المخطط الصهيوني الأخطر
لا لوقف الحرب على غزة، لا لخروج الجيش من غزة، لا لعودة “حماس” إلى حكم غزة، لا لبقاء فلسطينيين في غزة إلا حسب الوضع الذي نقبل به، لا للخضوع لأي ضغوط دولية تحول دون تحقيق أهداف الحرب..
لاءات يتترس خلفها نتنياهو وعصبة المتطرفين، لاءات تعلو في فضاء الأحلام وترفرف كلما هوت في واقع الصراع وانزوت نتائج الحرب على “حماس”، فما أبعد الشقة بين الادعاءات والإنجازات! وما أعنف التعاكس بين القول والفعل في منطق اليمين الصهيوني المتطرف!
وفي المقابل تعتصم المقاومة بجملة من الثوابت التي تراها مفصلية في إدارة الصراع، حيث ترفض أي صفقة لا ينتج عنها: وقف العدوان بشكل نهائي، وخروج الجيش الصهيوني من غزة خروجًا لا قفول بعده، وإعادة الإعمار، والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ثوابت تأتي منسجمة غاية الانسجام مع وضع المقاومة على الأرض، ومع الصمود الذي تبديه في المواجه، وتبديه معها الحاضنة الشعبية المعتدى عليها، فما أروع الانسجام بين المشهد السياسي والموقف الميداني!
هروب الصهاينة باتجاه “صفقة القرن”
وإزاء هذا التباعد في الرؤى: ما الذي يمكن أن يجري على نحو يفاجئ الجميع؟ هل تعتمد إسرائيل حل التهجير القسري وتمضي فيه للنهاية؟ وتتحمل في المقابل “فاتورة” الخسائر الميدانية أملًا في أن تأتي نتائج التهجير على نحو يطمس نتائج الحرب البرّية ويواريها تلك التي لم تفلح في تحقيق هدف واحد من أهدافها، وهذا ما يخشاه المراقبون لما يرون من ممارسات عدوانية تستهدف الضغط على رفح، التي تستضيف اليوم أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، لتنفض ساكنيها مع غبار القصف نحو سيناء؟ فقد نقلت صحيفة الـ”واشنطن بوست” الأمريكية، السبت الماضي، عن جوزيف بوريل مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنه قلق بشأن المخطط الصهيوني لنقل تركيز العمليات العسكرية إلى رفح، وصرح بوريل من بروكسل بأن سكان غزة يجبرون على النزوح تدريجيًا نحو الحدود المصرية.
يضاف إلى ذلك أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت كان قد كتب مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي: “لقد أكملنا مهمتنا، وسنواصل إلى رفح”، وزعم أن القوات الإسرائيلية نجحت في تفكيك حركة “حماس” في خان يونس، وسوف تواصل عملها في رفح، ولأي مطلع على الأوضاع أن يتساءل: إذا كان عدد الذين يقطنون رفح اليوم 1.4 مليون نسمة، فكيف تتسع لهم -مع توسع القصف- وهي التي كانت من قبل -في الأمن- تضيق بسكانها الذين لم يتجاوز عددهم 280 ألف نسمة؟ وعندئذ لن يكون هناك إلا الجواب الوحيد المفزع: التهجير القسري إلى سيناء، وبحسب كثير من المراقبين فإن مصر لن تعترض، وإن كانت اليوم -لملابسات آنية- تتمنع وتتحفظ، وقد يدفعها إلى ذلك وضعها الاقتصادي الخانق، مع وجود الضامن العربي السابح فوق ثبج الأموال.
فإذا لم تنجح إسرائيل في تنفيذ هذا المشروع الذي يمثل الشق الأكبر في “صفقة القرن”، فهناك بديل قريب منه في المآل وإن بعُد عنه في واقع الحال، هذا البديل هو ذلك الذي اقترحه وزير الخارجية الأسبق للكيان الصهيوني أفيغدور ليبرمان ودعا إليه منذ أيام قلائل في لقاء له مع صحيفة “جيروزاليم بوست”، مفاده: أن تُسند إدارة غزة إلى مصر، وتُسند إلى الأردن إدارة المنطقة (أ) وجزء من المنطقة (ب) من الضفة الغربية، وتبقى المنطقة (ج) التي تمثل -حسب تقسيم اتفاقية أوسلو- 60% من الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية، وبهذا تتخلص إسرائيل من حلّ “الدولتين”، وتُشرك في عملية قمع المقاومة أقرب دولتين من دول الطوق وأسبقها إلى التطبيع، وتُصدّر جزءًا كبيرًا من مشكلاتها إلى من تراهم شركاءها في مشروع القضاء على من تسميهم “المخربين”، ويسمونهم “الإرهابيين”.
الضغط الشعبي هو الحل السحري
عندئذ -وإزاء هذه المؤامرة- لا بديل عن ممارسة الضغط على أطراف المعادلة، فأما الضغط على الكيان الصهيوني فهو دور المقاومة الفلسطينية وحلفائها العسكريين الذين دخلوا في الصراع طوعًا وكرها، وقد صاروا جميعًا في مركب واحد، ووضعوا مصيرهم أمام خيارين لا ثالث لهما: النجاة أو الغرق، ويكون ذلك بتحويل اهتمام الجيش الصهيوني بعيدًا عن رفح، وأما الأطراف القابعة في الجوار فسبيل الضغط عليها هو الحراك الشعبي الذي يندفع في الشوارع والميادين كالسيل الهادر، ذلكم هو السبيل.
إن الحراك الشعبي المبكر الذي يستهدف الضغط على الحكومات وثَنيها عن التوجه إلى إبرام “صفقة القرن” وإتمامها، إن هذا الحراك لهوَ السبيل الأقوم لردع الكيان الصهيوني وثني إرادته عن تنفيذ مشروعه الخبيث، ولا سيما في هذه اللحظة العصيبة من حياة الأمة، وإن الواجب إذا ألقى بثقله على ضمائر الشعوب ثم قعدت عنه فلن يكون لها قيام إلى أجيال عديدة، فالحذر كل الحذر من الخمول والانزواء، فإن هذه الخطوة للعدو الصهيوني لو نجحت فسيكون لها تبعات جسيمة على المنطقة برمتها، لأن “صفقة القرن” هذه مفتاح التقسيم للمنطقة كلها، وبإتمامها يتم للكيان الصهيوني السيطرة التامة على ما يسمى بالشرق الأوسط، ولن يبقى بعدها إلا فرض الدين الإبراهيمي على الشعوب بحد السيف.
الفرصة التاريخية المزدوجة
هذه فرصة تاريخية لأمتنا أو لأعداء أمتنا، فرصتنا تتمثل في إحياء “طوفان الأقصى” لروح النضال، وثبات المقاومة وصمودها في وجه التحالف الصليبي الصهيوني الدولي، وفرصتهم تتمثل في تشرذم الأمة وشيوع روح اليأس والقنوط بين شبابها واستبداد الخوف بهم، والكرة في ملعب هذا الجيل من أمتنا، فإن نجح في أن يستلهم من روح المقاومة شعاعًا وضّاءًا ويستمد من أنفاسها طاقة توّاقة، فلن يصمد الكيان الصهيوني لأمة شاءت أن تتحرر، وإن -لا قدر الله- غلبته دواعي الخوف وهواتف اليأس والقنوط، فلن يضيّع الصهاينة الفرصة، وسيمضون قدمًا في تحقيق حلمهم الكبير بعد استشهاد المقاومة وانطلاق رجالها إلى منازلهم في الفردوس الأعلى من الجنة، فاللهم اجمع للمقاومة إلى جانب الأجر نصرًا قريبًا:
{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق