عام على حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا (6) هل اقترب موعد الحرب النووية؟
التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول عزمه نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا في يوليو/تموز القادم، رفعت حرارة المواقف الغربية السياسية والعسكرية والإعلامية على حد سواء، على الرغم من تهوين الرئيس الأميركي جو بايدن من هذه التصريحات، مؤكدا أن بوتين لا يستطيع الدخول في حرب نووية، تهوينٌ اعتبره البعض جزءا من الحرب النفسية التي يشنها الغرب على الرئيس بوتين. فما مدى جدية الرئيس بوتين في هذه الخطوة؟ وهل يعني ذلك أن الوضع يقترب من السيناريو الثالث، سيناريو الحرب النووية، وأن العدّ التنازلي لموعد اشتعال هذه الحرب قد بدأ؟
هل تخرج الحرب التقليدية عن مسارها بسبب فشل أطرافها في تحقيق أهدافها، وتنتقل إلى الحرب غير التقليدية التي تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، مما قد يؤذن بانفجار الوضع وخروجه عن السيطرة ونشوب حرب عالمية ثالثة تأكل الأخضر واليابس؟
تناولنا في المقالين السابقين اثنين من الاحتمالات الممكنة لمسار حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا في عامها الثاني، وهما احتمال توقف الحرب، واحتمال استمرارها، إذ أوضحت المؤشرات أن الاحتمال الأول مستبعد جدا إلا في حالة خروج الرئيس بوتين من المشهد السياسي لأي سبب من الأسباب، وأن الاحتمال الثاني -احتمال استمرار الحرب- هو الاحتمال الراجح لبضع سنوات قادمة.
ونختم حديثنا في هذا المقال بتناول الاحتمال الثالث، وهو احتمال خروج الحرب التقليدية عن مسارها بسبب فشل أطرافها في تحقيق أهدافها، والانتقال إلى الحرب غير التقليدية التي تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، مما قد يؤذن بانفجار الوضع وخروجه عن السيطرة ونشوب حرب عالمية ثالثة تأكل الأخضر واليابس.
لماذا لجأ بوتين إلى خيار الأسلحة النووية التكتيكية؟
بعد مرور أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا الذي شارك فيه أكثر من 200 ألف جندي، بدأت تصدر تصريحات عن المسؤولين الروس باحتمال اللجوء إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية، وقد جاء قرار الرئيس بوتين نشر أسلحة نووية تكتيكية "تي إن دبليو" (TNW) في بيلاروسيا بعد بضعة أشهر، ليؤكد للولايات المتحدة وشركائها أن تلك التصريحات كانت جادة وليست للاستهلاك الإعلامي. وكان الغريب في هذا الأمر حرص الرئيس بوتين على تأكيد أن قراره لا ينتهك اتفاقيات حظر نشر الأسلحة النووية، وكأن غزوه لأوكرانيا وتدمير مدنها وقراها وتشريد أهلها لم ينتهك القوانين الدولية!
جاء هذا القرار في وقت تضاعف فيه الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، الذي اشتمل مؤخرا على صواريخ باتريوت وطائرات مقاتلة ومعدات متقدمة وصواريخ متوسطة المدى قادرة على نقل المعركة إلى الأراضي الروسية. كما جاء في وقت تصاعدت فيه الضغوط السياسية على الرئيس بوتين، وكان آخرها إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس بوتين. ويشير هذا القرار إلى عدة دلالات، من أهمها:
- عجز القوات الروسية عن تحقيق نصر عسكري حتى الآن باستخدام الأسلحة التقليدية.
- عجز القوات الروسية عن تأمين المحافظة على المقاطعات الأوكرانية الشرقية التي ضمتها روسيا. وبالتالي فشل الرئيس بوتين في تحقيق أهدافه الإستراتيجية من غزو أوكرانيا.
- رغبة الرئيس بوتين في تأزيم الموقف السياسي الغربي، وإيصال رسالة عاجلة للدول الغربية بما يمكن أن تؤول إليه الأمور إذا استمرت في سياستها الحالية، وأنه على استعداد للمضي في الحرب إلى أبعد مدى يمكن أن تتخيله.
- اقتناع الرئيس بوتين أن روسيا لا تحارب أوكرانيا، وإنما تحارب الولايات المتحدة والدول الغربية، وأن بلاده تخوض هذه الحرب وحدها، مما يعني أنه يجب عليها الاعتماد على نفسها وعدم انتظار الدعم من أحد، وأن عليه أن يجد الوسائل التي تمكّنه من الانتصار على الغرب في هذه الحرب التي يعتبرها وجودية بالنسبة لروسيا.
- حِرْص الرئيس بوتين على تقصير أمد الحرب، لما لها من آثار سياسية وعسكرية واقتصادية فادحة على روسيا وجيشها وشعبها.
- رغبة الرئيس بوتين في تجنب سيناريو الغزو السوفياتي لأفغانستان، التي لا تزال هزيمته فيها، وانسحابه وهو يجر أذيال الخيبة، تقرع الآذان.
وقد زاد من جدية هذا القرار شروع القوات الإستراتيجية الروسية أمس الأربعاء في تدريبات تشمل أنظمة صواريخ "يارس" النووية الباليستية العابرة للقارات بمشاركة أكثر من 3 آلاف جندي وحوالي 300 قطعة حربية.
من المستبعد أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتزويد أوكرانيا بأسلحة نووية تكتيكية ردا على روسيا، لأن ذلك سيقود حتما إلى توسيع دائرة الحرب النووية التكتيكية، وهو خيار لن تذهب إليه أميركا والدول الغربية لأنها تعرف جيدا عاقبة ذلك
النتائج المترتبة على استخدام بوتين الأسلحة النووية التكتيكية
الأسلحة النووية التكتيكية عبارة عن صواريخ أو قنابل تطلقها قاذفات خاصة من البر أو البحر أو الجو، وهي مصممة خصيصا للاستخدام في ساحة المعركة، في ظل وجود قوات صديقة على مقربة من مكان الهدف، كتدمير رتل من الدبابات أو مواقع عسكرية أو مخازن ذخيرة في مواقع محصّنة، أو حاملات طائرات أو بارجات حربية. وتتراوح قدرتها التدميرية بين 10 و100 كيلوطن من الديناميت، ويمكننا تخيّل القدرة التدميرية لهذه الأسلحة إذا علمنا أن القوة التدميرية للقنابل التي ألقتها القوات الأميركية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية تتراوح بين 15 و21 كيلوطنا. وتعتقد المراكز المختصة أن لدى روسيا حوالي 2000 رأس حربي تكتيكي، أي ما يزيد عن 10 أضعاف ما تمتلكه الولايات المتحدة، وهي ذات قدرة تدميرية أكثر بكثير من الأسلحة التقليدية، وتترك تداعيات إشعاعية قاتلة، حيث تلوث الهواء والتربة والماء والإمدادات الغذائية.
ومع ذلك، فإن القدرة التدميرية للأسلحة النووية التكتيكية منخفضة مقارنة بالأسلحة النووية الإستراتيجية "إس إن دبليو" (SNW) التي تستهدف عمق العدو بعيدًا عن جبهة الحرب، ضد القواعد العسكرية والمدن والبلدات وصناعات الأسلحة وغيرها من الأسلحة الصلبة.. وتتراوح قدرتها التدميرية بين 100 كيلوطن وأكثر من ميغاطن، وقد تحمل رؤوسا حربية أكبر تزيد قدرتها التدميرية عن ذلك بكثير. وتمتلك روسيا أقوى الرؤوس الحربية النووية الإستراتيجية، التي تتراوح قدرتها التدميرية بين 500 و800 كيلوطن، وهي مصممة لتدمير مدن بأكملها.
يعتبر الرئيس بوتين المسؤول الأول عن قرار استخدام الأسلحة النووية بنوعيها التكتيكي والإستراتيجي، وتشير الدلالات التي استعرضناها آنفا إلى جدية الموقف الروسي في استخدام هذه الأسلحة، وفيما يأتي أبرز السيناريوهات المتوقعة لذلك:
- بداية ينبغي الانتباه إلى أن اتخاذ بوتين لهذا القرار ليس أمرا سهلاً، رغم حاجته الماسة إلى تحسين موقفه العسكري في أوكرانيا لتعزيز موقفه التفاوضي. وتأتي صعوبة اتخاذ القرار من غموض الردود الغربية على ذلك، وما يمكن أن يؤول إليه الأمر فيما بعد. وهذا يعني أن الحرب التقليدية ستستمر حتى نهاية العام الثاني للحرب على الأقل، وستظل تراوح مكانها دون تحقيق انتصارات حاسمة لأي من الطرفين.
- من المتوقع قبل نهاية العام الثاني للحرب أن يوجّه بوتين ضربة نووية تكتيكية استطلاعية أو أكثر بهدف معرفة الردود الغربية، وجرّها إلى مائدة المفاوضات، وخاصة إذا ترتب على ذلك ارتفاع حجم التدمير للمدن الأوكرانية وبنيتها التحتية، وارتفاع في حجم الخسائر البشرية في صفوف القوات الأوكرانية والمدنيين، مما سيؤدي إلى تراجع محدود للقوات الأوكرانية في المناطق المستهدفة، وتقدم محدود للقوات الروسية باتجاه تعزيز السيطرة على المقاطعات الشرقية.
- من المتوقع أن تؤدي هذه الضربات إلى حراك دبلوماسي غربي جديد بحثا عن مبادرات سياسية لحل الأزمة، ستكون بالتأكيد لصالح روسيا.
- من المستبعد أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتزويد أوكرانيا بأسلحة نووية تكتيكية ردا على روسيا، لأن ذلك سيقود حتما إلى توسيع دائرة الحرب النووية التكتيكية، وهو خيار لن تذهب إليه الولايات المتحدة والدول الغربية لأنها تعرف جيدا عاقبة ذلك.
- وبالتالي من المستبعد اتساع الحرب النووية التكتيكية أو انتقالها إلى حرب نووية إستراتيجية بين روسيا والولايات المتحدة ودول الناتو.
ويبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة منذ بداية الحرب: هل تسعى الولايات المتحدة إلى حرب نووية؟ إذا كانت الإجابة نعم، فالانفجار الأكبر قادم، وإذا كانت الإجابة لا، فإن استخدام بوتين الأسلحة النووية التكتيكية سيمكّنه من الانتصار السياسي في النهاية، ما لم يتم التخلص منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق