أحجار “الدومينو”
محمد علي صابوني
حين نصف أنظمة المنطقة بالوظيفية يظن البعض بأننا نقلل من حقيقة شأنها أو أننا ننعتها بتلك الصفة لمجرد الشتيمة، والأمر ليس بتلك البساطة وتلك السطحية فنحن نعي وندرك ما نقوله تماماً.
وإذا عدنا إلى بداية تشكيل تلك الأنظمة العربية عموماً والخليجية بشكل خاص نرى بأنها قد تأسست في ظل احتلال بريطانيا وفرنسا لمعظم المنطقة، فبعد أن اجتاحت حملاتهم منطقتنا العربية وأسقطت الخلافة العثمانية بمشاركة ومباركة “أدواتهم المحلية” تم تأسيس تلك الأنظمة، ويعلم كل ذي بصيرة بأن تلك الدول لم تُأسَّس بناء على إرادة الشعوب إنما تم استزراعها من قبل الغرب حيث انبرى وزير المستعمرات “تشرشل” حينها بعقد مؤتمرات متتالية ابتداءً من العام ١٩٢٠ ليقوم برسم الحدود وصياغة البنود وليستكمل ما تم الاتفاق عليه عام ١٩١٦ بين “مارك سايكس” و “فرانسوا بيكو” والتي عرفت فيما بعد باتفاقية (سايكس بيكو) وعمل على تعيين عملائهم ليتسلموا مهامهم الوظيفية التي حُدّدت لهم في الحفاظ على النهج الذي تم رسمه لتلك الدول الوظيفية المصطنعة .
وحتى بعد “استقلال” دول المنطقة عن الانتدابات والاحتلالات لم يمثل ذلك “الاستقلال” آنذاك سوى خروج عن الاحتلال العسكري المباشر، أي أن ما تلا مرحلة “الاستقلال” هذه لم يعبّر مطلقاً عن استقلال سيادي بالمعنى الكلي، فالعنوان الرئيس المفترض للاستقلال السيادي هو الاستقلال السياسي بكل أبعاده، وليس استبدال احتلال عسكري مباشر باحتلالات سياسية وفكرية واقتصادية غير مباشرة.
وأيضاً ما حصل فيما بعد من انقلابات عسكرية في بعض تلك “الكانتونات” وقد سمي بعضها ب “ثورات”! لم تخرج عن نطاق تلك الوظائف المحددة. إنما هي استكمال للمخطط بظروف ومستجدات فرضت نفسها في مرحلة من المراحل لا أكثر، فكان لابد من تغييرات شكلية متفق عليها لتمتص حنق الشعب، وتحافظ بذات الوقت على النهج الذي رُسم لأنظمة تلك الدول.
وقد لاحظنا مع بدء ثورات “الربيع العربي” تهافتاً واضحاً لتلك الدول الفاعلة بتدارك المشهد وفقا لسياسة الاحتواء المزدوج فكلما سقط نظام من تلك الأنظمة أبرزوا نظاماً آخر ليؤدي ويستكمل نفس الدور الوظيفي لسابقه.
وما التهافت والتكالب الدولي الذي وقف بوجه الثورة السورية سوى دليل دامغ لاعتراض تلك “الدول الصانعة” على التغيير الجذري المحتمل في طبيعة إحدى هذه النظم (مسبقة الصنع) والذي إن حصل يكون قد أسس لانهيار الحجر الأول من أحجار “الدومينو” المتكامل الذي سوف يقلب بانهياره باقي الأحجار، وهذا ما لن يسمح به الغرب، ما استطاع لذلك سبيلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق