هل يُنقذ غاندي الهند من السقوط الأخير؟
"العظمة في هذه الحياة ليست في التعثّر، ولكن في القيام بعد كل مرّة نتعثّر فيها"
(المهاتما غاندي).
تفاقمت حملة استهداف المسلمين في الهند، بعد انتشار فيروس كورونا، ولعل تعبير العامل الفقير الذي يعمل في بيع الحليب، محمد حيدر، يُشير إلى هذا الانهيار في هدم فكرة الحد الأدنى من الإنسانية واعتماد التمييز الديني. يقول حيدر الذي رصدت معاناته صحيفة نيويورك تايمز: "الخوف يُحدق بنا من كل مكان، يحتاج الناس (المتطرّفون الهندوس) فقط إلى سبب صغير ليضربونا أو يقتلونا". وليس تعبير حيدر عن القتل هنا، وعن إحراق منازل المواطنين المسلمين الهنود، وصفاً تهويلياً، ولكنه حدثٌ يجتاح الشارع الهندي، وتستمر نقل صوره وأخباره وكالات أنباء عالمية. والمهم هنا هو البعد التشريعي كقانون تنفيذي، الذي يروّجه الحزب المتطرّف الحاكم في البلاد، ويطرح تأويله الخاص لأي قانونٍ يمنعه من تصفية المسلمين الهنود، بعد حملة الحزب الشرسة لسحب جنسيات الملايين من المسلمين، والتهيئة لطردهم.
ولعل من أهم التصريحات التي تؤكد أن حملة استهداف المسلمين الهنود تهيّئ لمشروع إبادة، يقوم على فكرة مناقضة كلياً، لمفاهيم المهاتما غاندي، ورحلته الثقافية والنضالية للهند الجديدة، تصريح سوامي، القيادي في حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف الحاكم في الهند، في لقاء تلفزيوني مصوّر مع قناة غربية: "إذا تجاوزت نسبة المسلمين أكثر من 30%، فالبلد في خطر. المسلمون ليسوا متساوين مع الآخرين، ولا يستحقون المساواة".
وليس هذا التصريح منفرداً عن تصريحات عديدة، وخصوصاً لرئيس الحكومة من الحزب ذاته، وأُفرزُ هنا ملفاً مهماً في إشكالية انحراف الخطاب للقوى والأديان التقليدية في الشرق، وصعود المصالح المشتركة الذي يجمع حكومة مودي مع العواصم الغربية التاريخية، بما فيها موسكو، في المشروع الإمبريالي، كذلك فإن سياسة الصين ضد مسلمي الأيغور لا تختلف عن هذا التقاطع، وإن استثمرت واشنطن هذا الملف الخاص بتركستان الشرقية في صراعها مع بكين. إلا أن العنوان الأبرز هو فكرة "الإبادة الإيجابية"، وهو مشروع فكري عملت عليه الكولونيالية الغربية، لتبرير زحف الاستعمار والإبادة المتوحشة خلال ثلاثمائة عام، باسم أنها ضرورة للحداثة المادية الجديدة التي تحتاج أن تُبيد شعوب الشرق (المتخلفة).
كان هذا المفهوم ذاته موجهاً أيضاً إلى الهندوس، كما إلى المسلمين، في آسيا الهندية. ولذلك
ولقد مثّل الإسلام نقطة اتصال وتقاطع، بين مفهومي الأديان التقليدية والرسالة السماوية للأنبياء، وهناك لبسٌ كبير في ضمّ الإسلام إلى الأديان التقليدية، كما أن هناك فارقاً معرفياً وحضارياً مدنياً وحقوقياً، للإسلام في مقابل النزعة الروحية التي تهيمن على التبشير المسيحي الذي وظفه المركز الغربي الذي تنتمي إليه كنائسه، وهذا بحث يطول. ولكن الإشارة هنا إلى أن الأديان التقليدية في الشرق، وخصوصاً الهندوسية، تتضمن جوهراً وطقوساً، الجوهر هو الروح وما بعد المادة، والطقوس هي الحالة الوثنية، وإدارة الآلهة المتعدّدة وصراعها في هذا الكون، فيما خلق مفهوم وحدانية الله، وانفصاله الأزلي عن خلقه، منظومة تفكير فلسفي وأخلاقي مختلف، في مقابل الأساطير واستنساخ الأرواح.
وما يهمنا أن المفهوم الإسلامي الذي ترتب عليه قبول واسع في عهود طويلة لمسلمي الهند، اجتذب روح هذه الأديان، وإنْ كان ذلك بالطبع لا يبرئ أي حوادث قمع مورست من متنفذين، أو ما ينسب باسم أن هذا السلطان أو ذاك دخل في الإسلام، فظلم غير المسلمين. ومن هنا، نعرف كيف بقيت هذه الأمم، في آسيا الهندية، متعايشة مئات السنين، وكيف فهمت جوهر
هنا صعدت مصالح الإبادة المادية بين التطرّف الغربي والهندوسي، وشعر الحزب الحاكم بأن الطريق مفتوحٌ أمامه، لإبادة المسلمين أو تهجيرهم، والحقيقة التي تبرز معالمها واضحةً في الأفق، أن ما يجري إسقاطٌ لفلسفة الهند القديمة التي بنى عليها غاندي قصة الاستقلال، وفتح طريقاً مختلفاً لحياة مدنية شرقية، تضع الروح الأخلاقية في قلب الدولة والمجتمع، وها هي تُحرق اليوم في معبد الرأسمالية التي تستنسخها باسم التطرّف الهندوسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق