شيخ الأزهر الجديد
وائل قنديلتخيل معي لو أن شيخ الأزهر الحالي، الدكتور أحمد الطيب، اختفى من المشهد، لأي سبب، وتخيل معي عبد الفتاح السيسي جالسًا يفكّر في البديل بسعادة المنتصر، ونشوة الذي استراح من صداعٍ مزمن يلازمه، منذ أصابته لوثة أنه صاحب كل السلطات، الدينية والسياسية؟
استمر في التخيل وحاول أن تجيب عن السؤال: من الأقرب إلى مشيخة أزهر السيسي، في حال خلو المنصب من الإمام الأكبر الحالي، أحمد الطيب أمد الله في عمره؟
أزعم أنك لن تبتعد كثيرًا بالمخيلة عن وزير الأوقاف الحالي، محمد مختار جمعة، الذي يخوض حربًا لا هوادة فيها مع المساجد، ويتعامل بعقلية المسؤول الأمني الصارم في لوثة مهرجان كورونا، ويحقّق حرفيًا كل تصورات السيسي الخرقاء عن الدين والمسجد والعبادات، بل يمعن في التجويد من عنده، ليصل إلى ما هو أبعد وأكثر وقاحة في مسألة تجديد الفكر الديني على الطريقة السيسية.
تخيل أن هذا الشخص الذي كان اسمه حاضرًا على لسان مذيع السيسي، أحمد موسى، ومحامي حسني مبارك، فريد الديب، في الحديث عن قضية فساد ضخمة في العام قبل أكثر من عامين، أطاحت وزراء متورّطين فيها، باستثناء وزير الأوقاف العجيب، تخيل أنه صار في موقع شيخ الأزهر، بكل ما يتسم به من ضحالة فكر وركاكة لغة وصفاقة تطبيل للنظام، من دون أن يمتلك الحد الأدنى من القدرة على قراءة نص قرآني بلا تلعثم وارتباك.
وأنت تعدّد الأسماء المحتملة للصعود إلى منصب الإمام الأكبر، لا يمكن استبعاد اسم علي جمعة، المفتي السابق، في زمن مبارك، ثم فترة المجلس العسكري بعد ثورة يناير، وصاحب أول وصمة تطبيعية تلوث منصب المفتي، حين سافر إلى الكيان الصهيوني، في سابقة تاريخية عام 2012، وهي الزيارة التي اعتبرت عملية جسّ نبض من المجلس العسكري الحاكم، أو عربون مودّة للاحتلال الصهاينة، وأثارت موجاتٍ من الغضب الشعبي في مصر والوطن العربي، حتى أن اتحاد كتاب مصر أصدر بيانًا أعلن فيه أن هيئة مكتبه أعدّت مشروع قرار لفصل جمعة بسبب "خروجه على إجماع المصريين على عدم التطبيع مع الكيان الصهيوني بأية صورة من الصور وهو الخروج الذي تمثل في زيارته للكيان الصهيوني".
علي جمعة، أيضًا، هو مفتي مجزرة رابعة العدوية، وأحد المحرّضين المتحمسين لتنفيذها، إذ كانت في طليعة الذين استباحوا دماء ولحوم المعتصمين والرافضين للانقلاب، وهو الآن متفرّغ لجمعيات شفط التبرّعات والتنظير في الحرب البيولوجية، والعبث بالتاريخ وبعلم الآثار.
ما الذي يمنع عبد الفتاح السيسي من أن يفكّر فيه شيخًا للأزهر، ليكمل به انتقامه الشرير من هذا المنصب الذي استعصى على التطويع والترويض والابتذال، ليكون محض صدىً لصوته، وهو يثرثر بكلام تافه عن تجديد الخطاب الديني، وإحداث ثورةٍ في الفقه، تلائم أفكاره المنحرفة عن الدين الإسلامي؟.
إنك لو مددت بصرك بالطول والعرض لإحصاء الشخصيات الحاضرة في مشهد الفكر الإسلامي، ستجد صفوفًا من المهرجين وبهلوانات الفتوى والرأي، يكوّنون تشكيلة متنوعة من خدم السلطة السياسية، تنفتح أمامهم كل الشاشات والصفحات، ليمارسوا دورًا مرسومًا في تسفيه كل قيمة وابتذال كل فكرة، وتحويل الدين إلى استعراضاتٍ مثيرة، لا تختلف عما تجده في أعمال مطربي المهرجانات.
وفي مقابل كل هذا الغثاء، هناك شخص واحد، هو الشيخ أحمد الطيب، يحاول انتزاع مساحة، محدودة للغاية، لكي يطرح فقهًا سليمًا لا يستسلم لرغبات سلطةٍ مهووسةٍ بحلم تفريغ الخطاب الديني من محتواه الحقيقي ومضامينه المحترمة.
هذا الشخص وقف ليلقي كلمة لمناسبة ذكرى مولد نبي الرحمة والإنسانية، ويذكّر عبد الفتاح السيسي، المنتشي بسلطته وتسلطه، بمضامين خطبة الوداع التي ألقاها النبي محمد صلي الله عليه وسلم قبل موته ويطلق صرخة مدوية "اتقوا الله في النساء"، ثم يتحدث عن سقوط الدول والمجتمعات التي تفترس حقوق الإنسان، وتنتهك حرمات ثلاث، هي: حرمة الدم، وحرمة الملكية الفردية الخاصة، وحرمة الأسرة والعرض والشرف.
كان شيخ الأزهر يتكلم بينما المجتمع كله يئن من توحش السلطة مع عشرات، بل مئات النساء المعتقلات والمسجونات واللاتي يتعرضن لانتهاكاتٍ تنتمي لأعتى عصور الهمجية، وهي الوحشية المستمرة والمتنامية حتى الآن، بمداهمة البيوت واختطاف السيدات من بين أهاليهن مع دخول شهر رمضان.
قل ما شئت عن حضور شيخ الأزهر في مشهد انقلاب 2013، ووقوفه إلى جانب جنرالات العسكرية، وجنرالات السياسة الذين أحرقوا كل ما هو إنساني وحضاري في مصر، لكنك لا تستطيع أن تنكر أن وجود هذا الرجل بيننا الآن يسهم في كبح هذا الاندفاع المجنون نحو استكمال المأساة الحضارية التي تستهدف إعادة صياغة الفكر الديني، بما يتماشى مع الرغبة الصهيونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق