Egypt is staring into an economic abyss that could take generations to reverse
يحيى حامد
منهج الرئيس عبد الفتاح السيسي في التنمية الاقتصادية ساذج في أحسن الأحوال وطائش في أسوئها.
بدا مستقبل مصر في عام 2008 مشرقاً. حينها، كان حديث الناس في مقاهي القاهرة يتمحور حول قوة الاقتصاد.
كان قد طرأ تحسن مطرد على الاقتصاد منذ عام 2004، وبحلول عام 2008 وصل المعدل السنوي للناتج المحلي الإجمالي 7 بالمائة. كانت مصر رسمياً واحدة من الاقتصاديات الأسرع نمواً في الشرق الأوسط.
على حافة الهاويةوبعد أحد عشر عاماً، يقف ذلك الاقتصاد نفسه على حافة هاوية. نواجه الآن وبشكل حقيقي وصارخ احتمال انهيار اقتصاد البلاد من الداخل والغرق في دين سيادي مهول وفي مشاريع ضخمة وفظيعة ولا قيمة لها لدى عامة الناس.
ستكون الآثار مدمرة، ليس فقط على مصر، بل وعلى جيرانها في المنطقة وحتى بالنسبة لأوروبا، لما سينجم فيما لو فشل الاقتصاد من هجرة جماعية في كل الاتجاهات.
إذا ما أريد معرفة كيف سيكون شكل ذلك الوضع، ما على المرء إلا أن ينظر في حال ليبيا والأزمة التي نجمت عن فشلها. الفرق بين الحالتين هو أن مصر تعداد سكانها أكثر من عشرة أضعاف تعداد سكان جارتها.
في عام 2008، بدا الاقتصاد المصري في أحسن أحواله. ولكن كانت هناك علامات إنذار شبيهة بتلك التي تسفر عن نفسها اليوم. كان الاقتصاد معتمداً بشكل كثيف على السياحة وعلى عائدات النفط.
في ذروة انتعاشه في عام 2010 كان قطاع السياحة يشغل ما يقرب من 12 بالمائة من القوى العاملة في مصر، ويوفر ما يقرب من 12.5 مليار دولار من العائدات، بينما ظل قطاع الإنتاج والصناعة متخلفاً وميؤوساً منه.
وفوق ذلك كله، عانت الطبقة الوسطى، والتي تعتبر القوة الدافعة الرئيسية لأي اقتصاد، من اقتصاد منحاز بشكل مزري لصلاح النخبة العسكرية.
بات مستوى المعيشة الحالي في مصر أسوأ مما كان عليه في عام 2008، بينما تتقلص الطبقة الوسطى بشكل سريع، وسرعان ما تكون قد محيت تماماً. فطبقاً لتقرير صدر مؤخراً حول دخل ومصروف العائلة، ارتفعت نسبة من يعيشون دون خط الفقر – أي يعيشون على أقل من 2.5 دولار في اليوم – من 27.8 بالمائة في عام 2015 إلى 30 بالمائة في عام 2018.
استعراض القوةمنذ أن استولى الرئيس السيسي على السلطة لم يزل منهجه في التنمية الاقتصادية ساذجاً في أحسن الأحوال وطائشاً في أسوأها.
بدلاً من إجراء التعديلات الضرورية لدعم النمو الصناعي وقوة العمل الإنتاجية، قام بصب المال في مشاريع لا طائل منها الهدف النهائي منها هو استعراض القوة أو إيجاد وظائف. وفي تلك الأثناء نضبت الموارد المخصصة لقطاعي الصحة والتعليم المتهالكين.
تقتصر تلك الجهود التي تبذل في سبيل خلق وظائف جديدة على مشاريع بنى تحتية ضخمة لا ضرورة لها. ففي عام 2014 استثمر السيسي 8 مليارات دولار في توسعة قناة السويس. صدرت عن المسؤولين المصريين حينها وعود كبيرة، حيث ادعوا بأن التوسعة ستضاعف العائدات السنوية للقناة وسترفعها من 5.5 مليار دولار في عام 2014 إلى 13.5 مليار دولار في عام 2023.
إلا أنه لا صحة لذلك في أرض الواقع.
والآن تكرس الأموال العامة لإنشاء عاصمة إدارية جديدة بتكلفة قدرها 45 مليار دولار – وهو المبلغ الذي تم حذفه من ميزانية الحكومة.
سوء تدبير يتجاوز سوء تدبير السيسي لواحد من أضخم اقتصاديات أفريقيا مجرد سوء استخدام الموارد. من الواضح جداً أن فهمه حتى لأبسط المبادئ الاقتصادية ضحل جداً لدرجة أنه يبعث على الذعر – ولا مفاجأة في ذلك إذا علمنا أن أقرب حلفائه السياسيين هم عسكريون آخرون مثله لا خبرة لديهم في المجال الاقتصادي.
لقد خفض قيمة الجنيه المصري لدرجة باتت البلاد معها في حاجة إلى مضاعفة صادراتها ثلاثة أضعاف فقط حتى تتمكن من توفير ما كان لديها من قبل من عملة صعبة. غني عن القول إن ذلك لم يحدث. والآن، توشك تروس عجلة الاقتصاد على التوقف تماماً عن الدوران.
ذهب السيسي يقترض بمنتهى الاستخفاف وينفق بنفس المستوى من الاستخفاف لدرجة أن مصر الآن باتت مسحوقة تحت عبء الدين العام، وهو الأعلى في تاريخها على الإطلاق. لقد ارتفع الدين العام خمسة أضعاف خلال السنوات الخمس الأخيرة ويتوقع له أن يستمر في الارتفاع في المدى المنظور.
بات من المحال أن تتمكن الحكومة من توفير حتى أبسط احتياجات الناس. وكان السيسي قد قال على الملأ إن الحكومة ليس لديها مال وأن ثلث الميزانية مخصص لدفع الفوائد المترتبة على القروض.
يستحيل في مثل هذه الظروف المتأججة التمكن من الإنفاق بطريقة تعود بالنفع على المجتمع أو على الاقتصاد على المدى البعيد. وحتى بقايا نظام الرعاية الاجتماعية التي كانت ماتزال موجودة عندما استلم السيسي السلطة ما لبثت سريعاً أن قضي عليها تماماً بمجرد أن جاء صندوق النقد الدولي يدق الباب.
يوجد خلف كل انهيار اقتصادي تكلفة بشرية. يواجه جيل كامل من الشباب المصريين الآن سوق عمالة خال تماماً من الفرص وينتشر في أوصاله سرطان المحسوبية والفساد.
ارتفعت أسعار الوقود والخبز بعد رفع الدعم عنهما، وزاد الطين بلة الغلاء الخانق.
الهوس بالجيشإذا ما بحثنا عن أصل سوء تدبير السيسي للشؤون المالية في مصر فسنجده يكمن في هوسه بالجيش، حيث تقبض القوات المسلحة بإحكام على قطاع الأعمال بدرجة فاقت هيمنة الفئة المحتكرة التي انتعشت في عهد مبارك.
واليوم زاد حجم ذلك الجزء من الاقتصاد المصري الذي يخضع لتحكم الجيش، وقد يكون قد وصل، بحسب ما تقوله الشفافية الدولية، إلى ستين بالمائة. لم يعد لروح المبادرة وجود، وضيق الخناق على المنافسة والاقتصاد الحر بسبب منظومة تديرها عصابة مافيا.
من الواضح للعيان أن هذه الفوضى الاقتصادية ناجمة عن انهيار المحاسبة السياسية. فها هم الزعماء الأجانب، الذين ضمنوا من خلال السيسي وصول أياديهم إلى صندوق المال، والذين يعتبرون السيسي زعيماً يحارب الإرهاب ويحافظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، قد أشاحوا بوجوههم وغضوا أبصارهم عن رؤية حقائق هذا النظام الذي أعمل معوله في الاقتصاد تخريباً وراح يدمر التجارة الحرة باسم ممارسة سياسية ضحلة كل همه منها أن يبدو زعيماً قوياً.
إن من شأن تجاهل الوضع السياسي أن يحكم على الاقتصاد بالفشل، وفي هذه الأثناء ستكون التكلفة البشرية فوق التصور. ما من شك في أن التغيير لن يأتي إلا على أيدي زعامة سياسية مصرية تكرس نفسها لاستنقاذ التجارة والصناعة وليس لخدمة ذاتها وجني الأرباح لنفسها مهما كانت التكلفة.
تقف مصر على حافة هاوية اقتصادية قد تحتاج إلى أجيال متعاقبة للخروج منها. تكمن المأساة في أن ذلك ناجم عن بلطجة سياسية متعمدة، وليس عن مصيبة حلت بالاقتصاد. يبدأ الحل من السياسة وليس العكس.
بدا مستقبل مصر في عام 2008 مشرقاً. حينها، كان حديث الناس في مقاهي القاهرة يتمحور حول قوة الاقتصاد.
كان قد طرأ تحسن مطرد على الاقتصاد منذ عام 2004، وبحلول عام 2008 وصل المعدل السنوي للناتج المحلي الإجمالي 7 بالمائة. كانت مصر رسمياً واحدة من الاقتصاديات الأسرع نمواً في الشرق الأوسط.
على حافة الهاويةوبعد أحد عشر عاماً، يقف ذلك الاقتصاد نفسه على حافة هاوية. نواجه الآن وبشكل حقيقي وصارخ احتمال انهيار اقتصاد البلاد من الداخل والغرق في دين سيادي مهول وفي مشاريع ضخمة وفظيعة ولا قيمة لها لدى عامة الناس.
ستكون الآثار مدمرة، ليس فقط على مصر، بل وعلى جيرانها في المنطقة وحتى بالنسبة لأوروبا، لما سينجم فيما لو فشل الاقتصاد من هجرة جماعية في كل الاتجاهات.
إذا ما أريد معرفة كيف سيكون شكل ذلك الوضع، ما على المرء إلا أن ينظر في حال ليبيا والأزمة التي نجمت عن فشلها. الفرق بين الحالتين هو أن مصر تعداد سكانها أكثر من عشرة أضعاف تعداد سكان جارتها.
في عام 2008، بدا الاقتصاد المصري في أحسن أحواله. ولكن كانت هناك علامات إنذار شبيهة بتلك التي تسفر عن نفسها اليوم. كان الاقتصاد معتمداً بشكل كثيف على السياحة وعلى عائدات النفط.
في ذروة انتعاشه في عام 2010 كان قطاع السياحة يشغل ما يقرب من 12 بالمائة من القوى العاملة في مصر، ويوفر ما يقرب من 12.5 مليار دولار من العائدات، بينما ظل قطاع الإنتاج والصناعة متخلفاً وميؤوساً منه.
وفوق ذلك كله، عانت الطبقة الوسطى، والتي تعتبر القوة الدافعة الرئيسية لأي اقتصاد، من اقتصاد منحاز بشكل مزري لصلاح النخبة العسكرية.
بات مستوى المعيشة الحالي في مصر أسوأ مما كان عليه في عام 2008، بينما تتقلص الطبقة الوسطى بشكل سريع، وسرعان ما تكون قد محيت تماماً. فطبقاً لتقرير صدر مؤخراً حول دخل ومصروف العائلة، ارتفعت نسبة من يعيشون دون خط الفقر – أي يعيشون على أقل من 2.5 دولار في اليوم – من 27.8 بالمائة في عام 2015 إلى 30 بالمائة في عام 2018.
استعراض القوةمنذ أن استولى الرئيس السيسي على السلطة لم يزل منهجه في التنمية الاقتصادية ساذجاً في أحسن الأحوال وطائشاً في أسوأها.
بدلاً من إجراء التعديلات الضرورية لدعم النمو الصناعي وقوة العمل الإنتاجية، قام بصب المال في مشاريع لا طائل منها الهدف النهائي منها هو استعراض القوة أو إيجاد وظائف. وفي تلك الأثناء نضبت الموارد المخصصة لقطاعي الصحة والتعليم المتهالكين.
تقتصر تلك الجهود التي تبذل في سبيل خلق وظائف جديدة على مشاريع بنى تحتية ضخمة لا ضرورة لها. ففي عام 2014 استثمر السيسي 8 مليارات دولار في توسعة قناة السويس. صدرت عن المسؤولين المصريين حينها وعود كبيرة، حيث ادعوا بأن التوسعة ستضاعف العائدات السنوية للقناة وسترفعها من 5.5 مليار دولار في عام 2014 إلى 13.5 مليار دولار في عام 2023.
إلا أنه لا صحة لذلك في أرض الواقع.
والآن تكرس الأموال العامة لإنشاء عاصمة إدارية جديدة بتكلفة قدرها 45 مليار دولار – وهو المبلغ الذي تم حذفه من ميزانية الحكومة.
سوء تدبير يتجاوز سوء تدبير السيسي لواحد من أضخم اقتصاديات أفريقيا مجرد سوء استخدام الموارد. من الواضح جداً أن فهمه حتى لأبسط المبادئ الاقتصادية ضحل جداً لدرجة أنه يبعث على الذعر – ولا مفاجأة في ذلك إذا علمنا أن أقرب حلفائه السياسيين هم عسكريون آخرون مثله لا خبرة لديهم في المجال الاقتصادي.
لقد خفض قيمة الجنيه المصري لدرجة باتت البلاد معها في حاجة إلى مضاعفة صادراتها ثلاثة أضعاف فقط حتى تتمكن من توفير ما كان لديها من قبل من عملة صعبة. غني عن القول إن ذلك لم يحدث. والآن، توشك تروس عجلة الاقتصاد على التوقف تماماً عن الدوران.
ذهب السيسي يقترض بمنتهى الاستخفاف وينفق بنفس المستوى من الاستخفاف لدرجة أن مصر الآن باتت مسحوقة تحت عبء الدين العام، وهو الأعلى في تاريخها على الإطلاق. لقد ارتفع الدين العام خمسة أضعاف خلال السنوات الخمس الأخيرة ويتوقع له أن يستمر في الارتفاع في المدى المنظور.
بات من المحال أن تتمكن الحكومة من توفير حتى أبسط احتياجات الناس. وكان السيسي قد قال على الملأ إن الحكومة ليس لديها مال وأن ثلث الميزانية مخصص لدفع الفوائد المترتبة على القروض.
يستحيل في مثل هذه الظروف المتأججة التمكن من الإنفاق بطريقة تعود بالنفع على المجتمع أو على الاقتصاد على المدى البعيد. وحتى بقايا نظام الرعاية الاجتماعية التي كانت ماتزال موجودة عندما استلم السيسي السلطة ما لبثت سريعاً أن قضي عليها تماماً بمجرد أن جاء صندوق النقد الدولي يدق الباب.
يوجد خلف كل انهيار اقتصادي تكلفة بشرية. يواجه جيل كامل من الشباب المصريين الآن سوق عمالة خال تماماً من الفرص وينتشر في أوصاله سرطان المحسوبية والفساد.
ارتفعت أسعار الوقود والخبز بعد رفع الدعم عنهما، وزاد الطين بلة الغلاء الخانق.
الهوس بالجيشإذا ما بحثنا عن أصل سوء تدبير السيسي للشؤون المالية في مصر فسنجده يكمن في هوسه بالجيش، حيث تقبض القوات المسلحة بإحكام على قطاع الأعمال بدرجة فاقت هيمنة الفئة المحتكرة التي انتعشت في عهد مبارك.
واليوم زاد حجم ذلك الجزء من الاقتصاد المصري الذي يخضع لتحكم الجيش، وقد يكون قد وصل، بحسب ما تقوله الشفافية الدولية، إلى ستين بالمائة. لم يعد لروح المبادرة وجود، وضيق الخناق على المنافسة والاقتصاد الحر بسبب منظومة تديرها عصابة مافيا.
من الواضح للعيان أن هذه الفوضى الاقتصادية ناجمة عن انهيار المحاسبة السياسية. فها هم الزعماء الأجانب، الذين ضمنوا من خلال السيسي وصول أياديهم إلى صندوق المال، والذين يعتبرون السيسي زعيماً يحارب الإرهاب ويحافظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، قد أشاحوا بوجوههم وغضوا أبصارهم عن رؤية حقائق هذا النظام الذي أعمل معوله في الاقتصاد تخريباً وراح يدمر التجارة الحرة باسم ممارسة سياسية ضحلة كل همه منها أن يبدو زعيماً قوياً.
إن من شأن تجاهل الوضع السياسي أن يحكم على الاقتصاد بالفشل، وفي هذه الأثناء ستكون التكلفة البشرية فوق التصور. ما من شك في أن التغيير لن يأتي إلا على أيدي زعامة سياسية مصرية تكرس نفسها لاستنقاذ التجارة والصناعة وليس لخدمة ذاتها وجني الأرباح لنفسها مهما كانت التكلفة.
تقف مصر على حافة هاوية اقتصادية قد تحتاج إلى أجيال متعاقبة للخروج منها. تكمن المأساة في أن ذلك ناجم عن بلطجة سياسية متعمدة، وليس عن مصيبة حلت بالاقتصاد. يبدأ الحل من السياسة وليس العكس.
الرابط الأصلي (هنا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق