قيادة جديدة للإخوان.. فهل تقدّم رؤية جديدة أيضا؟
يوم الأحد الماضي، التاسع عشر من مارس/آذار، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين اختيار قائد جديد لها خَلَفًا لقائدها الراحل إبراهيم منير الذي توفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي قاد جملة من الإصلاحات في الجماعة لم ترُق لبعض المتنفذين السابقين.
القائد الجديد هو الدكتور صلاح عبد الحق رئيس المنتدى التربوي الإسلامي العالمي، وأحد الوجوه التاريخية الباقية في الجماعة حاليا، حيث سُجن عندما كان طالبا ضمن اعتقالات عام 1965 الشهيرة رفقة الشهيد سيد قطب وآخرين، لكن الرجل يبدو أكثر شبها بالمرشد الرابع للجماعة عمر التلمساني من حيث تقديره وإدراكه للواقع، ومن حيث هدوؤه في الحديث والاستماع، وحتى من حيث ملامح الوجه.
وعي بتعقيدات المرحلة
بهذا الاختيار تُظهر الجماعة وعيها بصعوبة اللحظة التي مر بها الوطن، والتي تمر بها هي نفسها ومعتقلوها، والتي تحتاج إلى قائد يحمل رؤية جديدة لحلحلة الموقف، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
تدرك الجماعة الأزمة التي يمر بها الوطن والتي تشبه حالة مصر قبل الاحتلال الإنجليزي بسبب كثرة الديون صعبة السداد، واستمرار حالة الانسداد السياسي التي لم تقتصر على مناهضي النظام، بل طالت أنصارا سابقين وحتى حاليين له.
وتدرك الجماعة استفحال أزمة المعتقلين من أبنائها وغيرهم من باقي القوى السياسية الذين يلقون حتفهم يوما بعد يوم في السجون نتيجة الإهمال الطبي، كما أن الكثيرين منهم أقدموا على الانتحار نتيجة سوء الأوضاع في السجون، وفقدان الأمل في الخروج منها.
وتدرك الجماعة صعوبة حالتها هي نفسها بعد الانشقاقات التي تعرضت لها نتيجة للإصلاحات التي قادها الراحل إبراهيم منير، ولذلك كله رأت الجماعة ضرورة البحث عن قائد قادر على التعامل مع التحديات الثلاثة وغيرها، ولم تجد أفضل من صلاح عبد الحق لهذه المهمة.
هل هناك “طبخة”؟
في اللقاء التعريفي الداخلي الذي حضره حشد من الإخوان، أعلن صلاح عبد الحق رؤيته للماضي والمستقبل، وقدّم في حديثه الذي امتد تسعين دقيقة سردا تاريخيا لمسار عمل الجماعة وأهم التحديات التي واجهتها خلال حياة المؤسس حسن البنا وخَلَفَيه الهضيبي والتلمساني، وكيف تعامل ثلاثتهم مع التحديات الكبرى التي مرت بها الجماعة، وما أبدوه من مرونة في التعامل مع الحكومات المتعاقبة، وكأنه يقدّم نقدا غير مباشر لبعض المسارات عقب انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، كما قدّم رؤيته للمستقبل التي تقوم على الحوار لا الصراع تأكيدا لما طرحه سلفه إبراهيم منير، بل إنه كان في حديثه أكثر جرأة من منير نفسه الذي قدّم تصورا أوليا لتجنب الصراع على السلطة في ظل الظروف المضطربة التي تمر بها مصر، فجاء حديث القائد الجديد تأصيلا تاريخيا وحركيا وفقهيا لهذا التوجه.
ربما يفهم البعض من إشارات القائد الجديد أن ثمة مشروع مصالحة يجري “طبخه” تحت الطاولات، وهذا غير صحيح حتى الآن، لكن الرجل أراد فتح الباب له، وقد سبقته الجماعة بوضع رؤية سياسية، حددت فيها أولوياتها للمرحلة الراهنة التي تتضمن ضرورة إحداث تغيير في المشهد السياسي بما يعيد المسار الديمقراطي، والإفراج عن المعتقلين، والمصالحة المجتمعية، والعمل ضمن مظلة وطنية بشكل عام حتى تكون أي خطوات محل قبول وتوافق بين شركاء الوطن والنضال.
التمسك بالسلمية والمراجعات
من القضايا التي حرص عبد الحق على تأكيدها في أول ظهور له، التمسك بالخيار السلمي، شارحا أن “أي فصيل مهما تكن قوته في مواجهة أي سلطة مهما يكن ضعفها هو الخاسر في النهاية، واستخدام القوة كليا أو جزئيا في عصر لا يرحم وفي وطن تتجه إليه المطامح كارثي النتائج بلا جدال، والرصاصة الأولى يطلقها كل أحد، أما الأخيرة فيطلقها المنتصرون”.
وفي إشارة قوية إلى ضرورة المراجعات، تحدّث عن التجارب الثرية لجماعته خلال ما يقرب من مئة عام “ولكنها رغم نجاحها ومصداقيتها التاريخية فإنها ليست هي كل الممكن”.
كما حرص القائد الجديد على تبديد فكرة “صفرية الصراع”، مؤكدا أنه “طبيعة العلاقات بين السلطات والجماعات، وإن كانت صدامية في طابعها العام، إلا أن ذلك ليس قدَرا مقدورا على الدوام، فالتجارب تثبت أن كل مشكلة لها حل، كما أنه يمكن تجنب الصراع أحيانا، أو الإفلات منه، أو تخفيف نتائجه وتداعياته إن وقع”.
وفي ما بدا أنه نقد غير مباشر لفكرة غياب الظروف المواتية، شرح أن “الظروف المواتية لن تأتي أبدا، بل لا بد من صناعتها واستثمارها، كما أن اللحظات المحبطة التي يبحث فيها الجميع عن مخرج من أزمة الوطن هي الأنسب للمبادرات الشجاعة”
عودة إلى “ضبط المصنع”
“كان العرب في السفر قديما يهتدون بالنجم والشعاب والوديان، فإذا ضلوا الطريق عادوا إلى نقطة البدء، ثم استأنفوا السير على هدى” إحدى المقولات المنسوبة إلى الدكتور صلاح عبد الحق، وقد بدت أطروحاته في لقائه الأول استحضارا لهذه المقولة، وهو ما يسمى بلغة التكنولوجيا “ضبط المصنع”، والقصد هو العودة إلى الأفكار التأسيسية للجماعة، التي تاه بعضها في زحمة الأحداث الكبرى التي مرت بها، والعودة إلى مقولات حسن البنا، وسياساته العملية في مواجهة التحديات التي واجهها، وكثير منها يشبه ما تمر به الجماعة اليوم. والعودة إلى فكرة “ضبط المصنع” قد تكون صعبة الهضم للبعض بعد حجم التضحيات والأضرار التي وقعت، لكنها تبدو الطريقة العملية لوقف النزيف، والبدء من جديد وفقا لعلامات معروفة ومتفَّق عليها بين الجميع.
رغم الحديث التصالحي للقائد الجديد، وتفاؤل البعض به، فإن الأمور لا تبدو وردية، فرأس النظام الحاكم جدّد رفضه التام لأي مصالحة، لإدراكه أنه سيكون شخصيا ثمنا مباشرا لها، لكن حديث عبد الحق -كما حديث سلفه منير- ليس موجَّها لشخص، بل لأطراف عديدة داخل الوطن، وفي محيطه الإقليمي والدولي، لها تأثيرها الذي لا ينكره أحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق