الأربعاء، 5 مايو 2021

هابرماس .. من يفعلها غيره؟

 هابرماس .. من يفعلها غيره؟

ياسر أبو هلالة

ليس مطلوبا من المثقفين العرب، أكاديميين وكتابا وإعلاميين وفنانين، الاستشهاد دفاعا عن القيم العليا، حرية وحقوق إنسان و..، ولا أن يفنوا زهرة شبابهم في الزنازين، ولا أن يقضوا بقية أعمارهم في المنافي مطاردين، ذلك ودونه غير مطلوب. 

ما فعله الفيلسوف الألماني، يورغن هابرماس، من رفض جائزة الشيخ زايد للكتاب هو المطلوب، لا أكثر، فأن ترفض جائزة مالية من نظام يتصدّر الثورة المضادّة التي عاثت دماء ودمارا في العالم العربي، هذا أضعف الإيمان.

 وحسنا فعل هذا الفيلسوف، والمأمول أن يكون لخطوته ما بعدها لإعادة تلك الرشى المقدّمة باسم جوائز. .. مفهومٌ أن تشكّل الإمارات مغناطيسا للباحثين عن المال السريع، وهي قصة نجاح اقتصادي مشهود على مستوى عالمي. لكن ما علاقة ذلك بالفكر والثقافة والفلسفة والشعر والكتابة والصحافة ..؟

بدأت الحكاية في دبي قبل أبوظبي. اعتمد نموذجها على التجارة الحرّة والانفتاح بلا حدود، اقتصادية ولاأخلاقية، فالإمارة شكلت متنفّسا اقتصاديا واجتماعيا للمنطقة والعالم، خصوصا بعد تراجع هونغ كونغ وحصار إيران وانهيار المنظومة الاشتراكية، صارت دبي ملاذا ماليا لغسل المليارات وتجارة البشر، ذلك وغيره تطلب غسلا من خلال القوة الناعمة.

لم يبق صحافي ولا كاتب عربي لم يشارك في جائزة الصحافة العربية التي يقدّمها نادي دبي للصحافة، مترشّحا أم فائزا أم مدعوا أم عضو لجنة تحكيم. تكاثرت الجوائز والمنتديات في الإمارات، بعد دخول أبوظبي على الخط، فهي ليست كدبي، لا تحتاج تجارة ولا انفتاحا ولا أبراجا .. لديها فائض مالي يغنيها عن ذلك، وهي تعتمد القوة الخشنة، لا الناعمة، وتجلّى ذلك في انقلاباتها وتدخلاتها العسكرية الفجّة في اليمن وليبيا وسورية والسودان وغيرها.

تأسّت أبوظبي بتجربة دبي في غسل الجوائز والمنتديات والمؤتمرات، ولكنها بعد اندفاعها في مسار التطبيع واجهت تململا من المثقفين العرب، وتجلى ذلك في عزوف عن الترشح للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، الجائزة كشفت بؤسا لا يعرفه العالم، عندما اختير رسام الكاريكاتير السوري، علي فرزات، عضو لجنة تحكيم في "البوكر"، ثم منع من دخول الإمارات لحضور حفل توزيع الجائزة.

بإمكان الإمارات أن تحتفل بشاعر المليون، وستجد من يقرضون الشعر النبطي مديحا لشيوخها وكرمهم، بإمكانها أن تحتفي بحثالات الصهاينة والإسلاموفوبيا تحت عنواني نشر السلام والتسامح ومقاومة الإرهاب، بإمكانها أن تقيم مسابقاتٍ لأجمل الراقصات، يمكنها أن تقيم مسابقةً لشيوخ التيار السلفي المدخلي تحت عنوان "جائزة الشهيد محمود الورفلي" وكذلك تيار التصوف، وتيار تفسير الأحلام باسم يوسف .. وغير ذلك من تياراتٍ وشخصياتٍ تسبّح بحمدها وتدور في فلكها.

لم تبلغ الإمارات هذا المستوى من النرجسية والغرور، لولا رخص من يسمون عربيا مثقفين عربيا، فثلّة من هؤلاء، وخصوصا من اليسار المتعفن الذي يعرّف اليسار بمعاداة الإسلاميين، نذرت نفسها لتجنيد أنصار للإمارات، وربما رشّحوا كارل ماركس نفسه شخصية العام في الجائزة.

ليست الإمارات وحدها من تغسل سياستها بالجوائز السخية، وليست البلد العربي الوحيد الذي لديه معتقلو رأي، المطلوب موقف أخلاقي ممن يعتبرون أنفسهم مثقفين برفض تلك الرشاوى المغلفة بجوائز ومنتديات ومؤتمرات، وهذا سيقطع أرزاق متعهدي تلك الاحتفالات، لكنه سيعيد الاعتبار للمثقف، باعتباره عدو الاستبداد، لا خادمه.

درس ألمانيا لم يبدأ بفيلسوف حر، بدأ بصحافة حرة، فمجلة دير شبيغل نشرت مقالا يستهجن قبول هابرماس الجائزة من بلدٍ لا يحترم حقوق الإنسان، وهو ما نبّهه إلى الخطأ الذي وقع فيه، فتراجع، وكانت فضيحةً دولية لغسل الجوائز . وما كان ذلك ليكون لو فازت "دير شبيغل" من قبل بجائزة نادي دبي للصحافة لأفضل تحقيق استقصائي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق