومعاملات، وحياة وآخرة ،ودين ودولة، وكله سياسة بمعناها الشامل.
وللأسف يتجاهل أو يجهل خصوم الإسلام أنه الدين الوحيد الذي قنن للسياسة، وأنتج نظريات سياسية تفوق ما جاء بعدها من نظريات وضعها الغربيون، لسبب بسيط جدا، وهي أنها استمدت بناءها من قيم الوحي ومفاهيمه: الحرية والعدل والمساواة والشورى وكرامة الإنسان ووحدة الإنسانية.
يقول الدكتور فيتز جيرالد: “ليس الإسلام دينا فقط، ولكنه نظام سياسي أيضا، ومع أنه قد ظهر بعض أفراد من المسلمين، ممن يصفون أنفسهم بأنهم عصريون يحاولون أن يفصلوا بين الناحيتين- فإن صرح التفكير الإسلامي كله قد بني على أساس أن الجانبين متلازمان، لا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الآخر”. وقال مثل ذك الأساتذة نللينو، وشاخت، وستروثمان، وماكدونالد، وتوماس آرنولد، وجب.. لقد تكوّن المجتمع الديني السياسي منذ تكوين دولة المدينة، وأدى وظائفه، وحول المبادئ النظرية إلى أعمال بعد أن استكمل حريته وسيادته، فنفّذ العدل، ونظّم الدفاع، وبثّ التعليم، وجمع الزكوات، وعقد المعاهدات، وأنفذ السفارات… فهو دولة بكل المعايير (انظر: محمد ضياء الدين الريس، النظريات الإسلامية السياسة، ط5، دار المعارف بمصر،1969م، ص19-23).
مصطلح الإسلام السياسي سيئ ورديء ومعادٍ.
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق