معركتنا منعرج فارق في تاريخ القضية الفلسطينية
كيف ننجو من مثلث الشيطان الأمريكي؟
لا يخفى على سياسي متابع نزيه وعاقل أن العذابات والقتل المستحر على أرض فلسطين، إنما يجري بإرادة ورعاية وتخطيط وتسليح أمريكي للجيش الإسرائيلي، والذي رتب أضلاع مثلث المؤامرة، ثم أعطى الضوء الأخضر للإسرائيليين ليدمروا ويستبيحوا الأندلس في فلسطين!
الضلع الأول:
تسعى أمريكا من خلال يدها الضاربة -اسرائيل- لاستغلال أفقي وعمودي لمعركة طوفان الأقصى، وذلك لإحداث منعرج تاريخي في مسار القضية الفلسطينية برمتها يوازي منعرج اتفاق أوسلو إن لم يكن أسوأ منه، لاسيما بعد أن نجحت بالعبث في منطقتنا وجسدت مشروعها للفوضى الخلاقة في محيط فلسطين خلال العقد السابق، وذلك بعد أن حرفت مسار الثورات واخترقتها وانقلبت عليها، وتلك هي بداية المرحلة التي ستعقب ثورات الربيع العربي، حيث تسعى أمريكا لجعل معركة فلسطين نافذة وتدشينا للمرحلة القادمة.
الضلع الثاني:
وتشتد خطورة سحق القضية نتيجة تآمر مكتمل الأركان جسدته إيران بتسمينها للمقاومة الفلسطينية وزجها في المعركة ثم غدرها بها بعد أن وعدتها بالمشاركة، ومما زاد في وزرها اهلاك الشعب الفلسطيني وتدمير غزة، وذلك من خلال التزام إيران الوفي لأمريكا بضبط الساحات وعدم السماح بالخروج عن قواعد الاشتباك اللازمة، مع مرونتها تجاه تعامل الأمريكان مع أي حدث بما تراه مناسبا في التعامل مع أطرافها، وقد شكل هذا الايقاع الإيراني المضبوط والمنضبط مهلكة حقيقية سحقت جزءا كبيرا من نخبة المجاهدين وقتلت عشرات الآلاف من شعبنا المسكين، وذلك كنتيجة لضبط كل محيط فلسطين وترك فلسطين فريسة وحيدة مأزومة أمام جيش اسرائيل، والحيلولة دون أي دخول استراتيجي حقيقي على خط المعركة يحدث تغييرا لصالح الفلسطينيين!
الضلع الثالث:
تواطؤ النظام العربي الرسمي وقياداته المطيعة، لدرجة تبرؤ السعودية -ومن يتبعها- سياسيا من فلسطين، وقتل السيسي لمن بقي حيا من الفلسطينيين بعد أن أفلت من صواريخ الصهاينة المعتدين، وذلك عبر تجويعهم وحصار أطفالهم ونسائهم ومنع الغذاء والدواء عنهم، كما نجحت أمريكا في خصي عموم الحكومات والدول العربية عن كل فعل ذو قيمة سياسية أو عسكرية أو حتى شعبية تسند حقيقة فلسطين وأهلها، ولم يخالف هذا إلا قطر التي تستخدمها أمريكا كرسول ناعم ينقل رسائل الإدارة الأمريكية، ويشكل قناة لازمة للتواصل بين المقاومين والمحتلين!
إن الصورة القاتمة التي ترتسم يوميا بمئات الشهداء تحت القصف الهمجي الإسرائيلي، وعشرات ألوف الآهات بسبب القروح، ومئات ألوف الجوعى من الأطفال والنساء والشيوخ، كما مليوني مهجر في الشوارع والزقاق تحت الأمطار وفي العراء والبرد القارس، تشير إلى حقيقة يجب أن نعيها لتكون أحد مرتكزاتنا الفكرية والمنهجية والسياسية والعسكرية في مستقبل صراعنا مع الصهاينة، وهي أن القضية الفلسطينية أكبر من ديارها الجغرافية، وأن قوامة وقدرة وفاعلية شعوب الأمة العربية والإسلامية أكبر وأقوى وأقدر من قوامة الشعب الفلسطيني المحاصر، الأمر الذي يدعونا لضرورة المراجعة وصياغة مشروع فلسطيني خارج المنطق القطري، كما يدعونا للتراجع عن احتكار إدارة الشأن الفلسطيني والتخطيط له، لاسيما وقد ظهر في معركة طوفان الأقصى موقف دولي متكاتف وموحد ساند اسرائيل وعزز موقفها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، كما تدخل في كل تفاصيل المعركة مدا وجزرا إلى جانب اسرائيل.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}. (الأنفال:73)
إن هذا الفهم يستدعي وضع تصور ومرتكزات جديدة في القضية الفلسطينية، تفضي إلى خطة جديدة جماعية تحقق الثمرات بإذن الله، وهي واجب الوقت وتستحق التفكير والعمل والصبر، بديلا عن التيه الذي أسقطنا في الثقب الأسود حين وضع بعضنا أيديهم بأيدي الصهاينة المحتلين رجاء تحقيق منافع للشعب الفلسطيني وقضيته، وحين وضع البعض الآخر يده بأيدي ملالي إيران معولا عليهم في خطته وخطواته السياسية والعسكرية!
من المؤكد أن القطار الفلسطيني اليوم خارج السكة الصحيحة المفضية للنصر، وهذا يعني أنه لن يصل إلى تحقيق الأهداف، واذا كان هذا غير ظاهر لعموم الأمة فذلك بسبب بطولات المجاهدين التي يسطرونها بدمائهم، وبسبب صمود الشعب الفلسطيني في عموم مكونه المدني في القدس والضفة وغزة وحتى في أراضي ال 48.
إن دعوتنا ونداءنا المتكرر لإخراج القضية الفلسطينية من بعدها الجغرافي القطري إلى فضاء الأمة، يستدعي إنهاء حصرية التفرد الفلسطيني بالتنظير للقضية ورسم خطواتها وإدارة ملفاتها، وهو نداء يحتاج لكوكبة من ذوي الهمم العالية في الأمة لتتلقفه وتبدأ بالبناء التراكمي عليه، وذلك عند من يتصفون بالوعي والإخلاص والشجاعة، بحيث يكونون متحررين من أسر الأنظمة العربية والإسلامية المتواطئة مع الخصوم، وبحيث يتجاوزوا أي ابتزاز فلسطيني يضعهم في خانة المهللين والداعمين لكل خطواته!
أقول وكلي رجاء بالله سبحانه وتعالى، إن كل عمل ثوري جهادي صادق يحقق تغييرا جزئيا ولو لم يفضي إلى نصر مبين، يمكن استثماره بشرط توفر الوعي المفضي إلى مراجعة حقيقية للأخطاء والتخلص منها بشجاعة ومسؤولية، وذلك بعد تحديدها والاعتراف بها بأمانة لتتجنبها الأجيال المتعاقبة في مسار تحرير بلادها من المحتل وبناء نهضة الأمة المنشودة، لا الوقوع بنفس الأخطاء، أو استكمال الطريق دون تصحيح حقيقي، والمضي في نفس الاتجاه المتعثر!
وإن حجم الدماء الزكية التي بذلت في محيط الأرض المباركة اللصيق والقريب والمتوسط والبعيد، وذلك في سياق التخلص من التبعية للغرب، وامتلاك الإرادة السياسية الحرة والمستقلة، والتخلص من المحتل وذيوله المحلية، كفيلة وكافية بأن تحدث وقفات ومراجعات حقيقية عميقة وجادة، لاسيما بعدما فشلت جميعها في تحقيق ما قامت لأجله الثورات وأهرقت لأجله الدماء … وهذا هو حال فلسطين الأمس واليوم وفي اليوم التالي للمعركة.
إن معركة طوفان الأقصى لن تكون الأولى ولا هي الأخيرة، فهذا حال فلسطين منذ قرن، بغض النظر عن الفوارق النسبية في التعثر والاخفاق في تحقيق الأهداف المرجوة في مسار القضية الفلسطينية، وذلك رغم وجود نتائج جزئية هنا وهناك، ورغم روعة الفرد والأسرة والمجتمع الذي أثبت رفعة هامته وقوة عزيمته التي تأبى الانكسار، تماما كما رأيناها في مصر والعراق واليمن وليبيا والشام.
أقول، حري بمن أنتجت وعيهم وصقلتهم تجارب ثورات الربيع العربي ممن يصطبغون بثقافة الأمة المسلمة، ومن ينحازون نظريا وعمليا في مواقفهم السياسية للأمة العربية والإسلامية، أن يشكلوا كوكبة أولى تجتمع حول أصلب قضايا الأمة العربية والإسلامية ومحل الإجماع (فلسطين والأقصى)، ليتدارسوا فيما بينهم ويعيدوا قراءة التجربة الفلسطينية ومسارها المعوج والمتعثر، فيخرجوا بتصور جديد سوي يضع قطار التضحيات والبذل في فلسطين على السكة الصحيحة القويمة، لاسيما وأنهم دفعوا أنهارا من الدماء في بلادهم لأجل فلسطين، وذلك منذ نكبة ال48 وحتى الآن، بل إن أحد أهم أسباب إفشال ثوراتهم والانقلاب على شرعيتهم ومنعهم من امتلاك الإرادة السياسية الحرة والفاعلة هو رعاية أمريكا لربيبتها اسرائيل.
إن فلسطين كانت ولا تزال وستبقى أرضا عربية إسلامية ملك للعرب والمسلمين، وهم يد على من عاداهم أو احتل أرضهم واختطف أقصاهم، وذمتهم ومسؤوليتهم الشرعية والأخلاقية والسياسية تجاه هذه المسألة واحدة ومتساوية، فلا يتحدثن أحد من غير الفلسطينيين باستحياء كأنه على القضية دخيل أو على أهلها وشعبها ثقيل، ولا يخضعن أحد لابتزاز حركاتها وان كانت ثورية ومضحية لاسيما أنها جميعا متعثرة.
فهل ستجد فلسطين من بين رجالات الأمة من يتجاوز صنم ودين وثقافة سايكس بيكو، بحيث يرى فلسطين خارج الحدود التي رسمها اللعينين؟
إن الجواب العملي على هذا الاستحقاق، هو ما سيترجم شكل وحجم ثمرات ثورات الربيع العربي، وهو ما سيشير إلى استحقاق هذا الجيل للنصر وتحرير الأقصى المبارك، أو لا قدر الله يكون خلاف ذلك فيبعث الله جيلا فريدا يستحق هبة النصر والفتح الذي شرف الله به عمر بن الخطاب، ووهبه لمن عمل بجد ووعي وإخلاص فاستحقه الناصر صلاح الدين.
نسأل الله أن يسدد رمي المجاهدين، وأن يقوي ظهورهم وأن يرفع راياتهم بالحق حتى ترفرف فوق المسجد الأقصى المبارك، ونسأله سبحانه أن يبطل كيد الكافرين المستكبرين الظالمين من الأمريكان والإسرائيليين والملالي الإيرانيين وحكام العرب والمسلمين المتواطئين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
يقول سبحانه وتعالى: (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون) سورة النمل الآيات 50،51.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 6/2/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق