الجمعة، 10 أبريل 2020

وطن بطعم الشلولو

وطن بطعم الشلولو


 وائل قنديل
.. والشلولو، يا عزيزي، ليس مجرّد أكلة مهجورة في التراث الشعبي في أقصى صعيد مصر، حيث تلك الخلطة العجيبة من الثوم والبصل والليمون ومسحوق أوراق الملوخية، تم استدعاؤها في برامج التوك شوز المصرية علاجًا ضد فيروس كورونا.. بل هو قبل ذلك نمط أو طريقة لصنع القرار السياسي والإداري، تتمسّك به كل النظم المستبدّة على مر العصور، وهي تتعاطى مع شعوبها بوصفها مجموعة من الأطفال، لا يجب أن تترك لهم مساحاتٍ للتفكير والاختيار والإبداع.

منذ بدأت جائحة كورونا، والتهريج هو السلاح المعتمد للمواجهة في مصر، لكنه التهريج الملفوف في أغلفةٍ من الشعوذة الطبية والدجل الإداري، والذي يلقى رعايةً رسميةً فائقة، لم تتوقف يومًا منذ أطاحت مؤسسة حكم عبد الفتاح السيسي مستشارها العلمي، الخبير في وكالة ناسا لأبحاث الفضاء، عصام حجّي، لأنه تجرأ وتهور وطلب إخضاع اختراع جهاز الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، لعلاج الأمراض والفيروسات بطريقة الكفتة، لنقاش علمي رصين يتأسس على قواعد البحث العلمي وضوابطه، ولا يستجيب لأوامر "أسيادنا اللي فوق".
تم طرد عصام حجّي من جنّة الحكم العسكري، لأنه أبدى بعض الاستغراب من اختراعٍ قالت عنه هيئة براءة الاختراع في سويسرا "إن من كتب نص تقرير اختراع الجهاز ليس له الحد الأدنى من المعرفة بكتابة نص علمي".
المسألة باختصار أن على رأس السلطة في مصر مشعوذٌ لا يعترف بالبحث العلمي أو التفكيرالسياسي، أو الفقه الديني الصحيح، بل يستعيض عن ذلك كله بعدّة شغل الدجالين والمشعوذين النصّابين، فتارة هو "طبيب الفلاسفة" وتارة أخرى هو "يتلقى العلم اللدني" من الله مباشرة، وثالثة يشبه نفسه بنبي الله سليمان الذي منحه الخالق قدراتٍ إعجازيةً خارقة.

ذلك كله جعله في حالة خصومةٍ مطلقةٍ مع العلماء الحقيقيين والفقهاء الجادّين، وهي الخصومة التي تتخذ أشكالًا من التنكيل والإهانة والسخرية، والغطرسة الجهولة في النقاش، كما جرى مع ذلك النائب الأستاذ الجامعي في دمياط الذي طرح وجهة نظر علمية في مسألة الدعم وتأثيرات تعويم الجنيه على محدودي الدخل، فردّ الجنرال العلامة بغضب شرير"إنت مين .. إنت دارس الكلام اللي بتقوله"، ثم يطلب منه السكوت تمامًا.. أو كما عبر هو بلسانه عن احتقاره الاستعانة بدراسات الجدوى قبل تنفيذ المشاريع، أو كما تجلى في أول الأوهام وأكبرها، مشروع تفريعة قناة السويس الذي اتخذ أجواء هيستيرية سلطانية، مستدعاة من طقوس الحاكم بأمر الله.
هو العداء ذاته للعلم الحقيقي، جعله يناصب شيخ الأزهر العداء، محاولًا توسيع سلطاته المطلقة، لتشمل سلطة الفتوى والدعاء والتلاوة، مع منح مجموعةٍ من المهرجين ميزاتٍ اجتماعيةً وإعلامية، من نوعية ذلك المفتي المهرّج، الحالي، أو السابق، علي جمعة، المتفرغ حاليًا للعمل ممثل إعلانات تلفزيونية، لجمع التبرّعات من المطحونين لصالح مؤسسته النشيطة في مجال العمل الاجتماعي، بعيدًا عن أية رقابة.
هذا المناخ المعبأ بدخان الشعوذة والخرافة هو الذي يحكم حركة سلطة عبد الفتاح السيسي في مواجهة وباء كورونا، إذ يتصدّر العسكري ويتراجع الطبيب إلى الخلف، ومن ثم كل الكلام يدور حول محور وحيد، أن السيسي، بحزبه العسكري، يحارب دفاعًا عن البلاد ضد الوباء، كما يفعل في حربه ضد الإرهاب، التي بدأت، أو تم افتتاحها في أجواء صاخبة مع صعود السيسي إلى العرش، لتصبح المسوغ الرئيس والوحيد لاستمراره في الحكم.
هذا المعنى جدّد السيسي التأكيد عليه في الساعات الماضية، حين عاود الظهور في هيئة الحاكم العسكري، محاطًا بالضباط والجنود، فمن ناحيةٍ يكلم الشعب/ الطفل عن الغول الواقف على الأبواب، يريد افتراس الناس، مستغلًا أجواء وباء كورونا. ومن ناحية أخرى، يذكر الجماهير بأنه صاحب ومدير القوة العسكرية الباطشة، مظهرًا أنيابه ومخالبه في رسالة تخويفٍ جديدة، لمناسبة الأصوات التي تتحدّث عن الحريات وضرورة إخراج المسجونين من زنازين غير آدمية.
في الإجمال، لا يتغير مضمون رسالة السيسي: لا تفكروا في شيء واسمعوا كلامي فقط .. لا تتعاطوا العلم، وأكثروا من الشلولو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق