الجمعة، 24 أبريل 2020

تسألني بنيتي

تسألني بنيتي

قصيدة للدكتور عبد الله الحامد

تسألني بنيتي: من أين جئت يا أبي
أكنت في مؤتمر في مشرق أو مغرب
إذ جاء رهط مسرع مثل الجراد الأصهب
فقال: أقبل معنا إلى كهوف الكرب
وافتح لكل كالح يقفز مثل الجندب
مفتش منقب إلى الأذى منتدب
فانتشروا في منزلي كالنار وسط الحطب
ونقبوا في غرف وصالة ومكتب
عن فتنة مخبوءة وعن سلاح مختبي
فغرفة المنام لم تسلم من المنقب
ملابس النساء لم تنج ولا درج الصبي
فآلة التصوير قد حطت بظهر البكب
و(الفكس) لف شاكيا من أسره في المركب
قد زعموه –ويحه- مراسلا للأجنبي
وصادروا قصائدا تهز نوم العرب
وصادروا صحائفا مشرقة كالشهب
من كل فكر مصلح مؤجج مهذب
كأنها مخدر في علب مجتلب
كأنها زندقة تفسد أهل المذهب
كم مسجد ومرقد ومطعم ومشرب
في غرفة منحوتة في جبل من رهب
كأنما الأمتار في صحرائنا من ذهب
كأنما الإنسان في صحرائنا من تبب
أو أنه دواجن في قفص من قصب
زنزانة ضيقة كجحر ضب خرب
مفردة كأنها مربض وحش أجرب
ذات جدار أملس ممرد منسكب
لو صعد النمل به لارتد واهي العقب
نهارها كليلها داج كوجه العقرب
فالشمس غابت مثلما غاب ضياء الكوكب
معفن هواؤها كمربط للأكلب
فلا تهب نسمة من الهواء الطيب
ولا ترى عين بها نور الفضاء الأرحب
في السقف عين شاشة دائمة الرقب
تدك كل خفقة بمسمع مثقب
ترسم كل لحظة بفلمها المستوعب
تحصي بها أنفاسه فليس بالمسيب
حتى السجين ما نجا من شاشة التعقب
مراقب مراقب حتى ببيت الأدب
من عرف الله يجد كم راحة في التعب
أحواله خفية عن غافل ذي غبب
السجن كهب فكرة وخلوة بالمجتبي
إن غل الناس بما ينالهم من رهب
فشغله بطاعة عن هاجس مجتلب
ووقته تأمل في عالم مضطرب
وفكره رياضة تجول في رحب
في الحبس كم من لذة -رغم الأذى- ومأرب
ويصبح الإنسان في كهف بدون لقب
يدعى برقم تافه ينسى كريم النسب
يحتج أهلي ما دروا عن كهفي المسردب
والسجن من غير خنا شهادة المطلب
من خاف ربا لم يخف عبيده وإن سبي
والخوف محض فكرة في خاطر مسترعب
بحزنه ويأسه وشكه مقلب
فانتزعوا إقراره بالسوط أو بالمخلب
حتى تصح تهم قد لفقت في الغيهب
حتى يقر أنه د هد دار الحسب
وأنه مخرب قد شق سد مأرب
وأنه مشاغب بل رأس أهل الشغب
وأنه البسوس إذ نهيج حرب تغلب
وأنه مبتدع ينشر شر مذهب
حتى يتوب هاجرا كل جهاد موجب
وكل نقد كاشف كل سراب خلب
ويرفق اعترافه ندامة المستعتب
كأنما جهاده تثليث أخل الصلب
كأنما اجتهاده في الله مسح النصب
وهو يناجي نفسه تجلدي واعتصبي
يا نفس تلك محنة فاصطبري واحتسب
لا تجزعي صكوكهم مثل هباء هبهب
قاضي القضاة ناقض غدا غدا فارتقب
إن قهروا إرادة تحت جحيم الكرب
فمطمئن قلبه على الهدى لم يذنب
صكوكهم شاحبة رغم المداد الصيب
والشعب صار مدركا لكذبها المرجب
يا ضيعة الدين ويا ضيعة أهل الحسب
قد أصبحت آلامهم رزقا لذيذ الحلب
لباحث محقق بسوطه المعقرب
ومخبر مستتر خلف الخطا مستعقب
في شارع ومسجد ومنزل ومكتب
أذاك أمن رحمة أم ذاك أمن مقصب
أمن لمن؟! والخوف في دمائنا والعصب
تاريخ سجل إنه أمن ولكن أجب
مباحث مباحث كمثل جيش لجب
حماة أمننا ألا عقل ودين يجتبي
سجلتموا فتشتموا حققتموا بالمضرب
فهل رأيتم غير ما يرفع هام الطيب
وطاعة الولاةفي ال معروف لا في التبب
لما رأتني هللت يا ألف ألف مرحب
رفعت رأسي يا بني في نوادي العرب
ليس بحمل ذهب ولا بنيل منصب
لكن بحمل واجب يثقل ألف منكب
ووالد مصطبر بكظم حزنه الأبي
يقول: ابني راشد يعرف كل الدرب
فإن مضى في محنة فهو مجاهد سبي
خير الجهاد كلمة بالحق رغم الرهب
ما العار سجن مظلم العار صمت النخب
قد شهرت بتاصح ومصلح مهذب
وجاهرت بذمهم وسكتت عن ريب
وجعلت أعراضهم منتوفة كالزغب
وتركت أجسادهم مرمى لضرب القضب
وسكتت عن ناشر كل فساد أجنبي
يا شيخة جليلة حازت رفيع الرتب
لا تقمعوا إخوانكم أبناءكم في المشرب
لا تجذموا أكفكم عضودكم في المطلب
إن أكلوا أكلتموا كمثل زاهي الرطب
والناس فيكم حيرة على جميع الشعب
فبعض قال: داهنوا ومن يداهن يسلب
وبعض قال: فتنوا بشهرة ومنصب
وبعض قال: ضعفوا والضعف شر مركب
وبعض قال: خدعوا بظاهر مقولب
ونحن قلنا استحلوا ركوب بحر قلب
يا من أراد قمعنا موتا لرأي مجلب
وهبته توهجا فصار نجم القطبد
وهبته بقمعه جناح طير أغلب
كان كلاما سابا وكان بعض الخطب
فصار حيا شاخصا بالجسد المعذب
فما البخور دون نار غير بعض الخشب
حذار من واش بنا في مكسب ومنصب
مداعب سبحنه حول الشواء محتبي
جيوبه مملوءة بفضة وذهب
يغمس في أعراضنا في الزبد زاهي الرطب
فما لكم في فتية تنصح دون مأرب
والنصح حق أمة في زمن التهيب
والنصح حق حاكم لطاعة مستوجب
والرأي إن يظهر يبن عن ثاقب وخائب
فإن يصب فصيب يخصب كل كجدب
وإن يطش فحاوروا بالمقنع المصوب
ورب رأي مخطئ يفضي لرأي منجب
يا من يروم شاعرا كبهلوان ملعب
مهرج في مسرح مستطرف مستطرب
مخدر ضميره أو باعه بذهب
إذا رأى وليمة أقبل مثل أشعب
وإن رأى كريهة فر بساقي ثعلب
قد رمت شعرا فاترا وإن شعري عصبي
شعري ليس خادما يمتص ماء الجورب
شعري ليس سلما لمنصب أو ذهب
شعري حر خادم لأمتي ومذهبي
نذرته مجاهدا بالكلم المهذب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق