في ظلال الدستور: إسرائيل وليد غير شرعي للاستعمار العالمي في سيطرته على اقتصاد العالم (1-2)
لم تكن نشأة إسرائيل بقرار التقسيم الجائر الذي أصدرته الأمم المتحدة مثل نشأة باقي الدول، جماعة استقرت على أرض لمدة طويلة فتوافق سكانها على إقامة حكومة تعترف بها دول العالم كافة، بل كانت إسرائيل وشعبها من المهاجرين والمغامرين من أنحاء العالم كافة، اغتصبوا أرضاً من أصحابها وشردوا شعبها ونكلوا بهم.
إسرائيل المزعومة
عندما كنا أطفالاً وذهبت مع غيري لنتطوع في حرب فلسطين مثل أطفال الحجارة، ولم يكن عمري آنذاك يتجاوز الثانية عشرة، وعدت أدراجي لأن الضابط الذي قابلني اعتذر بأدب جم وربّت على كتفي ليقول لي إن المعركة طويلة مع الصهيونية وسيأتي دورك عندما يشتد عودك.
وعندما أجهضت الأمم المتحدة النصر المؤزر الذي حققته الجيوش العربية على العصابات الصهيونية بعد دخولها فلسطين، وكانت القوات المصرية قد حققت نجاحات عدة، إذ تمكنت من السيطرة على جنوبي فلسطين كما تمكن الجيشان العراقي والأردني من اجتياح المناطق المحددة لهما بسرعة إلا أنهما توقفا بعد فترة قصيرة من بدء العمليات، حتى لا يتجاوزا حدود قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة، فقد كان غلوب باشا، الجنرال البريطاني قائد الجيش الأردني، وكانت كل البلاد العربية التي خاضت الحرب تحت الاحتلال، كما تمكن الجيش السوري وجيش الإنقاذ من السيطرة على معظم الخليل، ولم يكن الجيش اللبناني بعيداً عن عكا، عندما سارع مجلس الأمن لاتخاذ قراره في 22 مايو 1948 بعد أسبوع واحد من بدء القتال، ورغم رفض الحكومات العربية هذا القرار فقد فرض عليها وقف القتال ليزود الغرب الاستعماري إسرائيل بأحدث الأسلحة والعتاد والمتطوعين من أنحاء العالم كافة، لتدور الدائرة على الجيوش العربية المنتصرة وتلحقها هزيمة، ولتجاوز إسرائيل المساحة المحددة لها من فلسطين 55% وفق قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في نوفمبر 1947، إلى 76% من هذه الأرض خلال الهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة، ثم توالى بعد ذلك اغتصاب إسرائيل للأراضي الفلسطينية، في نكسة 1967، بعد نكبة فلسطين 1948، لتصبح فلسطين أثراً بعد عين.
وبدأت بعد النكبة الأولى الإذاعات العربية تصف دولة إسرائيل بالدولة المزعومة وصدقناها على أساس أن الأمة العربية ستواجه الخطر الداهم المتمثل باستمرار احتلال الأرض العربية، وخاصة بعد أن حصلت الدول العربية على استقلالها، إلا أن ما حدث بعد هذه النكبة وبعد نكسة 67 وتغير مزاج العرب من إسرائيل وطبيعة الاستعمار الصهيوني الاستيطاني وخاصة بعد نكسة 1967، وهرولة أغلب الحكام العرب إلى التطبيع مع إسرائيل، وصفقة القرن، هي كل ما جاء به ترامب على العرب بعد أن اعترف القدس عاصمة لإسرائيل.
إسرائيل وليد غير شرعي
ولم تكن عبارة إسرائيل الدولة المزعومة سراباً تجري وراءه، بل كانت حقيقة مؤلمة وصحيحة، فلم تكن نشأة إسرائيل بقرار التقسيم الجائر الذي أصدرته الأمم المتحدة مثل نشأة باقي الدول، جماعة استقرت على أرض لمدة طويلة فتوافق سكانها على إقامة حكومة تعترف بها دول العالم كافة، بل كانت إسرائيل وشعبها من المهاجرين والمغامرين من أنحاء العالم كافة، اغتصبوا أرضاً من أصحابها وشردوا شعبها ونكلوا بهم وذبحوهم في دير ياسين، فهي صنيعة للاستعمار العالمي.
فإسرائيل دولة استيطانية للاستعمار العالمي في ثوبه الجديد، وقد تمخضت الحرب العالمية الأولى عن اختفاء أربع إمبراطوريات استعمارية كبرى هي الألمانية والنمساوية والهنغارية والروسية والعثمانية، وظهور دول جديدة وكيانات مستحدثة في الوقت الذي تعززت فيه سيطرة بريطانيا وفرنسا على مناطق واسعة من العالم، وكان قيام هذه الحرب سببه الصراع بين الدول الاستعمارية على اكتساب مزيد من المستعمرات بسبب شعور بعضها بالغبن في المقارنة مع بعضها الآخر، وكانت المنافسة الاستعمارية بين الدول الأوروبية وانقسامها إلى معسكرين رئيسين التحالف الثلاثي المكون من ألمانيا والنمسا وهنغاريا وإيطاليا، والحلف الثلاثي المكون من فرنسا وروسيا وبريطانيا وسباق التسلح بين القوى الأوروبية ونمو الروح القومية في أوروبا، سبب الحرب العالمية الأولى.
وقد جاء في مذكرة الأركان العامة البريطانية في ديسمبر 1918 بأن إنشاء دولة يهودية حاجزة في فلسطين أمر مرغوب فيه بالنسبة لبريطانيا العظمى من وجهة النظر الاستراتيجية، كما كتيب ونستون تشرشل في سنة 1920، معرباً عن رأي الأوساط الحاكمة الإنكليزية، أنه يعتبر الصهيونية رداً على الشيوعية العالمية.
وقد كتب هرتزل أبو الصهيونية يقول «إن برنامجي (أي البرنامج الصهيوني) برنامج استعماري»، كما كتب هرتزل «أنه ينبغي على الصهاينة أن يبنوا في فلسطين مخفراً أمامياً للحضارة مقابلا للبربرية في فلسطين وهي أقصر طريق إلى آسيا»، وإن دورادو الصهيوني طالب الصهاينة في المؤتمر الصهيوني السابع سنة 1905 بأن يأخذوا على عاتقهم مهمة النضال ضد حركة العرب التحررية الوطنية.
إسرائيل تعدّ قاعدة الاستعمار الغربي في هذا الجزء الحيوي من العالم المليء بثروات الدنيا
وغني عن البيان فإن انسلاخ البلاد العربية من الدولة العثمانية كان هاجس خوف وقلق للاستعمار العالمي من تجمع هذه القوى وتوحدها وظهور المارد العربي، وازداد هذا الهاجس والقلق لدى الاستعمار العالمي بعد الحرب العالمية الثانية التي عصفت بالعالم، وانقسم فيها العالم إلى معسكرين استعماريين، هما المحور والحلفاء وهي الحرب التي تعود جذورها إلى الأزمة الاقتصادية العالمية (1929) التي ألمت بالعالم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، واجتاحت ألمانيا النازية أوروبا كلها واحتلت فرنسا، ونشوب نزاع عالمي بين روسيا وأميركا، وازدادت الرغبة لدى الاستعمار العالمي، تبعاً لذلك في خلق الكيان الصهيوني، في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم المليئة بالثروات والمعبر إلى قارتين من قارات العالم، فإسرائيل ستكون مخلب القط الذي يعتمد عليه الاستعمار في حماية مصالحه في الأرض العربية، وتنفيذ سياساته، ولا وحدة للوطن العربي طالما أن إسرائيل تمثل الإسفين الذي يشطره ويمنعه من الارتباط الجغرافي المباشر، فإسرائيل بهذه المنزلة تكون قاعدة الاستعمار في هذا الجزء الحيوي من العالم المليء بثروات الدنيا من البترول والمنغنيز والكروم والقصدير والبوكسيت والغاز الطبيعي والنحاس والفوسفات والحديد والرصاص والفحم وهي الطريق إلى إفريقيا، حيث مناجم الذهب، وسلة العالم من الغذاء، وتبلغ مساحة إفريقيا نحو 30 مليون كلم2 ولها سواحل بحرية يبلغ طولها 41 ألف كلم وأكثر جهاتها اتصالاً بالعالم الخارجي هو الركن الشمالي الشرقي من قناة السويس القريبة من إسرائيل ثم مضيق باب المندب ثم شمالاً عند جبل طارق، وتعتبر تلك الأبواب المعابر الطبيعية لأسواق التجارة العالمية ومصادر المواد الأولية للإنتاج، ولم يكن مستقلاً في هذه القارة حتى عام 1950 سوى 4.5% من المساحة العامة لها و8% من السكان.
وإسرائيل هي الطريق إلى آسيا أكبر القارات الخمس التي تبلغ مساحتها نحو 45 مليون كلم2 ويبلغ عدد سكانها ما يقارب نصف عدد سكان العالم، وهي مهد الأديان السماوية التوحيدية الثلاثة، وقد سيطرت أوروبا على معظم أجزاء آسيا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918، وهي أسواق لتصريف إنتاج الدول العظمى.
وكانت نواة الفكر الاستعماري في خلق كيان دولي استعماري استيطاني في هذه المنطقة من العالم بقرار التقسيم سالف الذكر تتفق مع البرنامج الذي وضعه الرئيس الأميركي الأسبق ويلسون في مطلع عام (1918) والمكون من 14 نقطة ضمنها مبادئ عامة هي حرية الملاحة في البحر ونزع القيود عن التجارة وتخفيض التسلح وإعادة الألزاس واللورين إلى فرنسا، فقد كان كل ذلك نواة ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية من تغيير جذري في مفهوم الاستعمار التقليدي الذي راح بسببه ملايين البشر، وظهور قطبين عالميين جديدين هما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وتدهور أوضاع دول الاستعمار القديمة وخاصة فرنسا وبريطانيا وتحرر الكثير من بلدان العالم واستقلالها، الأمر الذي تطور الاستعمار في ثوب جديد هو السيطرة على اقتصادات العالم عبر الشركات متعددة الجنسيات بمؤازرة ودعم الإمبريالية العالمية بترسانتها النووية والعسكرية، وبالآليات الأخرى السلمية، براقة المظهر وباطنها العذاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق