ليلة غزو العراق.. بداية سقوط الأمة..!
محمد علي صابوني
بتقارير ملفقة ، وتهم مجحفة ، وحجج واهية ، وعدم إجماع دولي ، قررت الولايات المتحدة الأمريكية في شهر آذار من عام 2003 غزو وتدمير دولة عربية وبتواطؤ ومساعدة العديد من الأنظمة العربية والإقليمية الوظيفية العميلة .. نعم هكذا وبكل بساطة تم الاتفاق على تدمير العراق ، فقد كان يشكل العائق الوحيد والسدّ المنيع أمام تنفيذ مخططهم الخبيث الذي يبدأ بالتغلغل الإيراني في المنطقة تمهيداً لتنفيذ خارطتهم التي أعلنت عنها “رايس” من “تل أبيب” بعد عامين من احتلال العراق وأكد عليها “جو بايدن” عضو مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 2006 ،و أيضاً تحدث عنها بإسهاب الكولونيل في الأكاديمية الحربية الوطنية الأمريكية “رالف بيترز” في مقالته التي نشرت تحت عنوان : “حدود الدم” والتي اعتبر فيها أن الحدود الحالية لدول المنطقة هي غير منطقية وأن السبب الرئيس لمعظم النزاعات التي جرت وتجري في “منطقة الشرق الأوسط” هي تلك الحدود الجغرافية الاعتباطية الحالية التي وضعها، حسب تعبيره “الأوروبيون الانتهازيون”.!!
وأذكر في هذا السياق وفي صيف ذات العام 2003 الذي تم فيه غزو العراق أنني كنت في زيارة لصديق لي في مدينة “البوكمال” القريبة من الحدود العراقية والتابعة لمحافظة “دير الزور” وكانت فاجعة الغزو الأمريكي للعراق حديثة العهد .. وأذكر أن ذاك الحدث الجلل كان هو الحديث الذي يطغى على معظم المجالس في سورية .. وبينما كان مضيفنا يشرح لنا مشاهداته قبل يومين للطيران والمدرعات الأمريكية خلال زيارته لمعبر الحصيبة الحدودي مع العراق والتابع لقضاء القائم في محافظة الأنبار … ما كان مني إلا أن قاطعته وطلبت منه أن يأخذنا إلى ذات المعبر إن أمكن .. فاستجاب الرجل لطلبي وقال حدد الوقت الذي يناسبك وأنا جاهز .
قلت له : هل يمكننا أن نذهب الآن
قال : كما تريد لطالما هذه رغبتك
انطلقنا بسيارته باتجاه معبر حصيبة الحدودي والذي لم يكن يبعد أكثر من كيلومترات قليلة عن منزل صاحبي ، وبمجرد اقترابنا من المعبر لاحظت طائرات “الأباتشي” الأمريكية وهي تتناوب في تمشيط الحدود وضفتي نهر الفرات ، وكانت المرة الأولى التي أرى فيها تلك الطائرات الأمريكية بالعين المجردة .. سألت صاحبي عن سبب استنفارهم وتمشيطهم للمنطقة بهذا الشكل المكثف فقال هذا شأنهم منذ أكثر من شهر .. هم يبحثون عن المقاتلين العراقيين والعرب المقاومين الذين أذاقوهم الويلات بالرغم من قلة عددهم وعتادهم نسبياً ….. ترجلنا من السيارة وتوجهنا إلى البوابة لأتفاجأ بوجود 3 دبابات أمريكية جاثمة على طرفي الطريق في الجانب العراقي .. فقلت لمضيفي هل يمكننا التقدم أكثر .. فقال لا بأس ولكن دعني أسأل “جماعتنا” فهم يعرفوني جيداً .. وكان يقصد موظفي الجمارك السوريين والضابط المسؤول فقد كان يعرفه معرفة جيدة وقد علمت من صاحبي بأنه وقبل الغزو الأمريكي كان يعبر بشكل أسبوعي إلى قضاء القائم لزيارة أقربائه هناك .. وبالفعل اقتربنا من ذلك الضابط وبعد أن تصافحا وسأله عن إمكانية اقترابنا أكثر .. قال له : لا بأس بشرط عدم التصوير وأن لا تتجاوزا ذلك الحاجز وقد أومأ لصاحبي إلى مجموعة من البراميل كانت مرصوفة وتبعد عنا حوالي 20 متراً .. اقتربنا إلى أن وصلنا إلى تلك البراميل وإذ بمجموعة من 3 جنود أمريكيين يسيرون باتجاهنا وقد كانوا يرتدون زي المارينز الصحراوي وشارة العلم الأمريكي على أذرعهم ويخفون عيونهم بنظارات شمسية سوداء قاتمة فانبرى أحدهم وقد كان أسمر البشرة فقال لنا بلغة عربية وبلهجة خليجية واضحة “وبالحرف” : وين تبون يُبا ؟؟ ممنوع من نِي !!!
فبادرت إلى سؤاله وأنا مندهش : انت عربي ؟؟!!
لم يجبني وكرر عبارته وهو يصرخ : ممنوع .. إرجعوا .. ارجعوا .. مشيراً بيده إلى مبنى الجمارك السورية والذي أضحى خلفنا .. أمسك صاحبي بيدي وشدّ عليها .. ثم سحبني قائلاً دعنا نعود .. وبالفعل رجعنا إلى سيارته وجلسنا في داخلها ونحن ننظر إلى تلك الوجوه الغريبة التي دنست الأرض وما حلّ بالعراق .. لم أقدر حينها أن أحبس دموعي وحزني ولوعتي على ما حلّ بالعراق .. التفت إلي صاحبي وهو متكئ على مقود سيارته قائلاً : لو كنت أعلم بأنك ستتأثر إلى هذه الدرجة لما أحضرتك إلى هنا .. فأجبته : لن ينتهِ الأمر هنا يا صديقي .. فإن سقوط العراق يعني زوال البوابة الشرقية التي كانت تقف سداً شامخا منيعاً بوجه ((يأجوج ومأجوج)) ومنعهم من الانتشار والإفساد في الأرض .. إنها بداية السقوط الكبير يا صاحبي .
عدنا إلى “البوكمال” ودخلنا الشارع الذي يقع فيه منزل مضيفي لنتفاجأ بوجود “صيوان عزاء” قد نُصب في ذات الشارع وحين وصلنا علمنا بأن ابن عم مضيفي استشهد في العراق وهو يقاوم الاحتلال مع أخوته هناك وقد وصلهم الخبر خلال وجودنا في معبر حصيبة .. دخلنا إلى الخيمة وقدمنا واجب العزاء ثم طلبت من مضيفي أن يوصلني إلى كراج الحافلات كي أعود إلى مدينتي ومنزلي .. فقد كانت رحلةً قاسيةً و مرهقةً ومحبطةً ومتعبة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق