صعود قوة كبرى في "مهد الإنسانية" و"الجغرافيا المركزية"
إبراهيم قراغول
يشهد "مهد الإنسانية" و"الجغرافيا المركزية" صعود قوة كبرى. فنحن أمام "معجزة تركيا" التي تتحقق في مساحة شاسعة تمتد من أواسط وشمال أفريقيا إلى البلقان ومن حوض المتوسط إلى القوقاز ومن الخليج العربي إلى البحر الأسود. فالتاريخ يعود لما كان عليه، وصوت المنطقة يزداد قوة.
إن هذه القوة تزيد من ثقلها وتأثيرها الإقليمي والدولي في كل المجالات بمرور الأيام. إنها تضرب بكل النظريات عرض الحائط وتقلب كل الحسابات القائمة رأسا على عقب وتجبر كل الدول على إعادة حساباتها للقرن الحادي والعشرين.
أرادوا معارك القيامة فعجزوا عن إيقاف تركيا
هناك من رسموا مخططاتهم لمعارك القيامة من خلال منطقتنا، فاتجهوا للحملات الاستعمارية والمجازر الوحشية بغية الاستعداد لهذه المعارك، كما وجهوا لنا الضربات من خلال الإرهاب و"الجبهات" التي أقاموها في الداخل لعشرات السنين لمنع الأناضول من أن يكون قوة مركزية، لكنهم عجزوا عن وقف صعود هذه القوة.
إن هذه الدولة، أقصد تركيا، استطاعت أن تتحرك بالتوافق مع ديناميكيات التاريخ والجغرافيا، كما نجحت في حساب تغير موازين القوى بشكل دقيق، ولهذا فإن نجمها بدأ يسطع وسط نظرات دول العالم المندهشة مما يحدث. فتركيا اليوم تحولت إلى دولة "لا يمكن إيقاف تقدمها" في كل شبر من أرض المنطقة وكل مجال من مجالات القوة المعروفة.
هاجموا من الداخل والخارج
لكن التردد لم ينل ممن ساروا في صمت وصبر وثبات
لقد كنا نتابع منذ 20 عاما صحوة الوعي واكتشاف الجينات وانتعاش الذاكرة واستعادة القوة وتناقل الدعوة للصعود من جديد من قلب إلى قلب آخر في صمت وإيصال فكرة عميقة إلى كل شبر من أرض المنطقة.
كنا نعلم أن هذا كفاح عظيم وتصفية حسابات شرسة. لكن الآن العالم صار يعلم ذلك ويراه وسيرى كذلك المزيد.
لم ينقل التردد أبدا ممن ساروا في صمت وصبر وثبات رغم وقائع الخيانة من الداخل والهجمات من الخارج ومحاولات الاحتقار والاستهزاء والتركيع. ربما حزنوا حزنا شديدا، لكنهم لم يلقوا بالا لأولئك المتشككين. لقد رسموا ملامح هذا الطريق الطويل وصمدوا أمام العالم ولم يتراجعوا أبدا عن السير في هذا الطريق.
تركيا التي أردوا تدميرها اليوم تمد لهم يد المساعدة
هكذا يتغير العالم
لطالما كشفت تركيا عن قوتها من ناحية الآفاق السياسية والتضامن الوطني والحسابات الجيوسياسية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتدعيهما وكذلك من الناحية الاقتصادية والدفاع الوطني والتكنولوجيا، كما برهنت خلال أيام الوباء التي نعيشها أنها من بين الأفضل في العالم في مجال الصحة.
لقد أدت جائحة كورونا إلى حدوث انقسامات خطيرة في الداخل الأمريكي. فالأمريكان صاروا عاجزين عن مواجهة الفيروس، كما انهارت دول أوروبا الواحدة تلو الأخرى، ليرى الجميع أن أنظمتهم الصحية مبنية على لا شيء.
"حتى لو وقع نيزك على الأرض لن يوقف تركيا"
لأن تركيا هي الأفضل!
لقد برهنت تركيا على أنها أفضل من دول أوروبا في مجال البنية التحتية لقطاع الصحة بعدما خاضت أنجح كفاح ضد فيروس كورونا. بل إنها قدمت مساعدات طبية لعشرات الدول وهرعت لمد يد العون لدول أوروبا المركزية.
وبينما يعاني العديد من بلدان العالم بسبب الفيروس، افتتحت تركيا أمس المدينة الطبية في باشاك شهير إحدى أكبر المستشفيات في أوروبا، لتري العالم كله نجاحها الوطني في مجال الطرق العلاجية من حيث توفير أجهزة التنفس الصناعي وتجهيز وحدات العناية المركزة.
تعتبر تركيا هي "الأفضل في العالم" في مكافحة كورونا، ولا ينبغي لأحد أن يخجل من التصريح بهذا الأمر. وصحيح أن وزيرا يونانيا قال في تصريح "لو وقع نيزك على الأرض فلن يوقف تركيا عن فعل ما تريد في البحر المتوسط"، وكذلك الأخبار التي نشرتها صحف بريطانية وقالت فيها "منظومتنا الصحية ستنهار لو لم تأتنا مساعدات من تركيا".
استعدوا للسرعة الفائقة
إنها عقلية سلجوقية وعثمانية
إننا نتابع منذ 30 عاما تطور كيان جديد للنظام الدولي، فنرى تبدل موازين القوى وضعف بعض الأمم وصعود البعض الآخر وانفراط عقد كيانات إقليمية وفوق قومية وقيام مراكز قوى جديدة.
ولعل هذه الجائحة التي اجتاحت العالم أسرعت من وتيرة هذا الأمر لدرجة أننا يمكن أن نرى خلال عامين فقط التغيرات التي كنا سنراها خلال 30 عاما. فاستعدوا لسرعة فائقة.
إن تركيا هي أكثر الدول استعدادا لهذا التطور حاليا؛ إذ إنها تستعد لهذا التحول الكبير منذ سنوات. فكل شيء تراه هذه العقلية المدهشة يتحقق. إنها عقلية سلجوقية وعثمانية، عقلية راسخة منذ زمن بعيد في هذه الأرض القديمة. وتعتبر الجمهورية وريثة هذه العقلية، وهي العقلية التي ستنقلنا إلى المرحلة التالية والقوة الأكبر وستعيدنا إلى مركز القوة المركزية. إنها العقلية التي تحمل وستحمل تركيا من الصحة إلى الدفاع ومن الأمن الداخلي إلى خريطة المنطقة الجديدة ومن البحر المتوسط إلى أعماق الشرق الأوسط. كما أنها العقلية التي تدير تركيا وتوجهها وتشكل أمامها جبهة كبرى وتجعل القرن الحادي والعشرين قرن صعود تركيا.
سنكون حيث يتواجد أي فرد من أفراد "العائلة الكبيرة"
لم تكن الدولة العثمانية دولة إمبريالية، بل كانت قوة لمت شمل العائلة الكبيرة في قارات ثلاث. وخلال الحرب العالمية الأولى مزقت هذه العائلة أسر أفرادها وصاروا عبيدا.
لقد تفرقت العائلة الكبيرة، لكن الأسوأ من ذلك أن آمالهم دمرت. لقد حافظت الجمهورية على الجينات وتلك الذاكرة في الأناضول. واليوم بدأت هذه الذاكرة والجينات التحرك ليؤسس عليها قوة كبرى.
سنكون في كل شبر من البحر المتوسط والمنطقة وفي كل مكان يعيش به أفراد تلك العائلة.
لا يكتب التاريخ بالعبودية
سنرى دمار كل دولة وتحالف وحركة سياسية وزعيم يحاول اللحاق بركب المستقبل عن طريق الاحتماء بالمستعمرين القدامى. كما سنشهد أسطورة من يبحثون عن المستقبل بتحريك ديناميكيات التاريخ والجغرافيا وسنرى كيف سيغيرون التاريخ ويؤسسون قوتهم الخاصة.
لا تهتموا بأن تخدم أنظمة دول كالسعودية والإمارات ومصر أسيادهم المستعمرين، لأن الجميع سيرى قريبا جدا أنه حتى هذه الدول لن تستطيع إيقاف تركيا، فالتاريخ لا يكتب بالعبودية.
لقد أقاموا أشرس الجبهات الداخلية وحرضوا أقرب المقربين منا ليخونوا. كما أقاموا في الخارج جبهات كبرى بعد أن مزقوا أراضي الدولة العثمانية واستعبدوا شعوب المنطقة، فلم تنته هجماتهم الداخلية والخارجية.
لقد أصبح مخطط "إيقاف تركيا" مخططا ذا أولوية دولية. لكن قوة تركيا كانت تزيد كلما وجهوا لها مزيدا من اللكمات. ومن فعلوا ذلك اليوم يطلبون دعم تركيا.
ذاكرة المنطقة وقلب المدن
أردوغان قدر هذه المنطقة ومن يلم شمل "العائلة الكبيرة"
ثمة ذاكرة للمنطقة وقلب للمدن وقدر للدول والشعوب. وإن الرئيس أردوغان هو قدر تركيا والمنطقة، فهو الرجل الذي يغير التاريخ ويلم شمل العائلة الكبيرة.
إننا نشهد معجزة وصعود قوة كبرى في "مهد الإنسانية" و"الجغرافيا المركزية". فاللذين وقفوا إلى جانب تركيا سيفتحون أبواب المستقبل. وأما الذين وقفوا ضدها فسيفوتون هذه الفرصة التاريخية.
إن الذين نظروا لهذه الحقيقة بتكبر واستقلوا من شأنها وسخروا منها، سواء أكانت دولا أم أفرادا، سيتلاشون وسينساهم الجميع. ولا يمكن لمن عجزوا عن فهم العشرين عاما الماضية أن يفهموا المستقبل.
إن كل من يشارك في هذه المسيرة، من قائدها إلى داعميها، وكل من يتحمل مسؤولية ثقيلة على عاتقه هو إنسان مبارك.
وها نحن قد بدأنا للتو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق