الجمعة، 10 أبريل 2020

يا قبلة الشهداء ..


يا قبلة الشهداء ..
 محمود السيد الدغيم

صوفيّةٌ أشلاؤها بغداد
فدمٌ يسيل و أنفسٌ أوراد
واعدت قلبي جانباً من مائها
عندي أنا لا يخلف الميعاد
وأتيت بالشّعر المقفّى من دمي
والحب خلف قصائدي ينقاد
يا أجمل الكلمات حين أقولها
يرتاح من ألم الرحيل فؤاد
ويشدّني سعف النّخيل فترتوي
عيناي منه ويستقيم وداد
شرفٌ لها أن تستعير حروفها
منك القصائد أو يكون مداد
ماذا بقي للشعر دونك أنت في
صفحات أهل الضاد أنت الضاد
أسندت إنشائي إليك فطاب في
شرع الهوى الإنشاء والإسناد
وأتيت بي أجتاز موحلة النّوى
فصلي عليل القلب يا بغداد
بغداد أنت المنتهى والمبتدا
والملتقى والبعث والميلاد
وخميلة المنصور شيدت فانجلت
عنها النّقاب فبورك الإيشاد
يا أيكة الخلفاء مدّوا عزّهم
فوق الوجود فسوّدوك وسادوا
مرّ المغول بخيلهم ورجالهم
فبقيت وحدك للزّمان وبادوا
واليوم يا بغداد عاد أميرهم
ووراءه اللّقطاء ممّن هادوا
ساقوا إليك حديدهم وحصارهم
وتفيّأت بنخيلك الأوغاد
ياويحهم جاؤوا يصبون الأذى
صباً وتهمي منهم الأحقاد
أوما دروا أنّا نهزّ سيوفنا
فالنّاس تحت سيوفنا أجناد
لو يرجع التّاريخ يقرؤنا على
أبواب مكة والهوى وقّاد
يوم انطلقنا للحياة فريحها
عبقٌ وغصن جمالها ميّاد
ومشت خيول الفتح في طرق العلا
لتقرّ بالفتح المبين بلاد
ماردّنا كسرى ولا إيوانه
وتمزّقت بحرابنا الأصفاد
أرخى لحاضره العنان أسامة
ومضى يهزّ حسامه المقداد
وهناك في الحمراء صلّى صبحه
موسى فصلّت أبحرٌ ومهاد
وزروع مكة طاب فينا طلعها
وعلى حدود الصّين طاب حصاد
غطّيت وجهي أخجلتني أمتي
فحنت عليه ونوّرته سعاد
يصطادني منك الهوى سحراً ومن
بحر الهوى ليلاً أنا أصطاد
أوردت كوثرك الفرات جوارحي
ويطيب فيك الورد والإيراد
يا خجلتي حين الرشيد يعود من
سفرٍ ويسأل أينها بغداد؟
مرّت غيومٌ في السماء وأمطرت
لكن جباة خراجها ما عادوا
لا تسألي عنّا فماضينا انقضى
وبياضه حلكٌ بنا وسواد
مليار صفرٍ نحن يابغدادنا
ياويلتي كم تكذب الأعداد
زبدٌ على زبدٍ على زبدٍ على
زبدٍ وأنت المدّ والأمداد
في أم قصرٍ ألف ألف قصيدةٍ
فجراحها الشّعراء و النّقّاد
أبلى هناك الرمل ما وسع العلا
فحديدهم تحت النعال رماد
ما ضنّ بالأرواح أهلوها فمن
لهب الكرامة عدّةٌ وعتاد
تلك الكرامة وهي أغلى منيةٍ
بذلت لها الأرواح والأجساد
وسعى إليها الذاهبون فخلّدوا
وشدا بمغناها العبيد فسادوا
ما كان عنترةٌ ليحمل سيفه
لو لم يعده بعتقه شداد
ياربّ هل لي أن أراها لحظةً
فالشّوق بين جوانحي يزداد
وأعوذ باسمك أن تعيذ قصائدي
منها ففيها يجمل الإنشاد
يا قبلة الشّهداء طيبي خاطرا
فإلى ترابك حجّت الأمجاد
يا منتهى كل الجهات فكم وكم
ضربت إلى أفيائك الأكباد
ولكم سقى الأقطاب ماؤك فارتووا
وتوضّأت في دجلة الأوتاد
ولكم مشى فيك الجنيد مسبّحاً
فتمايلت من شدوه الأعواد
منك انبرى للمشرقين قتيبةٌ
تعدو جيادٌ خلفه وجياد
وهنا أبو الحسنين مدّ خيولـه
فتباركت حقبٌ به ووهاد
صلّى على حبّات رملك خالدٌ
ومضى يكبّر في الجموع زياد
قرّي أو ابكي ليس يحزنني فمن
دمعات عينك تبدأ الأعياد
بغداد أنت الصيحة العصماء والـ
ريح الجموح وهم ثمود وعاد
ولئن قضى الأجداد فيك ففي غدٍ
ستقوم في أكفانها الأحفاد
بالأمس كان ومايزال شعارنا
نصرٌ يفرّحنا أو استشهاد
بغداد إني في الصّبابة واحد
ولأجل عينك كلّنا آحاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق