الخميس، 9 يناير 2020

لماذا قتلت الولايات المتحدة قاسم سليماني؟

لماذا قتلت الولايات المتحدة قاسم سليماني؟

سياق مقتل سليماني مرتبط أصلًا بالعراق، لذا قتل في بغداد، وعلى الرغم من كونه عدوًّا لأمريكا، فإنه قد دخل العراق من البوابة التي وفرتها له أمريكا،
ياسين اقطاي
يعتبر قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للثورة الإيرانية المحافظة؛ من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مطلع السنة الجديدة؛ بمثابة إشارة إلى أن هذه السنة حبلى بالمزيد من التطورات في الأحداث، كما كان اهتمام الإعلام العالمي بخبر مقتله يشير إلى أي درجة تحلق وتطير سمعة الرجل.
لا يخفى على أحد أن إيران هي الورقة الرابحة في لعبة شطرنج الشرق الأوسط، لاسيما في سوريا ولبنان والعراق واليمن، تلك العواصم السنية الأربع التي يتفاخر الإيرانيون بفرض نفوذهم عليها، بكل العمليات التي تدار نيابة عن إيران، التي تعتبر العقل المدبّر والمنظم لها
والي ايران
إن استهداف الولايات المتحدة الأمريكية، لشخص يعتبر بمثابة والي إيران على كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن، هو انتقال لمرحلة جديدة من مراحل الحرب الباردة بين أمريكا وإيران، كما أننا قد بتنا أمام حقيقة واضحة للغاية، إذ بتنا نشهد وضعا قدّمت فيه الولايات المتحدة هدية ثمينة لإيران، من حيث نفوذها وسلطتها القائمة في العراق.
إن نظرة الولايات المتحدة لإيران منذ البداية على أنها عدو، تجعل من الصعب التفكير بأن الولايات المتحدة قد فتحت المجال أمام إيران، لكن حينما نغض طرفنا عن ذلك، ندرك أن الولايات المتحدة قد أفسحت الطريق تمامًا أمام إيران كي تعتبر العراق وكأنه إحدى ولاياتها الخالصة.
إن سياق مقتل سليماني مرتبط أصلًا بالعراق، لذا قد تم قتله في بغداد، وعلى الرغم من كونه عدوًّا لأمريكا، فإنه قد دخل العراق من البوابة التي وفرتها له أمريكا، منذ احتلالها للعراق وحتى الآن، كان يتصرف على أنه والي العراق وأميرها، له أن يتجول في كافة الأراضي العراقية دون مساءلة من أحد، كان يتحرك وفق الأهداف التي يحددها بشكل تنظيمي، مستخدمًا جميع العناصر البشرية في البلدان التي تولّى فيها مهامًّا، عبر شخصية قوية وعقل استراتيجي وخبرة في الميدان امتدت لسنوات
في السياق ذاته، كانت التنظيمات التي أسسها كفيلق القدس، والحشد الشعبي في العراق، تتبع له مباشرة أكثر من كونها تابعة للسلطات العراقية ذاتها، ولو لاحظتم؛ فإن تلك القوات لا تدخل في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة حتى الآن، لقد كانت الولايات المتحدة كما الجميع؛ الكل يرى ما تقوم به تلك القوات من أنشطة في العراق، وكيف أوصلته إلى مكان لا يصلح العيش فيه، ومع ذلك لم يصدر عن أحد أي صوت
الذي تغير:
فما الذي تغير حتى جعل قاسم سليماني هدفًا للقتل؟
إن النفوذ الإيراني في العراق، بات هاجسًا للجميع، وليس فقط للسنة الذين يُعتبرون المظلوم الأكبر هناك، بل بات هاجسا حتى للشيعة، فهم منذ وقت يعبرون خلال احتجاجاتهم عن ضيقهم ذرعًا به، ولقد كتبت قبل كيف وصل النفوذ الإيراني في العراق إلى مرحلة أكثر إزعاجًا من الاحتلال الأمريكي ذاته.
إن احتجاجات الشباب الشيعي في العراق، واستخدامه شعارات الربيع العربي، من قبيل "الشعب يريد الوطن" وغيرها، أظهرت أنه يريد الاستقلال من النفوذ الإيراني، بنفس الدرجة التي يريد فيها استقلالًا من احتلال أمريكا للعراق، وذلك لأن العراق لم يربح شيئًا من ذلك النفوذ الإيراني الجاثم على صدره، بل على العكس كان مكلِّفًا للغاية، حتى جعل العراق أكثر فقرًا، وأكثر اعتمادًا على دول الخارج لا سيما إيران.
فعلى صعيد قمع الاحتجاجات في العراق، هناك من يتحدث عن دور الميليشيات التي يتزعمها قاسم سليماني لقمع التظاهرات، فضلًا عما تقوم به القوات العراقية الحكومية. إن مقتل قرابة الـ ٨٠٠ شخص منذ بادية الاحتجاجات، غالبيتهم من الشيعة، قد زاد من حجم الغضب تجاه كل من إيران والولايات المتحدة على حد سواء.
إن استهداف الولايات المتحدة للحشد الشعبي، واستهداف الحشد السفارة الأمريكية، يخرج الوضع من كونه احتجاجات شعبية غاضبة من الطرفين، إلى صراع متبادل بين الولايات المتحدة وإيران، وليس من العدل أن نقول إن ذلك مجرد صورة فحسب، فمنذ زمن طويل كانت هناك أبعاد بالنسبة إلى الولايات المتحدة على الساحة العراقية، تعوّل على ما تقوم به إيران لنفسها، وصولًا لانعدام تحقق الوحدة العراقية، وجعلها أمرًا غير قابل للتحقق أو الاستمرار. كانت استراتيجية أمريكا تدور حول فتح الطريق أمام الشيعة ضد السنة، لكن الواضح حتى الآن هو أنّ التأثير القومي الإيراني قد دفعها بعيدًا عن القدرة على إعادة تجميع الشيعة.
الانهيار:
علينا أيضا ألا نتجاهل، أن ترمب كان له دور مهمًّ للغاية في دفع علاقات الولايات المتحدة مع إيران إلى احد الانهيار، فترمب ذلك الرجل المعروف بكسر العرف والعادات، قد رفع المستوى لدرجة غير المتوقع نحو السياسة الإيرانية المعتادة في العراق، فهو يسعى لقطع يدها ورجلها ليس في العراق فحسب، بل في عموم الشرق الأوسط، ومما لا شك فيه فإن هذا السعي ستكون له تبعات ستفرض تغيّرًا جديدًا وجذريًّا في نمط العلاقات القائمة حتى الآن بشكل كامل، ولذلك اعترض بعض المسؤولين الأمريكيين على قرار قتل قاسم سليماني، كما أن المخاطر التي حذّر منها بعض أعضاء الكونغرس قد جسدت في الحقيقة ما لم يُتحدَّث أو يُصرّح به حول السياسة الأمريكية والإيرانية في العراق، وكشفت الستار عن طبيعة النتائج التي يستفيد منها البلدان، أمريكا وإيران.
المسؤولون الأمريكيون الذين اعترضوا على مقتل سليماني في العراق، بدؤوا في الحديث الآن عن كيفية تحقيق الأمان للجنود الأمريكيين في العراق، وهذا بدوره حتى الآن يكشف مستوى الأمان الذي كان يتمتع به الأمريكيون، وبفضل من كان يتحقق هذا المستوى.
في هذا السياق أيضا يبدو أن من الضروري أن نتذكر، بأنّ الولايات المتحدة لم تقتل سليماني، بسبب المجازر التي ارتكبها في العراق، أو بسبب الجرائم الطائفية أو السياسة التي تسبب فيها باسم بلده، بل إن السبب الحقيقي أن سليماني وإيران تجرآ  على مهاجمة السفارة الأمريكية، وإفزاع بعض الجنود داخلها، ومنذ هذا الحين على الجميع أن لا ينتظر من أمريكا خطوات جديدة تصب في مصلحة العراقيين أو تكترث لصالحهم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق