الصلاة آخر عرى الإسلام نقضًا
الشيخ عبد الله بن فيصل الأهدل
الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين وهي آخر عرى الإسلام نقضاً
أهمبة الصلاة
لا يخفى على كلِّ مسلم أهمية الصلاة فهي الركن الأعظم من أركان هذا الدين بعد الشهادتين وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلّم عمود الدين ففي حديث معاذ الطويل: ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» قُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ” رَأْسُ الأَمْرِ: الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ» 1
وهي الفريضة الوحيدة التي فرضها الله على نبيِّه فوق السماء السابعة بدون واسطة في ليلة المعراج، وقد أطلق الله عليها اسم الإيمان، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة143]، أي: صلاتكم، بإجماع المفسّرين، وسمَّى الله الصلاة قرآنًا، فقال تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء/78]. 2عن مجاهد قال: صلاة الصبح.
إقامة الصلاة في المساجد من شعائر الإسلام
وإنَّ من إقامة الصلاة إقامتها في المساجد فإنها من شعائر الإسلام الفارقة بين دار الإسلام ودار الكفر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ. 3لأنَّ الأذان دليل على حضور المسلمين للصلاة جماعة.
ومن الأدلة على تأكيد صلاة الجماعة قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾ [النساء/102].
قال ابن المنذر في الأوسط 4 : “ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف دليلٌ على أنَّ ذلك في حال الأمن أَوجَب”.
وقال ابن القيم: “ووجه الاستدلال بالآية من وجوه أحدها: أمرُه سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرةً ثانية في حقِّ الطائفة الثانية بقول ﴿وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾ وفي هذا دليلٌ على أنَّ الجماعة فرضٌ على الأعيان، إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى ولو كانت الجماعة سنَّة لكان أَولى الأعذار بسقوطها عذرُ الخوف. ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى، ففي الآية دليلٌ على وجوبها على الأعيان فهذه على ثلاثة أوجه؛ أمرُه بها أوَّلًا ثم أمرُه بها ثانيًا وأنَّه لم يرخِّص لهم في تركها حال الخوف” 5
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ» 6
إغلاق المساجد مخالف لإجماع المسلمين عبر تاريخهم
وإنَّ ما نشهده في هذه الأيام من إغلاق المساجد وتعطيل الجماعات في بعض البلدان بسبب جائحة كورونا، لهو منكرٌ عظيم لا يجوز تحت أيّ ظرفٍ من الظروف؛ لأنّ هذا مخالف لإجماع المسلمين عبر تاريخهم، فلم يحدث أن أُغلِقت المساجد من أجل الوباء، سواء في عهد الصحابة أو التابعين أو تابعيهم ولا قال به أحدٌ من أئمّة الإسلام في القرون المفضّلة ولا مَن بعدهم، بل قال ابن القطّان الفاسي (ت628هـ): “وأجمعوا أنّه لا يجوز أن يُجتمَع على تعطيل المساجد” اهـ7, حتى جاء عصرنا البائس هذا.
والعجيب أنَّ هذه الحملة الشعواء على منع الجماعات في المساجد كليًّا أو جزئيًّا كما حدث سابقًا في عامة البلاد الإسلامية، وهذه الأيام في الأردن والمغرب، أو التضييق ووضع القيود المجحفة على المصلِّين، أنّ ذلك مقتصر على بيوت الله فحسب بينما تجد ازدحام الناس في الأسواق والمولات التجارية بدون أيِّ قيود صارمة تُذكَر مقارنةً بما يحدث في المساجد، ويُخشى من هذا أن نكون أمام مخطط إجرامي من الصهيونية والصليبية العالمية وأذنابها في بلاد الإسلام على تقويض شعيرة الجماعات في المساجد -لاسمح الله- وتزهيد الناس في بيوت الله تعالى حتى في خير الليالي عند الله في هذا الشهر المبارك في الوقت الذي تفتح لهم الملهيات على مصراعيها في الأسواق والأماكن العامة..
آخر عرى الإسلام نقضًا هي الصلاة
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ آخر عرى الإسلام نقضًا هي الصلاة، فعن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ»8.
فكُلَّما اشْتَدَّتْ غُربةُ الإسلامِ، كَثُرَ المخالِفون له، والنَّاقضون لفرائضِه وأوامرِه، وأعانوا عليه أعداءَه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “لتُنْقَضَنَّ”، أي: تَنْحَلُّ وتَنْفَكُّ عنه، “عُرى الإسلامِ”، (العُرى) جمعُ عُروةٍ، وهي في الأصلِ: ما يُعَلَّقُ به مِن طَرَفِ الدَّلْوِ ونحوِه، فعُبِّر به عن أحكامِ الإسلامِ وأركانِه، “عُروةً عُروةً”، أي: تَنحَلُّ مُتتابِعةً واحدةً تِلْوَ الأُخرى؛ “فكلَّما انتَقَضَتْ عُروةٌ تَشبَّثَ النَّاسُ”، أي: تَمسَّكوا “بالَّتي تَلِيها”، والمعنى: أنَّ النَّاسَ لا يَترُكون الإسلامَ مرَّةً واحدةً، ولكنْ شيئًا فشيئًا، وذلك بأنْ يُهْمِلوا بعضَ أركانِه، ثُم بعضًا آخرَ، حتَّى لا يَبقَى منه شيءٌ؛ “فأَوَّلُهُنَّ نَقضًا الحُكمُ”، أي: تَرْكُ الحُكمِ بشَرعِ اللهِ تعالى، واستبدالُ أحكامٍ وَضْعيَّةٍ مِن حُكمِ الإنسانِ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ الَّتي وضَعَها اللهُ، “وآخِرُهُنَّ الصَّلاةُ”، أي: آخِرُ شَيءٍ يَترُكُه النَّاسُ من الدِّينِ هي الصَّلاةُ، حتى إنْ أَتَوْا بها أَتَوْا بها على صِفةٍ لا تُقبَلُ.
وهذا الحديث من أعلام نبوَّته صلى الله عليه وسلم فقد وقع نقض الحكم بما أنزل الله منذ زمن بعيد ولا زالت الأمَّة يتسع انحرافها في هذا الأمر حتى استبدلت حكوماتها بشرع الله القوانين الوضعية كما هو حال البلدان الإسلامية اليوم التي تسلطت عليها العلمانية والليبرالية، وها هي تلك الحكومات العلمانية تستعدُّ اليوم لنقض عروة الصلاة من خلال ما يحدث من تضييق على المصلِّين في المساجد وفرض القيود على فتحها وإغلاقها بحججٍ واهية لا تقوم لذي عقلٍ سليم ودينٍ مستقيم، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.. وإنَّنا نذكِّرهم هنا بعدم مشروعية إغلاق المساجد أصلًا لا ليلًا ولا نهارًا؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة البقرة /114].
قال الطبري: “… دلَّ بعموم قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾، أنَّ كلَّ مانعٍ مصليًّا في مسجدٍ لله، فرضًا كانت صلاته فيه أو تطوُّعًا، وكلَّ ساعٍ في إخرابه فهو من المعتدين الظالمين”.اهـ 9.
فعلى العلماء والمصلحين من أبناء هذه الأمَّة أن يتنبَّهوا لهذه المخطَّطات الخبيثة التي تستهدف عرى الإسلام وثوابته ومعالمه وأن يكونوا في صفِّ الدفاع الأوَّل عن حرمات الله أن تُنتَهك، وعن عرى الإسلام أن تنقض وهم أحياء لا يحرِّكون ساكنًا، فإنَّ الله قد أخذ الميثاق على أهل العلم بأن يبيِّنوا الحقَّ للناس قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران/187].
وعلى عموم المسلمين أن يتفطنوا لمكائد أعداء الدين فيتمسَّكوا بعُرَى هذا الدين ويعضُّوا عليها بالنواجذ ويربُّوا عليها أبناءهم من بعدهم حتى يلقوا ربَّهم ونبيَّهم على الحوض، وقد قال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» 10.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه إنه سميع قريب.
الهوامش:
- رواه الترمذي (2616) وابن ماجه (3972) وصححه الألباني.
- روى ابن جرير (36/15) بإسنادٍ صحيح.
- رواه مسلم (382).
- الأوسط (4/135).
- الصلاة وحكم تاركها ص138.
- رواه مسلم (654).
- الإقناع في مسائل الإجماع (1/145).
- رواه أحمد في مسنده (22160) وصحّحه الألباني.
- جامع البيان (2/523).
- رواه ابن ماجه (43) وصححه الألباني.
اقرأ أيضاً:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق