هل ستندلع ثورة جديدة في مصر ؟
شريف عبد العزيز الزهيري
رمال مصر المتحركة ما زالت كل يوم تدفع بمفاجآت وأحداث جديدة ، وتنذر بمواجهات وشيكة ، فنذر الثورة أخذت بوادرها تلوح في الأفق ، بصورة لا تخطئها عين المواطن العادي ، فضلا عن المتابعين والمراقبين للشأن المصري ، فقد كان تصريح الرئيس المصري محمد مرسي بالسودان يوم الجمعة الماضي ، والذي هدد فيه بثورة ثانية تقتلع جذور الفساد والمفسدين ، بمثابة الإعلان الرسمي عن الحل الأمثل ، للواقع المتوتر والملتهب في مصر ، بعد أن وصلت المواجهات بين أركان ومفاصل الدولة القديمة المباركية ، وبين النظام الجديد المنتخب ، لذروة الصدام ، بحيث صرّح الرئيس المنتخب بمثل هذا التصريح الذي عادة لا يصدر إلا من المعارضة على الأنظمة القائمة ، ولم يعهد بثورة نظام على المعارضة ، إلا من الرئيس الراحل السادات في مايو 71 ، عندما قام بثورة تصحيح على رموز نظام جمال عبد الناصر .
الحديث عن ثورة ثانية في مصر بدأ مبكرا ، وبعد فترة وجيزة من حكم المجلس العسكري الذي غلب على أدائه السياسي التخبط وضعف الرؤية والعشوائية ، فبعد تخبط المجلس في قراراته ، واستجاباته المتكررة للضغوط الداخلية والخارجية ، عندها أدرك العقلاء أن الثورة قد انحرفت عن مسارها أو تم سرقتها، وذلك يوم أن وافق الثوار على فكرة تولى العسكر لإدارة المرحلة الانتقالية ، وندم الثوار على استماعهم للأصوات المنادية بعدم ترك الميدان ، لذلك كان من الطبيعي أن تشهد البلاد خلال مدة حكم العسكر ( عام ونصف ) احتجاجات عنيفة ، كانت بمثابة موجات ارتدادية للثورة الأولى ، ولكنها لم ترق لمستوى الثورة الكاملة ، وقد أجرت فضائيه "دوي تشه فيليه" الألمانية عدة مناظرات بين بعض الساسة والمفكرين عن موضوع حساس وهو مدى حاجة مصر إلى ثورة ثانية ، وذلك في أعقاب فوز الرئيس مرسي بمنصب الرئاسة ، وذلك باللغتين العربية والانجليزية ، وعلي قناتي"الحياة" المصرية ، و"هنبعل" التونسية ـ وكلاهما محسوب على النظام القديم في مصر وتونس ـ وتليفزيون وخدمه الإذاعة العامة (pbs) في أمريكا بالإضافة إلى تليفزيونات عربيه شريكة ، وفي ختام مناقشات حادة ومداخلات ساخنة بين كلمات المتحاورين ، صوت 63.4% من الحضور لصالح فكرة الثورة الثانية ، فيما عارضها 36.6%.
الأحداث في مصر تتسارع بصورة كبيرة ، تجعل المتابعين يلهثون ورائها من أجل تفسيرها واستقراء مراميها ، فمنذ أن تمكن الإخوان من تحقيق ضربتهم المؤثرة بعزل النائب العام والاستفتاء على الدستور ، وإقراره شعبيا وقانونيا ، والبلاد تشهد حملة ضارية قاسية على كل المستويات ، من أركان الدولة القديمة ـ القضاء والإعلام والمخابرات ـ بالتعاون مع التيارات العلمانية والليبرالية ، في إطار متحرك بين هدف أعلى وهو الإطاحة بنظام مرسي والإخوان المسلمين والتيار الإسلامي كله من المشهد السياسي ، وذلك بدفع الجيش للانقلاب على الشرعية والرئيس المنتخب ، وهدف أدنى وهو تعويق الرئيس مرسي من تحقيق إنجازات ملموسة ، وذلك بتفجير أكبر قدر ممكن من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وهو ما نجحت فيه القوى المعادية للثورة والنظام الجديد حتى الآن .
أحداث مصر في الثلاثة شهور الأخيرة انتقلت فيها المواجهات إلى ثلاثة مستويات من التصعيد ، في تخطيط مدروس من أجل الوصول إلى نقطة الكسر التي لا يصلح معها إلا الصدام المباشر ، كحل وحيد للخروج من نفق الأوضاع القاتمة ، فبعد التصعيد السياسي الذي صاحبته أحداث عنف غير مسبوقة في مصر من اعتداء على منشآت عامة ومقرات حزبية وأفراد أغلبهم منتمين للتيار الإسلامي ، انتقل التصعيد إلى المستوى الاقتصادي بأزمات خانقة شديدة في الوقود والمحروقات وأسعار الدولار ، وهي الأمور التي تؤدي دائما لارتفاع جنوني في الأسعار ، وموجات متتالية من الغلاء ، أضف إلى ذلك حملات التضييق الشديدة التي تقودها دول الخليج باستثناء قطر ، وتعثر مفاوضات صندوق النقد الدولي ، وتردد الاتحاد الأوروبي في إرسال المساعدات ، وفوضى الشارع الذي لم يعرف الهدوء أو التوقف ، وأخيرا التصعيد الطائفي التي حدث بالخصوص والكاتدرائية ، واللعب بالورقة القبطية ، وهي الورقة المفضلة لأعداء مصر منذ سنوات طويلة ، ولأول مرة يدخل ملف الشيعة على مستوى التصعيد الطائفي ، بعد بداية تدفق السياح الإيرانيين الشيعة على مصر ، وهو ما أغضب بشدة التيارات السلفية الرافضة لهذا التطبيع الاقتصادي والسياحي مع إيران ، وواكبت احتجاجاتهم على هذا التقارب أعمال عنف ضد القائم بالأعمال الإيرانية في مصر .
ولكن ثمة تطور كبير حدث في الشأن المصري في الأسبوعين الأخيرين ، جعل مسألة الثورة قاب قوسين أو أدنى ، فأحداث خطيرة وقعت بصورة سريعة ، تجعل السكوت عليها ضربا من الغفلة المميتة ، بدأت بزيارة عاجلة من البرادعي إلى دبي تحت غطاء تكريم الفائزين في نوبل ، وهناك التقى مع المرشح الخاسر ، والمتهم الفار" أحمد شفيق " بصورة سرية ، حيث تم التنسيق والترتيب والتمويل للمرحلة القادمة ، وهو التمويل الذي أحدث شقاقا كبيرا في حزب البرادعي ، ثم تلا ذلك الاعتداء العنيف الوحشي على مقر الإخوان بالمقطم ، وما تلا ذلك من إعلان وسائل الإعلام الحرب المكشوفة والشاملة على نظام مرسي ، بهجوم في غاية الضراوة ، بإطلاق سلسلة متواصلة يومية من الأكاذيب والشائعات ضد مرسي وجماعته ، ثم الحكم المريب والمعيب الذي صدر بخصوص النائب العام ، والذي أعاد المواجهات للمربع رقم واحد في مرحلة ما قبل الإعلان الدستوري ، ثم التجاهل المهين لقرار النائب ضبط وإحضار 169 شخصية اتهمت في أحداث عنف المقطم ، وسخرية المطلوبين من النائب العام وسبهم له على الهواء ، في تقويض واضح لسلطة النائب والقانون والدولة ،ثم موقعة باسم يوسف التي كشفت عن الأبعاد الخارجية في صناعة هذا الأراجوز العالمي ، ثم رفض الأنتربول الدولي إصدار مذكرة توقيف حمراء بخصوص المتهم الهارب " أحمد شفيق " ، بحجة تسييس القضية ، على الرغم من صدور أحكام نافذة ضده في قضية أرض الطيارين ، ثم إحراق محكمة جنوب القاهرة عمدا لتضيع في الحادثة عشرات الملفات الهامة والأحراز الحساسة في قضايا قتل الثوار وغيرها ، على الرغم من تنبيه العميل الأمريكي الخائن " عمر عفيفي " قبل وقوع الحادث بأنه سيقع في اليوم والساعة التي وقع فيها الحادث فعلا ، ثم قيام محكمة مصرية بتبرئة العديد من رجال مبارك والإفراج عنهم ، وتبرئة أحمد شفيق وإبراهيم مناع في قضية إهدار المال العام في المطار الجديد ، ثم إعلان شفيق عن نيته العودة إلى مصر ، والانضمام إلى جبهة الإنقاذ ، وأنه سيجلب الخير لمصر عبر المليارات التي بحوزته ، ورجال الأعمال والمستثمرين الخليجيين والأوروبيين القادمين معه ، شريطة أن يتولى حكم مصر ، وأخيرا أحداث الفتنة الطائفية المريرة ، ومجاهرة الأقباط لأول مرة بما يملكون من أسلحة داخل الأديرة والكنائس ، وإعلانهم نية القتال دفعا عن دولتهم ، لأنهم أصحاب الأرض الأصليين .
كل هذه الأحداث ما كان لها أن تقع لو تخلى الإخوان قليلا عن حذرهم الأسطوري ، وتلكؤهم وتباطؤهم ، في اتخاذ قرارات جريئة ومصيرية ، الحذر الذي جعلهم لا يستغلون حادثة الإطاحة بطنطاوي وعنان ، من أجل اتخاذ قرارات مصيرية ، تحسم مادة الفساد ، حذرهم الذي جعل مجلس الشعب يمكث خمسة شهور ، دون إعداد قانون السلطة القضائية لمواجهة طغيان القضاة الذين أصبحوا رأس حربة ضد الثورة والنظام الجديد ، ودون إصدار قانون هيكلة وإصلاح الداخلية ، ودون إصدار ميثاق شرف ينظم الأداء الإعلامي ، فتعرضت البلاد لكل هذا البلاء .
الرئيس مرسي إذا لم يسارع باتخاذ قرارات استثنائية تناسب الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد ، بإصدار قوانين عاجلة تقضيها الظروف والوقائع ، فلن يبقى في الحكم طويلا ، ولا أعتقد أن الشعب سيصبر على أزماته أكثر من ذلك ، ولا أعتقد أن الجيش سيصبر على الإغراءات والأصوات المنادية بنزوله أكثر من ذلك ، حتى لو بدا للعيان غير ذلك ، على الرئيس مرسي أن يثور سريعا على القضاء والإعلام ، لأنه لو ثار على أحدهما دون الآخر ، فسيتكفل الآخر بإحباط ما سيحيق بالأول ، فالإعلام والقضاء يا مرسي ، وإلا فقل على دولتك السلام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق