هل شعرتم بموت مريم الصناع؟!
خواطر صعلوك
التراث العربي مليء بقصص الأمهات الفاضلات ذوات الاقتصاد وصاحبات الإصلاح المنزلي والتدبير المالي، ومنها ما ذكره الجاحظ عن خبر مريم الصناع.
فهل شعرتم بموت مريم الصناع؟
قالوا: فحدثنا عنها.
قال: نوادرها كثيرة، وحديثها طويل، ولكني أخبركم عن واحدة فيها كفاية.
قالوا: وما هي؟
قال: زوّجت ابنتها، فوضعت عليها وحلتها بالذهب والفضة وكستها المروي، والوشي والقز، والخز، وعلقت المُعصفر، ودقت الطيب وعظمت أمرها في عين الختن، ورفعت من قدرها عند حماتها.
فتفاجأ زوج مريم من أين لها كل ذلك الذي أخرجته... وقال لها:
- أنّى لكِ هذا يا مريم؟
قالت: هو من عند الله.
قال لها:
- دعي عنك الجملة وهاتي التفسير. فوالله ما كنت ذات مال قديماً ولا ورثته حديثاً، وما أنت بخائنة في نفسك، ولا في مال زوجك، إلا أن تكوني قد وقعت على كنز. وكيف دار الأمر فقد أسقطت عني مؤونةً، وكفيتني هذه النائبة.
فقالت مريم:
- اعلم أني منذ يوم ولدتها، إلى أن زوجتها، كنت أرفع من دقيق كل عجنة، حفنة. وكنا كما تعلم نخبز في كل يوم مرة، فإذا اجتمع من ذلك الدقيق مكوك، بعته... وادخرت لها أمواله.
فقال لها:
- ثبّت الله رأيك وأرشدك. ولقد أسعد الله من كنت له سكناً، وبارك لمن جُعلت له إلفاً.انتهى.
عزيزي القارئ، تخبرنا هذه القصة بالكثير ما بين سطورها، فمن علاقة الأم ببنتها وحرصها عليها إلى علاقة الزوج بزوجته وثقته فيها، للقصة دلالات متنوعة ولكن ما أريد التركيز عليه هو «الادخار وأهميته».
ادخروا لأنفسكم ولا تسقطوا في فخ الاستهلاكية، فإذا لم يكن هذا دافعاً كافياً فادخروا لأبنائكم لكي لا يقعوا في فخ الأيام... هناك أفكار كثيرة للادخار، وسوف تجدون في المحتوى الرقمي في أفكار الادخار ما يعادل المحتوى الرقمي في أفكار التنمية البشرية... إذاً، ليس السؤال كيف؟ ولكن السؤال لماذا ؟ اخلقوا لأنفسكم دوافع من أجل الادخار، فهناك بيوت في الكويت، بسبب بركة ما يُعطيه الأب، وحُسن تدبير الأم وذوقها الرفيع وتحكمها الحريص في مصاريف البيت، تجعل بيتها ووضع أسرتها في مكان أكبر وأفضل مما هو عليه بالفعل.
وهناك بيوت ميسورة الحال، ولكن بسبب سوء تدبير الأم وذوقها التقليدي المستسقى في أذواق الناس حولها وتبذيرها الشديد في مصاريف البيت ومحاولة نتف ريش زوجها، تجعل بيتها ووضع أسرتها في مكان أقل وأسوأ مما هو عليه بالفعل.
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق