الأربعاء، 22 أبريل 2020

ما علاقة التطبيع بأسعار النفط وكورونا ونيوم؟

ما علاقة التطبيع بأسعار النفط وكورونا ونيوم؟


 ياسر أبو هلالة
ظلت القضية الفلسطينية عنوانا يتخاطفه الحكام العرب في صراعاتهم، وكل طرفٍ يزعم أنه الأكثر إخلاصا لها والأحرص على خدمتها. هنا تحضر إلى الذاكرة صورة مكتب تركي الفيصل في مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، عندما دعينا، مجموعة من الباحثين والكتّاب الأردنيين، على حفل توزيع جائزة الملك فيصل العالمية.
 كانت خريطة فلسطين تزين صورة مكتب نجل الملك فيصل والرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية. 
بعد اللقاء معه، اصطحبنا الدكتور نواف عبيد في جولة في معرض عن تاريخ الملك فيصل، ولفت نظري طابع صدر بعده عليه عبارة "القدس أولاً". 

كانت السعودية، في صراعها مع جمال عبد الناصر، تقدّم نفسها أنها الأحقّ في استلام الملف "الإسلامي" لا "القومي"، وظلّت متمسّكةً بالملف في وجه الخميني وصدام حسين على السواء. وهنا يمكن فهم أحد أسباب دعمها تأسيس حركة حماس، فقد وقفت الحركة موقفا رافضا غزو الكويت، ولم تنجرف وراء صدام حسين كما فعل ياسر عرفات. ولذا لم يكن مستغربا أن تكون جدة أول مقرّ للمكتب السياسي لحركة حماس ورئيسه الدكتور خيري الأغا غزاوي يحمل الجنسية السعودية.

الخلفية التاريخية مهمة في محاولة فهم اندفاع السعودية غير المفهوم إلى التطبيع مع الصهاينة. 
في هذه الأيام التي تجتمع عليها كارثتان، انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا، فضلا عن الاضطرابات التي شهدتها مناطق عشائر الحويطات في مشروع نيوم، يخرج مركز اعتدال الذي يدار على أعلى مستوى أمني وسياسي بوسم "فلسطين ليست قضيتي". 
والغريب في التطبيع السعودي، خلافا لكل تطبيع سبقه، أنه يقوم على عداء الفلسطينيين والافتراء عليهم.
التطبيع العربي السابق، وما تبقى منه رسميا وشعبيا، ظل تحت شعار استعادة الحق الفلسطيني من خلال إقناع الإسرائيليين بجدوى السلام. تطبيع مركز اعتدال يحاول فعل العكس تماما، إقناع الشعوب العربية عامة، والسعوديين بخاصة، بـ"الحق" الصهيوني، وتبنّي مقولات عنصرية متطرّفة لا يجرؤ نتنياهو نفسه على التصريح بها.
سبق أن كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن دور سعود القحطاني، المستشار الأقرب لولي العهد السعودي، في التعاون مع الموساد لشراء برامج التجسّس وترويج التطبيع. وبعد انكشاف دوره في عملية اغتيال جمال خاشقجي البشعة، تراجع تيار التطبيع مؤقتا ليعود اليوم في ظروف غير مؤاتية، فالميزانية السعودية وُجّهت لها ضربة قاسية بعد انهيار أسعار النفط، وقد بُنيت ميزانيتها على أساس سعر 76 دولارا للبرميل، بحسب مجلة فوربس. وهي تحاول الانسحاب من اليمن، بعد إنهاكها عسكريا واقتصاديا وسياسيا، والحوثي لا يترك لها مجالا، ومشاريع تخصيص "أرامكو" ومساهمات صندوق الاستثمار في "سوفت بنك" تلقت ضربات موجعة، والوهم الكبير في "نيوم" تبدّد، ولم يفِ هذا المشروع بوعوده بظهور المدن الذكية هذا العام! على العكس، تصاعدت المواجهة مع عشائر الحويطات قبل أن تقوم المدن، ولم يؤسّس غير قصر الملك وولي عهده وحاشيتهما!
في علاقاته الدولية، يواجه ولي العهد، محمد بن سلمان، تحدّيا غير مسبوق بعد مغامرته في زيادة الإنتاج، فقد تضرّرت علاقته بأقرب حليفين، ترامب وبوتين. 
وجائحة كورونا أتت على موسم الحج.. ماذا بقي؟ 
بنظر مستشاري ولي العهد، لم يبق غير التحالف مع نتنياهو واللوبي الصهيوني في أميركا والعالم.. هذا خيط لم ينقطع، ولم يبدأ بوسم "فلسطين ليست قضيتي"، ولا ينتهي بمسلسل أم هارون على "أم بي سي" الذي ينبش في تاريخ اليهود في الكويت.
قبل عرض المسلسل، لا تريد "إم بي سي" نسف الرواية الصهيونية بالقول إن اليهود كانوا جزءا من المجتمعات العربية والإسلامية، وإن الاضطهاد الغربي لهم أنتج الفكرة الصهيونية، وإن فلسطين فيها شعب عربي منوّع المذاهب والأديان، تعرّض للتهجير والتدمير لتأسيس دولة على أساس الدين. تريد "إم بي سي" أن تبني علاقاتٍ مع الصهاينة الآن، وليس مع يهود الأمس.
بالنتيجة، مركز اعتدال و"إم بي سي" لا يقدران على تغيير موقف العرب من الصهيونية، ونتنياهو لا يعوّل عليهما كثيرا، لكنهما كشفا حجم العبقرية التي زادت إنتاج النفط، وأوقعت العالم في كارثة اقتصادية تتضرّر منها السعودية أولاً، وجلبت الروبوتات إلى "نيوم"، وحرّرت اليمن في أسبوع.. فلسطين عندما تكون قضية هذا العبقري سنشعر ساعتها بالقلق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق