يسألون ما واجبنا؟
د. أحمد شحروري
أستاذ المواد الشرعية في جامعة الزيتونة الأردنية
منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى حتى اليوم يسأل الناس: ما واجبنا تجاه المقاومة؟
ينظر السائلون إلى حالنا بعين العجز،فليس ثمة طريق مفتوح يصلنا بالمنكوبين هناك في الضفة ولا غزة، ولا نحن قادرون أصلا على حمل سلاحح ولا على استهداف عدو عن بُعد، فهل يكفينا الدعاء للمنكوبين؟ أم نضيف إليه صلاة الغائب على أرواح شهدائهم؟
وحاشا لله أن نعرّض بأحكام الشريعة أو نهون من شأن طقوسها وواجبنا تجاهها، لكن ثقافتنا مستقاة من مدرسة عمر الفاروق رضي الله عنه الذي رآى إبلا قد أصابها الجرب وصاحبها يلجأ إلى عجوز لتدعو لها بالشفاء، فطلب عمر من صاحب الإبل أن يأخذ بأسباب شفائها قائلا: هلا جعلت مع الدعاء شيئا من القطران؟
الواجب يقع على عاتق جيل حرّ من قيود العبودية إلا لله الواحد،فأبناؤنا بحاجة إلى الفهم الذي يأخذ بأيديهم إلى السلوك القويم، بحاجة إلى أب يبصرهم بحقائق الأمور كما هي بلا رتوش، وبحاجة إلى أن ترضعهم أمهم لبن العقيدة الصافي لأن مقارعة العدو بحاجة ألى استقامة فكر ونقاء مرجعية.
إن ما على شبابنا وصبايانا اليوم أن يحسّوا بالانتماء إلى وجع أمتهم فيتابعوا ما يجري لحظة بلحظة وكأنه يجري في بيوتهم وفوق رؤوسهم، فيهجروا حياة اللامبالاة إلى غير رجعة.
ولا يجوز أن يُترك الشباب لقناعاتهم وتشوفاتهم التي ينبغي أن تلجم بلجام الحكمة لا أن تحبس حبس العبيد.
ومن خلف الشباب نظام الأمة السياسي الذي يملك من الفعل ما لا يملك جيش من الخطباء والوعاظ، فقد جاء في الحديث الشريف: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فالنظام السياسي هو الذي يملك رسم العلاقات وقطعها وإبرام المعاهدات وإلغاءها وقيادة التحرك الشعبي وترشيده، ولم يعد يقبل من الدول شجب أو استنكار أو تهديد بمدافع كلامية أو تصريحات صحفية، ولا يمكن في الحسابات المنطقية أن تجتمع سبع وخمسون دولة لتصف واقعا أو تعيب سلوكا إجراميا أو تتمنى سلامة للمدنيين أو تستنجد بالمجتمع الدولي وهي قادرة على أن تفتح الطريق للراغبين في الموت الكريم طريق الحياة الكريمة الأمثل وأن تحقن دماء المهددين بالفناء، هذه الدول قادرة على الفعل ولن يضيرها غضب شرطي العالم أو غيره لأنهم لن يستطيعوا مجتمعين أن يبيدوا العالم الإسلامي إذا خالف هواهم، فلا يمنع عالمنا الإسلامي من التأثير في مجريات الأمور إلا تشويش كوابيس هي مجرد أضغاث أحلام يبدو أنها راقت له.
لا اريد أن أستطرد، لكني سمعت محاوري يقول: ألا يكفيك الموقف الدبلوماسية من الأحداث؟ ألم يعجبك تصريح فلان ومقال علان؟
وجوابي البسيط: ما موقع الدبلوماسية في أشلاء ممزقة ونفوس مزهقة وديار مدمرة؟! ألم يقل العقلاء في هذا: إن ألفي قذيفة من كلام لا تساوي قذيفة من حديد؟!
لو أنك مررت على مظلوم يُذبح فمسحت دموعه عن خده أو سقيته ماء قبل ذبحه فهل يعفيك هذا من إثم إراقة دمه؟ وهل يرقى فعلك هذا إلى وصف البطولة؟ وهل خلّصت ذمتك أمام الله إذا لم تزح السكين عن رقبته وأنت قادر؟ أليس من واجبنا أن نمنع القتل بدل الاكتفاء بإدانته؟ أليست لدينا أوراق ضغط تجعل القاتل وحيدا في جريمته؟ ماذا عن معاهداتنا معه؟ ماذا عن ملف المياه الذي بيننا وبينه وهو يقطع المياه عن إخواننا المحاصرين؟ وماذا عن اتفاقيات الكهرباء ونحن نرى انقطاعها عن مستشفيات غزة فتنقطع مظاهر الحياة بانقطاعها: يموت الخدّج ومرضى الطوارئ، ويتوقف إجراء العمليات الجراحية؟ وإذا لم يكن هذا هو وقت الفصل في هذه الموضوعات فمتى يكون؟!
تسألون ما واجبنا؟ والجواب المباشر: أن ننخرط في معركة الشرف انخراطا حقيقيا لا مجازيا لأن نكوصنا عن ذلك هو طعنة مسمومة لمروءتنا ومس بكرامتنا، فإن قيل: نحن لسنا قادرين على استعداء الباطل كله دفعة واحدة أجبت: إنك ميت في أسوأ الاحتمالات فلتمت شريفا خير لك من أن تموت مجردا من كثير من معاني المروءة والشرف.
ليس من مات فاستراح بميْت.. إنما الميْت ميّت الأحياءِ
لقد كتب التاريخ في مدونته سيرة السادة كما كتب سيرة العبيد، فأين تريد أن يكتب الناس سيرتك في وقت لن تكون موجودا فيه لتدافع عن نفسك؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق