قراءة في كتاب: اسم الكتاب:أساليب المنصرين في الصد عن الإسلام في إفريقيا مؤلف الكتاب: نور الدين عوض الكريم إبراهيم باكر |
قراءة :خبَّاب بن مروان الحمد |
(إنَّ هذا الإسلام يؤلف حاجزاً أمام مدنيتنا المبنية كلها من مؤثرات مسيحية ومن مادية ديكارتية... فإنَّ الإسلام يهدد ثقافتنا في أفريقيا السوداء... وعلى الرغم من أن بعض النفوس المتسامحة تميل بطبيعتها وعن رضى منها إلى عدم تقدير هذا الخطر (الإسلام) حق قدره فإنه يبدو في الظروف الحالية للتطور الاجتماعي والسياسي لعالم البشر أنه من الضروري لفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، أو تحاول على الأقل حصر انتشاره، وأن يعامل وفق أضيق مبادئ الحياد الديني). كانت هذه عبارات (فيليب فونداسي) ـ رئيس المكتب الخامس الفرنسي لمصلحة التجسس الفرنسية ـ في مقدمة كتابه: (الاستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء). وإنَّ ممَّا لا ريب فيه أنَّ حركة التنصير حركة قديمة متجددة، تلبس لكلِّ عصر ثوباً؛ فهي كالحرباء تغير لونها حسب الظروف والمعطيات ويبقى السم كما هو. وأهداف المنصرين تبدو جلية واضحة من أقوال دهاقنتهم، ولك أن تتابع مؤتمراتهم السرية والعلنية، لتجد فيها منتهى الحقد على الإسلام وأهله، بغية سلب الوجود الإسلامي من هذه القارة الكبيرة. وأصل هذه الأطروحة رسالة علمية مقدَّمة لنيل درجة الدكتوراه في (قسم الدعوة والاحتساب) بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وموضوعها الرئيس: (بيان طرق المنصرين في التحذير من الإسلام وصرف الإنسان الأفريقي عنه، والسبل الناجعة لمواجة ذلك المد الصليبي الزاحف). وعنوان الأطروحة: أسـاليب المنصرين في الصد عن الإسلام في أفريقيا، وطرق مواجهتها (دراســـة ميدانيـة على دولة كينيا في الفترة من عام: 1411 ـ 1420هـ. وهي من إعداد الباحث: نـور الديـن عوض الكريم إبراهيم بابكر. وعـدد صفحاتها: 485 صفحة، قطع كبير وتتكون هذه الدراسة من مقدمة، وبابين، تحت كلِّ باب عدَّة فصول، وتحت كل فصل عدة مباحث، وكان ختامها بخاتمة اشتملت على خلاصة نتائج البحث، وجملة من الفهارس الفنية. المقدمة: ابتدأ الباحث أطروحته بمقدمة أبان فيها استراجية التنصير البعيدة، والمتمثلة بإخراج المسلمين عن دينهم، ونقل في ذلك مقولة الأمريكي هاريسون في كتابه: (الطبيب في بلاد العرب) والذي صرح فيه بذلك فقال: (لقد وُجِدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى)، ثم عرج على أهمية موضوع الدراسة وأوضح أنه يكتسب أهميته من كونه يتعرض لأحد أكبر عوائق انتشار الإسلام في العصر الحاضر، وهو النشاط التنصيري المصحوب بالاحتلال العسكري، واللذان يمثلان وجهين لعملة واحدة، وفي ذلك يقول المنصر سونو: (اتجه المستعمرون إلى استعباد جسد الأفريقي، أمَّا المنصرون فقد استهدفوا روحه)، وقد كتب أحد أدباء كينيا يصف الحالة تلك قائلاً: (جاؤوا إلينا يحملون الإنجيل، فأمطرونا بالرصاص، ثمَّ غمَّموا أعيننا، ووضعوا أيدينا على المحاريث نقلِّب لهم الأرض ونزرعها، وبعد عناء طويل فتحنا أعيننا لنجد بأيدينا الإنجيل وبأيديهم الأرض والثروة، وكنَّا قد نسينا استعمال السلاح، فنحن اليوم نقلِّب الإنجيل ونتقلب في المجاعة والتبعية). وأضاف الباحث في مقدمته أسباب اختياره هذا الموضوع، والحديث عن مصطلحات الدراسة والتعريف بها، وعرف بالمنطقة محل الدراسة، والدراسات السابقة في الموضوع، وذكر المشكلات التي واجهته أثناء بحثه، والتساؤلات التي سيجيب عنها في دراسته، من خلال شقيها:، النظري والعملي. ثم تحدث حول مجتمع الدراسة وعينتها، ونوع البحث ومنهجه، وقد كان الباحث في دراسته متَّبعاً (للمنهج المسحي) الذي يعتبر منهجاً أساسياً في البحوث الوصفية، وختم مقدمته بتوضيح مصادر بحثه الأساسية. الباب الأول: وهو عبارة عن دراسة نظرية مكونة من فصلين: الفصل الأول: دخول الإسلام إلى أفريقيا، وواقع الدعوة الإسلامية هناك. وهو مكون من أربعة مباحث: المبحث الأول: شمل التعريف بقارة أفريقيا، وبدولة كينيا من ناجية جغرافية واقتصادية ونحوها. وفي المبحث الثاني: تعرض الباحث إلى طرق انتشار الإسلام في أفريقيا، سواء أكان ذلك من خلال الفتح الإسلامي، أو عبر توغل التجَّار الدعاة في ربوع القارة، أو عن طريق الممالك والدول الإسلامية الأفريقية التي ظهرت في شرق القارة ووسطها وغربها. وجاء الحديث في المبحث الثالث عن دخول الإسلام إلى كينيا والذي كان في غالبه عن طريق حملات الهجرة التي قصدت منطقة الساحل الشرقي للقارة من الجزيرة العربية. يقول (سبنسر ترمنجهام): (فانتشار الإسلام في كينيا وأفريقيا جاء نتيجة رحلات كانت التجارة أو الاستيطان هدفها الأساسي؛ إذ لم يكن للإسلام مبشِّرون به يسيرون في البلاد ـ إلاَّ ما ندر ـ ومع ذلك فقد تغلغل بالمخالطة إلى نفوس الأهالي والسكَّان، وأصبحنا نرى أمثلة من الورع والتقوى التي لا تقوم إلاَّ في نفوس شربت الدين في طفولتها، وروعته تكمن في أنَّه لم يتخذ وسيطاً إلى نفوس الأفارقة. ولم يجعل لنفسه داعية إلى أفئدتهم، بل خاطب الفطرة في نفوسهم ودخل قلوبهم، ولم يلجأ إلى التغيير العنيف حتَّى لا ينفر الأهالي منه) وذلك رغبة في دعوتهم حتى يتمكن في قلوبهم. وفي المبحث الرابع عرَّف بواقع الدعوة الإسلامية في كينيا، وأحوال المسلمين هناك من ناحية اقتصادية واجتماعية وثقافية، وأشار الباحث إلى أن المجتمع الإسلامي الكيني يعاني من مشكلات عدة، كارتفاع معدلات الفقر والأمية والبطالة، وضعف البنية التحتية التعليمة والدعوية بينما البعثات التنصيرية تقدِّم الأدوية والأغذية والمصحَّات المتنقلة والمدارس. وأشار الكاتب إلى أن المسلمين، وبخاصة في الساحل الكيني ـ نتيجة قلة ذات اليد ـ يضطرون إلى الدفع بأبنائهم إلى سوق العمل بدلاً من التوجه بهم إلى مقاعد الدراسة، على الرغم من مجانية التعليم الابتدائي في البلد. وخلص الباحث من ناحية سياسية إلى أنَّ المسلمين في كينيا ليس لهم تنظيم واحد يستوعبهم، ولا قائد موحد يجمعهم، وهذا ممَّا حد من تأثيرهم السياسي. وأمَّا من ناحية دعوية ـ فعلى الرغم من أن الإسلام يعد أول الديانات السماويـة التي ولجـت كينيا ـ فقد لاحظ الباحث أن حركة انتشار الإسلام والدعوة إليه في كينيا مرت بحالات ازدهار في فترات الحكم الإسلامي، وبحالات انكماش في فترات الاحتلال الأوروبي، وبخاصة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، والذي شهد دخول النصرانية إلى البلاد، وتدهور الحالة الإسلامية إلى أن تشكل الواقع الحالي لمسلمي كينيا، فأصبحت نسبتهم تتراوح ما بين: 35 - 40% من إجمالي السكان، وتضاءل الدور القيادي والحضاري الذي كانوا يقومون به في المناحي المختلفة. وأشار الباحث إلى أن مسلمي كينيا سُنَّة بنسبة 99%، بينما توجد بعض الطوائف الزائغة كالإسماعيلية والقاديانية،، وبخاصة في أوساط السكان من أصول هندية وباكستانية. كما أوضح ارتفاع منسوب الوعي لدى مسلمي كينيا بالمخططات التنصيرية واليهودية التي تهدف إلى الصد عن الإسلام وإيقاف المد الإسلامي في المنطقة. وذكر الباحث بعض مظاهر الصحوة كانتشار الحجاب في صفوف النساء، وإقامة المدارس الإسلامية بجهود ذاتية. كما أشار إلى الحرية الدينية المرتفعة في البلد. ومــع تثمـين الباحــث لـدور الجمعيات الإســـلاميـة ـ المحلية والخارجية ـ والتجار المسلمين في إنشاء العديد من المدارس الإسلامية الأهلية في كافة أنحاء الدولة إلا أنه ذكر أن محدودية إمكانات المسلمين تحول بينهم وبين استثمار الفرص والتسهيلات المتاحة. وعرج الباحث على الفئات الدعوية المستهدفة في كينيا سواء أكانت وثنية أم نصرانية أم مسلمة ممن غُيِّب عن دينه وأصبح يحتاج إلى تعليم وتوعية، وأبان أن كثيراً من النصارى يشعر بأنه أقرب إلى الإسلام منه إلى دينه النصراني، وأورد على سبيل المثال في هذا الجانب قصة أحد كبار ضبَّاط الجيش الكيني والذي قضى فترة تدريبية في باكستان، ورأى كيف يعيش المسلمون هناك شهر رمضان المبارك، وهو الأمر الذي أثَّر فيه تأثيراً قوياً حتى قال: إنَّ معظم النصارى الأفارقة أصبحوا نصارى بسبب التعليم والمدارس التي تشرف عليها الكنيسة، وأنَّ النصرانية ليست دين آبائه وأجداده، ورغم أنَّه يذهب للكنيسة كلَّ أحد ـ حيث أصبح ذلك عادة أكثر منه عبادة ـ إلاَّ أنَّه على يقين بأنَّ المسجد أحق بالدخول، والإسلام أحق بالاتباع. واختتم الباحث مبحثه هذا بالأساليب الدعوية في كينيا، والتي أورد منها: حلقات المساجد، والمناظرة، والسماح بتدريس مواد التربية الإسلامية والعلوم العربية في المدارس الحكومية. الفصل الثاني: دخول النصرانية إلى أفريقيا وعلاقتها بالاحتلال: وهو مكون من خمسة مباحث مسبوقة بتمهيد أوضح فيه أنَّ المتتبع للنشاط التنصيري الذي مارسه المنصرون الغربيون في أفريقيا يجد أنه تم برعاية بعض قناصل ومبعوثي الدول الغربية، بل إن بعضهم شــارك بفاعليــة ظاهــرة في عمليات التنصـير بينما ما زال بعضهم يمارس ذلك من خلال التستر بوظيفته الرسمية. وجاء المبحث الأول من هذا الفصل بعنوان: (دخول النصرانية إلى أفريقيا) استعرض فيه الباحث المرحلتين اللتين دخلت النصرانية من خلالهما إلى بعض المناطق الأفريقية. فالمرحلة الأولى: كانت في قرون النصرانية الثلاثة الأولى إلى مصر وساحل الشمال الأفريقي والحبشة، ثم ظهرت عقب ذلك الممالك النوبية،، ولما كان النفوذ الكنسي لم يتغلغل في العمق الأفريقي فقد حل الإسلام محل النصرانية في الأقاليم الساحلية بسهولة، ولم تبق إلا الكنيسة القبطية محصورة في مصر، كما بقيت الكنيسة الحبشية معزولة عن العالم الخارجي. والمرحلة الثانية: كانت مع بدايات الاحتلال الأوروبي للقارة والذي بلغ الذروة في النصف الثاني من القرن التاسع العشر والنصف الثاني من القرن العشرين، وقد ارتبطـت هــذه المرحــلة بما ســـمي بـ (حركة الكشوف الجغرافية) وما تلاها من حملات استيطانية أوروبية، كان التنصير حينها أداة من أدوات الاحتلال التي استخدمها لإذلال الشعوب واسترقاقها، قدم فيها المنصرون معلومات قيمة عن البلاد التي يزورونها وجوانب القوة والضعف فيها، مما شجع المحتل وسهَّل مهمته بصورة كبيرة. يقول (د. والتر رودني): (كانت البعثات التبشيرية جزءاً من قوى الاستعمار إلى حد كبير، مثلها في ذلك مثل المكتشفين والتجار والجنود). وفي المقابل فقد كانت مطالب المنصرين واضحة بأن يكون الاحتلال قوة من قوى التنصير، وفي ذلك يقول المنصر الفرنسي (لافيجيري): (إن فرنسا حارسة المسيحية في أفريقيا، وإن عليها ليس فقط استغلال الثروات، وإقامة السلطة على العبودية، والقضاء على المنهزمين، بل تعمل على إنشاء شعب حر ومسيحي من المغرب الأقصى وحتى مصر، وإحياء بقايا أمة مسيحية قد انقرضت). وفي ختام هذا المبحث أبان الباحث أنَّ فترة الاحتلال الأوروبي لأفريقيا اتسمت بظاهرتين: أولاهما: فتح المجال للحركات التنصيرية بالتغلغل في المناطق التي لم ينتشر فيها الإسلام، والتركيز على التعليم المدني بغرض إضعاف التعليم الإسلامي، وفرض لغة المستعمر وحرفه اللاتيني في مقابل اللغات المحلية والحرف العربي الذي تُكتب به تلك اللغات. والثانية: نجاح المحتل في شق معظم المجتمعات الأفريقية في معظم الأحوال بين جنوب نصراني، وشمال مسلم مع تفاوت النسبة العددية بين هؤلاء وأولئك، وإيجاد طبقة من النصارى والمسلمين تشرَّبت أفكار الغرب واغتربت عن أصول مجتمعها التقليدي مسلماً كان ذلك المجتمع أم غير مسلم، وعندما تم الاستقلال كانت تلك الطبقة هي الوارث له في الهيمنة، والحريصة على نظم المحتل وتنفيذ مخططاته أكثر من المحتل ذاته. وفي المبحث الثاني: تعرض الباحث لدخول النصرانية إلى كينيا، وذكر أن الإسلام ظل هو المهيمن على أوجه الحياة فيها قبل ولوج النصرانية إليها بما يقارب سبعة قرون، ثم ذكر أن الاحتلال البرتغالي كان في طليعة قوى الاحتلال ولوجاً للأراضي الكينية، وذلك في حدود عام 1479م على يد القائد الشهير (فاسكو دي جاما)، الذي باشر عند وصوله أعمال قتل وحرق ونهب للمدن والقرى والمساجد، حتى إن مدينة (ممباسا) أحرقت ثلاث مرَّات، وقتلوا في كل مرَّة المئات إن لم يكن الآلاف من أهلها المسلمين، واستباحوا فيها الحرمات، وكذلك فعلوا الأمر نفسه في مدينة (مالندي) الساحلية التي لم يبق فيها من مجموع سبعة عشر مسجداً إلا ثلاثة مساجد بشهادة (القس فرانسيس خافيير). وقد كثَّف البرتغاليون نشاطهم التنصيري في مناطق المسلمين في الشمال الكيني، وأنشأ أتباع القدِّيس (أوغسطين) ديراً في ممباسا، جعله المنصرون مركزاً لهم لمد نشاطهم التنصيري إلى مدن الساحل الأخرى. ونتيجة أعمال العنف البشعة تلك قامت ضد البرتغاليين حركات مقاومة عدة، وأخفقوا بصورة جلية في إرساء المفاهيم النصرانية في أوساط السكان خلال تلك الفترة، وظل تأثيرهم الديني على الشعب ظاهر المحدودية. ولذا فقد ذهب الباحث إلى أنَّ البداية الفعلية للتنصير في كينيا كانت في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشــر فـي كينيا علـى يـد المنصِّــر (د. لويس كرايف) الذي وصل ومعه خطاب توصية من وزير خارجية بريطانيا، ثم تبعه منصرون آخرون أخذوا يطوفون عرض البلاد وطولها، فاتسعت أعمالهم على الشواطئ منذ ذلك الوقت. وقد كان التلاحم بين الجهد الاستعماري والمنصرين في استئصال الإسلام وحضارته في المنطقة في غاية الوضوح، حتى إن حاكم أفريقيا الشرقية الإنجليزية، قال في أحد المؤتمرات التنصيرية: (إنه يجب على الحكومة والمبشرين أن يشتركوا في العمل ضد الإسلام). وأورد الباحث ملحوظة دائمة في الاحتلال البريطاني؛ حيث كانت بريطانيا تسعى قبل التدخل العسكري المباشر بإحكام السيطرة على البلاد من خلال الشركات التجارية والجمعيات التنصيرية، لتكون حمايتها مبرراً للتدخل المباشر. وقد تعلل الاحتلال البريطاني لإحكام السيطرة على البلاد بمحاربة تجارة الرقيق في الوقت الذي كان الرقيق الذين تحت يده يعاملون معاملة تبلغ الغاية في عدم الإنسانية. وفي المبحث الثالث: تعرض الكاتب لعلاقة الإرساليات التنصيرية بالاحتلال في كينيا، وأوضح بأن الإرساليات التنصيرية قبل 1888م وهو تاريخ الاحتلال الرسمي لكينيا كان بمثابة الطليعة له، وأن تلك الإرساليات ما كان لها أن تحقق مآربها لولا المساندة المنقطعة النظير التي وجدتها من قناصل الدول الكبرى في ذلك الوقت. ولكي تتجلى حقيقة تلك العلاقة أورد الباحث مقولة (اللورد بلفور) وزير الخارجية البريطاني ـ صاحب الوعد المشهور ـ رئيس الشرف في مؤتمر أدنبرة التنصيري سنة1910م، حيث قال: (إنَّ المبشِّرين ـ المنصرين ـ هم ساعد لكلِّ الحكومات في أمور هامَّة، ولولاهم لتعذَّر عليها أن تقاوم كثيراً من العقبات...)، ومقولة حاكم مستعمرة شرق أفريقيا (إليوت): (إن فتح محطة جديدة للبعثة يظهر لي بصفة عامة أنه امتداد للنفوذ الأوروبي)، ومثل هذه التصريحات ليست مقصورة على أقوال عدد من السياسيين فحسب، بل إن المنصرين رددوا الأفكار نفسها. يقول المنصر (أوليري): (إن النفوذ الغربي هو أيضاً مسؤول عن وجود المبشرين المسيحيين)، ويقول جيمس باركس: (إن مصالح المبشرين الدينية قبل الحرب العالمية الأولى كانت تجد عوناً كبيراً في وجود القناصل الأوروبيين الذين كانوا يؤمِّنون لها قدراً كبيراً من الهيبة السياسية)، وكتب أول مفوض بريطاني لمحمية شرق أفريقيا «آرثر هاردنج» ما ترجمته: (كان كثير من المسلمين يشعرون عند مرورهم بالسوق، وسماعهم لخطب المنصرين ومواعظهم، أن أولئك المنصرين ما كانوا ليجرؤوا على مهاجمة دينهم الإسلامي في تلك الأماكن العامة لولا السند الذي يجدونه من حكامهم الإنجليز). ويصور تلك العلاقة تصويراً رائعاً الرئيس السابق لجمهورية زامبيا، في خطاب له بعث به لرئيس الإرسالية التنصيرية أثناء كفاحه قوى الاحتلال في بلاده ، ونقل فيه مقولة برنارد شو: (عندما يريد الرجل الإنجليزي سوقاً جديدة لبضائعه الفاسدة التي ينتجها في مانشستر فإنه يرسل مبشراً لتعليم الأهالي بشارة السلام، ويقتل الأهالي المبشر، فيهب الإنجليزي إلى حمل السلاح دفاعاً عن المسيحية ويحارب من أجلها، ثم يستولي على السوق كمكافأة من السماء!) ثم أردف قائلاً: (إذا كنت تنوي خدمة الحكومة البريطانية بالطريقة التي وضعها شو؛ فقد أتيت في الوقت غير المناسب، لم يقتل أجدادنا أحد الأوروبيين في المحمية، وسوف تتأكد من أننا لن نقتل أي أوروبي «مبشراً» كان أو غير مبشر لأسباب سياسية). ويشير الباحث إلى أن المتأمل في موقف الكنيسة من عملية الصراع بين قوى التحرر الأفريقية وقوى الاحتلال يجدها موالية للمحتمل معادية للشعور الوطني في عامة البلدان الأفريقية؛ ولذا فقد كان عداء قوى التحرر لها ظاهراً. يقول الرئيس الموزمبيقي السابق: (لقد قررنا وضع حد نهائي لكل المعتقدات الدينية، كما منعنا تلقين الأطفال، وكذلك الكبار مبادئ المسيحية في العطلات الرسمية)، وجاء في القرار النهائي الذي أصدره المؤتمر الخامس لتوحيد أفريقيا، والذي عقد عام 1945م ما نصه: (إن المسيحية التي انتظمت في أفريقيا الغربية تتمثل في استغلال سكان غربي أفريقيا سياسياً واقتصادياً لحساب الدول الكبرى الغربية)، ولذا فقد ظهرت محاولات أَفْرَقة الكنيسة، وحين حاول البابا الوقوف في وجه ذلك، أبى الداعون إلى ذلك، حتى إن رئيس أساقفة زامبيا عبر عن ذلك الرفض قائلاً: (إن محاولة إقناعي بأن سلامة عقيدتي المسيحية لا تتم إلا بتبني الحضارة والثقافة الأوروبية هي بمثابة إكراهي على تغيير شخصيتي بالقوة، وإذا جاز أن الله قد أخطأ بأن خلقني أفريقياً ـ تعالى الله عما يقولون ـ فإن ذلك لم يتضح لي). وفي المبحث الرابع: تناول الباحث موقف الإرساليات النصرانية من الوجود الإسلامي في كينيا، وذكر بأنها سارت في اتجاهين متوازيين: الأول: إقامة سياج نصراني كثيف يحول دون تقدم الدعوة الإسلامية، وذلك من خلال العمل التنصيري المباشر والمكثف في المناطق التي يغلب عليها الوثنيون وأشباههم. الثاني: تشويه الإسلام والصد عنه، عبر إثارة الشبهات حوله، وإلصاق التهم به؛ لإثارة سخط السكان عليه، وبخاصة فيما يتعلق بتجارة الرقيق، والتي زُوِّر التاريخ في كثير من الجوانب المتعلقة بها، وتم تضمينها المناهج الدراسية، واستُخدمت المتاحف والمعارض والصور والأفلام بغرض حفر حفرة سوداء عن الإسلام وأتباعه في ذهن الإنسان الأفريقي. ويذكر الباحث أنه وجد في إحصاء عام1970م في الولايات المتحدة الأمريكية 22 مليوناً من الزنوج، وفي البرازيل: 30 مليوناً، وفي جزر الهند الغربية ودول البحر الكاريبي 26 مليوناً، ثم يتساءل قائلاً: (فمن أين جاء هؤلاء إن لم يكونوا هم نتاج الرقيق الأفريقي الذي نقلته سفن أوروبا إلى تلك البلاد؟). ومن أعظم سبل المنصرين للصد عن الإسلام حيلولتهم دون توغل التجار المسلمين في أوساط القبائل الوثنية خشية انتشار الإسلام من خلال التعامل الحسن بين التاجر المسلم والإنسان الأفريقي. وفي المبحث الخامس: تحدث الباحث حول موقف المسلمين في كينيا تجاه المد التنصيري وجهودهم في مواجهة ذلك، وذكر بأن المسلمين لم يقفوا مكتوفي الأيدي بل سعوا للدفاع عن عقيدتهم وكيانهم بما استطاعوا، ففي الهجمة الصليبية الأولى في القرن الخامس عشر على أيدي البرتغاليين انتشرت حركات الجهاد ضدها مما أدى إلى إضعاف قوتها كثيرا إلى أن تم إخراجها نهائيا عام 1730م. وفي الهجمة الصليبية الثانية في القرن التاسع عشر على أيدي القوى الأوروبية المهيمنة في ذلك الوقت وفي طليعتها بريطانيا لم يذعن المسلمون لما نزل بهم، و كانت لهم مواقف جهادية مشرفة إضافة إلى الجهود التعليمية والدعوية التي كان لها أثر بين في مقارعة النصرانية وتثبيت الإسلام في المنطقة. وبختام هذا المبحث يكون الباحث قد أنهى بابه الأول ودراسته النظرية القيمة حول التنصير وأساليبه في الصد عن الإسلام في أفريقيا، وبخاصة في كينيا. الباب الثاني: وكان عبارة عن دراسة ميدانية مكونة من أربعة فصول، وأساليبها، جُمعت أغلب مادتها أثناء زيارة الباحث لدولة كينيا من خلال المقابلات الشخصية للدعاة والمفكرين والمنصرين الذين اهتدوا للإسلام، والعاملين في حقول التعليم والإغاثة، مع بعض المشاهدات والجولات في بعض مناطق البلاد، والتي تم الاطلاع فيها على بعض أنشطة النصارى، إضافة إلى مضمون استبانة صممها الباحث وحلل مضمونها حول النشاط التنصيري داخل كينيا. وقد كان الفصل الأول بعنوان: الإرساليات والجمعيات الكنسية العاملة وأساليبها، واشتمل على ثلاثة مباحث، الأول: حول الإرساليات والجمعيات الكاثوليكية وأساليبها، وقد بدأ نشاط الإرساليات الكاثوليكية في كينيا عام 1890م من خلال مندوبية ممباسا، وتوالي نشاطها إلى أن كثرت إرسالياتها وتعددت مراكزها، وتنامى تأثيرها بصورة بينة. وتعتمد تلك الإرساليات في نشاطها على جهد الكنائس والمراكز التنصيرية، وعلى الخدمات التي تقدمها في مجال الصحة والتعليم والإغاثة، إضافة إلى المناشط المختلفة. ومن أساليب النشاط الكنسي الكاثوليكي في كينيا على اختلاف بين إرسالياته، وتميز كل إرسالية عن الأخرى بأساليب خاصة بها: التركيز على التعليم وبناء المدارس بمستوياتها المختلفة ابتداء من رياض الأطفال، وبناء المراكز التنصيرية متكاملة الخدمات، وبناء المراكز الصحية، وإنشاء مزارع الأبقار، وتوزيع المعونات الغذائية، وتوزيع الأغنام والأبقار للأسر الفقيرة، وإصدار بعض المجلات، وحفر الآبار، وكفالة الأبناء وإعاشتهم وفق شروط قاسية تؤدي إلى تنصر الأبناء وأسرهم في نهاية المطاف. ومما أورده الباحث أنَّ قسِّيساً إيطالياً نزل منطقة مرتي عام 1967م أخذ ينصر أولياء أمور الطلاب من خلال الضغط عليهم عبر كفالة أولادهم في المدارس، فإمَّا أن يتنصر ولي أمر الطالب أو يحرم ابنه من الكفالة والإعاشة، فكان نتيجة ذلك أن تنصرت أسر بأكملها خوفاً على مصير أولادهم ومستقبلهم التعليمي والاقتصادي، بل كان يطلب منهم التوقيع على التخلي عن مسؤولياتهم تجاه أبنائهم عند إدخالهم مدارس الكنيسة. أما المبحث الثاني فتناول الإرساليات والجمعيات البروتستانتية وأساليبها، والتي بدأت نشاطها في كينيا عام 1844م، ومن الإحصاءات التي أوردها الباحث عن النشاط البروتستانتي في كينيا حتى عام 1999م، (123) منظمة تنصيرية قادمة من أمريكا وغرب أوروبا، (1295) قسيساً غربياً، (5620) كنيسة تم بناؤها بأموال غربية، (40) مجموعة سكانية وقبلية تعمل المنظمات البروتستانتية في أوساطها. ومن السياسات والأساليب التي تعتمدها الإرساليات البروتستانتية على تفاوت بينها في خدمة الجهد التنصيري: العمل بسرعة تجاه تحقيق الاعتماد الذاتي مالياً، وإقامة إدارة وطنية للكنائس، ونشر الكنائس والمراكز التنصيرية بصورة مكثفة تثير الدهشة، واعتماد الوسائل التعليمية الحديثة في تعليم السكان النصرانية، وطبع الكتاب المقدس بأعداد كبيرة لاستعمال الدولة الرسمي والمتنصرين الجدد، ودعم النشاط المسيحي المحلي، والقيام بأعمال التطبيب والعلاج، والتعليم، واستغلال وسائل الإعلام الجماهيرية من صحافة وإذاعة وتلفزة، وإقامة مطارات لاستقبال الطائرات الصغيرة، وبناء بيوت للنازحين والفقراء الذين هجروا مناطقهم نتيجة للنزاعات القبلية، أو لظروف المجاعة والجفاف، ودفع الرسوم الدراسية عن الطلبة العاجزين عن مواصلة تعليمهم، وبناء دور للأيتام والأطفال مزوَّدة بالفصول التعليمية، والخدمات الصحية والتي يتربى فيها الأطفال على حسب ما تريده لهم الكنيسة، وفي ذلك يقول الكاردينال لافيجيري: (لقد أدركنا أن الأفريقي يحتاج إلى المساعدة في ثلاث نواح، هي: التعليم، والزراعة، والعلاج الطبي، وهذه النواحي لا تقل أهمية عن الناحية الدينية، وإذا لم يبذل مجهود في هذه المجالات فلن يحدث أي تقدم للنصرانية على الإطلاق). ثم يختم الباحث مبحثه هذا بالقول: (ولكن مع هذه الجهود التنصيرية الضخمة فإن الحقيقة المماثلة للعيان تدل على أن النتائج التي حققتها المنظمات والبعثات الصليبية أقل بكثير من مستوى عملهم مقارنة بما بذلوه من جهد ومال في سبيل تنصير المسلمين والوثنيين على حد سواء، ومحاربة الدين الإسلامي هناك، وعلى الرغم من هذا فإن جهود القوم ومحاولاتهم للنيل من هذا الدين لا تنتهي فما على المسلمين إلا التنبه لهذا الخطر والعمل على تحجيمه ورد كيده بما يستطيعون فإنهم مسؤولون عن ذلك). وفي المبحث الثالث تناولت الدراسة نشاط المجلس الكنسي الوطني الكيني، وهو هيئة تنسيقية تجمع جميع الكنائس العاملة في كينيا، ويضم تحت مظلته أكثر من 2000 كنيسة ومؤسسة تنفيذية من مختلف الطوائف والمذاهب، ويتمتع بإمكانات ضخمة، ومزود بأموال طائلة من مصادر تمويل أجنبية. ثم أشار الباحث إلى مراحل تكوين هذا المجلس، وأشار إلى أن الكنائس البروتستانتية كانت صاحبة المبادرة في هذا الجانب، ثم عرج على أهداف إنشائه، وذكر من ذلك: مساعدة الكنائس على الوصول إلى كل مكان في كينيا، وتسهيل سبل العيش للنصارى عن طريق إنشاء مراكز للتدريب المهني، والعمل على جعل التعاليم النصرانية منسجمة مع التطورات السياسية والاجتماعية طبقاً لحياة البلاد اليوم، وربط العمل الإنمائي والاجتماعي بعملية التنصير في البلاد. ومـن إيـراد الباحـث لأهم أنشطة المجلس، يلحظ ـ إضافة إلى الجهد التنصيري المباشــر الذي يقوم به ـ أن أبرز نشاطه مرتكز على التأهيل وتقديم الخدمات المساندة للكنائس العاملة في الساحة. أما الفصل الثاني من هذه الدراسة فقد كان بعنوان: (أساليب المنصرين المباشرة)، واشتمل على أربعة مباحث: الأول: (حول جهود القسس المباشرة في الأماكن العامة والكنائس) ويشير الباحث إلى أن المنصرين يمارسون دعوتهم المباشرة من خلال مجموعات صغيرة في الكنائس والمنازل ومواقع العمل إضافة إلى المحاضرات والمناظرات التي تعقدها الكنائس غير الكاثوليكية في الساحات والحدائق والمنتزهات والملاعب ونحوها من الأماكن العامة. وأورد الباحث جملة من الأساليب والطرق التي يسلكونها لإثارة فضول المتلقين وإغرائهم. وفي المبحث الثاني تعرض الباحث لجهود الحملات التنصيرية التي تستهدف تنصير الشعب الكيني وتغيير عقيدته، سواء أكانت هذه الحملات بقيادة مؤسَّسات تنصيرية تابعة للكنيسة، أم مؤسَّسات غير تابعة لها مثل المؤسَّسات التعليمية العامة والمنظَّمات والهيئات غير الكنسية، التي ترعى الجهد الكنسي في البلاد بصورة غير مباشرة، ومن ذلك الحملة المسماة: (مشاريع الإسلام في أفريقيا)، والذي ترعاه جامعة داي استار، ويهدف إلى دراسة الإسلام في كينيا وأفريقيا جنوب الصحراء؛ ليتمكن المنصرون من وضع البرامج المناسبة لتنصير المسلمين، وحملة إيفان إيركسون الموجهة إلى قبائل الماساي في الجنوب الكيني. وفي المبحث الثالث تناولت الدراسة الرحلات والزيارات البابوية، وأشارت الدراسة إلى أن النشاط التنصيري تعرض ـ نتيجة ارتباطه في ذهن الإنسان الأفريقي بالاحتلال الغربي ـ لتهديد جدي من دعوة عدد من الزعماء الأفارقة إلى ضرورة التأكيد على الهوية الأفريقية التي دمرها الاحتلال، مما دفع البابا لأن يعجل بوضع برنامج لإنقاذ النصرانية في أفريقيا من خلال إقامة مسيحية أفريقية طابعها شعار «صنعت في أفريقيا»، وفي هذا الإطار يقول البابا في زيارته لأوغندا عام 1969م: (إن تكييف الحياة المسيحية في المجالات الدعوية، وفي مجالات الطقوس والنشاطات التعليمية والروحية ليس ممكناً فحسب، بل إن الكنيسة تشجعه، وتجديد القداس مثال حي على ذلك، وفي هذا الاتجاه يمكنكم ويجب عليكم أن تكون لكم مسيحية أفريقية). ومن هذا المنطلق فقد عَظُم اهتمام البابوية بأفريقية، وتوالت الزيارات حتى بلغت إجمالي زيارات البابا يوحنا بولس الثاني لأفريقيا بين عامي 1980 - 2000م اثنتي عشرة زيارة، في الوقت الذي لم يسجل لأفريقيا عبر التاريخ الكاثوليكي قبل ذلك إلا زيارة بابوية واحدة. وقد أوضح الباحث أن من الأهداف الرئيسة لتلك الزيارات ـ إضافة إلى دعم الجهد التنصيري ومحاولة إنقاذ النصرانية مما لحق بها من تهمة العمالة لقوى الاحتلال ـ محاربة الإسلام، وفي هذا السياق جعلت مجلة (باري ماتش) عنوان تعليق لها على إحدى الزيارات البابوية (البابا في مجابهة الإسلام الأسود)، وجاء في تقرير لصحيفة هيرالد تربيون الأمريكية على زيارة بابوية أخرى أن البابا يأمل من زيارته (أن يرسي قواعد الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ضد النهضة الإسلامية المتزايدة في القارة)، وأن يقوم (بحثِّ رجال الدين المسيحي بأفريقيا وأتباعهم على زيادة نشاطهم الكهنوتي في القارة لمقاومة المد الإسلامي الجديد جنوباً)؛ مما يؤكد ما أورده الباحث من أن الصد عن الإسلام ومقاومة انتشاره كان أحد الأهداف الحاضرة بقوة في ثنايا زيارات البابا إلى أفريقيا. وأمَّا المبحث الرابع فقد تناول الباحث فيه أساليب تنصيرية مباشرة أخرى، من مثل: 1) دخول المناطق المغلقة من خلال أصحاب الحرف (المنصرين السريين)، والذين يمارسون التنصير المباشر من خلال أعمالهم الاعتيادية في الشركات التجارية ونحوها. 2) استثمار الرقص والغناء في العمل التنصيري نظراً لحب الإنسان الأفريقي العميق للهو والغناء، ولذا فقد دأبت الكنائس على تنظيم حفلات مفتوحة في المنتزهات والكنائس يحضرها النصارى وغيرهم، كما أنهم يعقبون كل خطبة أو صلاة في الكنيسة بحفل غنائي وموسيقى راقص. 3) ما تقوم الكنائس البروتستانتية به من توزيع الإنجيل أو أجزاء منه في الشوارع والأسواق وأماكن تجمعات الناس باللغات واللهجات المحلية. 4) بناء الكنائس في كل مكان، وبخاصة بجوار المساجد. يقول الشيخ هارون أودندو: (إن أسلوب بناء الكنائس حول المساجد خطة أمريكية للتنصير المباشر بدأ تطبيقها عام 1986م؛ بحيث إذا بنى المسلمون مسجداً في أي مكان فإن النصارى يبنون حوله مجموعة من الكنائس قد تصل أحيانا إلى أكثر من سبع كنائس حول المسجد الواحد في الحي، ومثال ذلك حي كرمك داخل نيروبي؛ حيث بنى المسلمون مسجداً قبل ثلاث سنوات، فبنى النصارى حوله 27 كنيسة حتى الآن). وكأنموذج على إكثار النصارى من بناء الكنائس حتى في المناطق ذات الأقلية النصرانية ذكر الباحث أنه لم يكن في ولاية لامو الكينية ذات الأغلبية المسلمة حتى عام 1974م سوى كنيستين، بينما تجاوزت في 2002م ثلاث مئة كنيسة. 5) الزيارات المنزلية للأهالي مصحوبة بالهدايا والأطعمة. يقول الشيخ آدم دويو في مقابلة الباحث معه عام 2001م: (إنه قد تنصر الكثيرون في أيام الجفاف هذه بسبب لقمة العيش، وخرج الأبناء والشباب من بين يدي أهلهم وذويهم بسبب المجاعة ورسوم الدراسة التي تقدمها لهم الكنيسة). 6) الاستدلال بالقرآن الكريم خلال المحاضرات والمناظرات والأنشطة المتنوعة التي يمارسونها، إذ تلزم الكنيسة السبتية مثلاً من ينتمي إليها بحفظ شيء من القرآن الكريم يلبَّس به على عوام المسلمين ويستدل به على صحة مذهبه. وبهذا المبحث يختم الباحث فصله هذا حول أساليب المنصرين المباشرة، وينتقل في فصله الثالث إلى (أساليب المنصرين غير المباشرة)، والذي ضمنه ستة مباحث، جعل عنوان الأول منها: (الخدمات الطبية العلاجية)، وفيه يشير الباحث إلا أن البداية الفعلية للتطبيب كأسلوب تنصيري لم تظهر إلا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي عندما تكونت الجمعيات الطبية في أوروبا وأمريكا، والتي جعلت من الطب مشروعاً تنصيرياً. يقول الطبيب هاريسون: (إن المبشر لا يرضى عن إنشاء مستشفى ولو بلغت منافع ذلك المستشفى كل الإقليم، لقد وُجِدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى)، ويلخص د. كوك دوافع الإرساليات الطبية التنصيرية بقوله: (إن أهداف هذا النوع من البعثات هو أولاً إضفاء الشفقة الدينية على البعثات التبشيرية الحديثة، ولتأكيد حقيقة القرابة بين أفراد الأسرة العالمية، ثم تمهيد الطريق للإنجيل على قلوب بني البشر، وأخيراً معالجة الناس من الأمراض). وقد بدأت الإرساليات التنصيرية في كينيا الاهتمام بالعمل الطبي في عام 1908م، فأنشأت المستوصفات والمراكز الصحية، واتسع الأمر حتى بلغ حجم الخدمات الصحية التي تقدمها الكنيسة الكاثوليكية في عام 1990م ما نسبته 25% من مجموع الخدمات الصحية القومية من خلال 29 مستشفى، و62 مركزاً صحياً، و 196 مستوصفاً، والعديد من المعاهد الصحية لتخريج الممرضين والممرضات، ومراكز رعاية الطفولة والأمومة. كما تشرف الكنيسة البروتستانتية على أكثر من 15 مستشفى، و 21 عيادة، وتملك جماعة الأدفنتشت 10 طائرات تستخدمها لنقل الأطباء والممرضات لعلاج المرضى في الأحراش. وفي هذا السياق تقول إحدى خبيرات الأمم المتحدة في تقرير لها عن الوضع الصحي في كينيا ما نصه: (إن هذه البلاد وإن كانت مفتقرة عموماً إلى معاونة كبيرة للارتقاء بالتعليم بأنواعه، والنواحي الصحية والاجتماعية، واستصلاح الأراضي وزيادة الدخل إلا أن البعثات التنصيرية تغلغلت في كافة أنحاء هذه البلاد حيث تبني المستشفيات والمستوصفات وتساندها الهيئات الدولية المختلفة، وكل هؤلاء يعملون على نشر المسيحية). ويشير الباحث ـ بعد أن ذكر أن المستشفيات التنصيرية تعتبر من أرقى وأحدث المستشفيات في البلاد ـ إلى أنها مفتوحة على مصراعيها أمام النصارى ومن يطمح المنصرون في اصطياده من الوثنيين، بينما يساوم أربابها المسلمين على عقيدتهم مقابل الاستفادة من تلك الخدمات، وليس أمام المسلمين إلا أن يتغلغل في أوساطهم المرض في سبيل الحفاظ على دينهم أو مهادنة المنصرين وإظهار الميل تجاههم على الأقل، وغالباً ما يختارون الطريق الأول. وكان المبحث الثاني بعنوان: نشر الانحلال والتفسخ والاختلاط، وقد أبان فيه الباحث ما تقوم به بعض الكنائس من تنصير الشباب الأفريقي عن طريق الجنس، ومن الجمعيات التنصيرية التي أفرطت في استخدام النساء الجميلات في التنصير (جمعية أبناء الرب وأسرة الحب)، وقد جاء في أقوالها: (إنَّ الخوف من الزنا لم يعد له مكان، وإنَّ عمليتي اللواط والسحاق مباحتان ما دامتا تتمان في جو من الحب) وقال ديفيد جاكس المتحدث باسم الجمعية:(إنَّ تقديم العون الجنسي واجب على كل فرد، وإن أفراد المجموعة من النساء مطالبات بتقديم كل ما يمكن أن يغري أعضاء جدداً، وإنَّه لا بد من تغطية نفقات المجموعة من بيع الجنس إذا اقتضى الأمر). يقول الباحث: (والتنصير عن طريق المرأة أصبح أسلوباً رائجاً عند كثير من الكنائس، وبخاصة في أفريقيا. وفي كينيا يعتبر أمراً مشاهداً ومحسوساً؛ فكم من شاب تنصر بسبب إغراء الفتيات المنصرات له، إما بالصداقة والحب، أو طمعاً بالزواج من إحداهن، وخاصة أن معظم النساء اللاتي يعملن في الكنيسة من الجميلات المتعلمات... ولا سيما منصرات الكنائس البروتستانتية). وليس هذا فحسب؛ فقد فتحت بعض الكنائس نواديَ للشباب للهو والرقص والغناء، كما عمدت بعض الكنائس إلى استغلال وسائل الإعلام في هذا الجانب. جاء في تقرير صادر عن دائرة تنصير الشعوب في الفاتيكان ما نصه: (إن للإعلام في حياة الأفريقي قوة هائلة وتأثيراً عظيماً، وحبذا لو شوشنا به على الإذاعات الأفريقية والعربية التي تذيع القرآن الكريم، وصممنا برامج للمجون والجنس والموسيقى لتذاع في هذه القارة الفقيرة). أما المبحث الثالث فكان عن محاربة المنصرين للغة العربية وسعيهم لمنع انتشارها على اعتبار أنها لغة القرآن الكريم، وفي المقابل تشجيعهم انتشار اللهجات المحلية لتحل محل اللغة العربية، وتدوين اللغات المحلية حتى المسموع منها فقط بالحرف اللاتيني، وقد شملت الحملة على اللغة العربية معاداة اللغات التي تكتب بالحروف العربية، كاللغة السواحيلية، والتي تشكل الألفاظ العربية 30% من مفرداتها. وجاء المبحث الرابع من هذا الفصل بعنوان: (الإغاثة واستغلال الظروف والكوارث الطبيعية)، وأشار فيه الباحث إلى استغلال الكنائس لعوز الناس في التنصير، وبخاصة في أوقات الجفاف والحروب والأزمات، والتي إذا لم توجد قامت الكنيسة باختلاقها، وهذا ما نص عليه مؤتمر كلورادو؛ إذ جاء في إحدى فقراته: (لا بد من وجود أزمات معينة ومشكلات وعوامل إعداد وتهيئة تدفع الناس أفراداً وجماعات خارج حالة التوازن التي اعتادوها، وفي غياب مثل هذه الأوضاع فلن تكون هناك تحولات كبيرة للنصرانية). والتنصير هو باعث المنصرين لإقامة برامج إغاثية، يقول المنصر رايد: (إننا نحاول أن ننقل المسلم من محمد إلى المسيح، ونحن لا نحب المسلم لذاته، ولا لأنه أخ لنا في الإنسانية، ولولا أنَّا نريد أن ننقله إلى صفوف النصارى لما ساعدناه)، وفي هذا السياق يقول الباحث:: (وكم حفر النصارى بئراً في مناطق المسلمين الجافة، ولما لم يتنصر أحد هدموها، كما حدث ذلك في شرق السودان). أما المبحث الخامس فتناول الباحث فيه سيطرة المنصرين على وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم، وقد ابتدأ حديثه عن توظيف الكنيسة لوسائل الإعلام ووسائل الاتصال المتنوعة في التنصير، فذكر بأنها افتتحت محطات للإذاعة وأخرى للتلفاز خاصة بها، وأنشأت مراكز للتدريب الإعلامي والإذاعي، إضافة إلى استئجارها ساعات بث في المحطات الحكومية، وأسست عدداً كبيراً من الصحف والمجلات الدورية والنشرات، كما أنشأت العديد من دور النشر والمكتبات والتسجيلات. ثم عرج الباحث على سيطرة المنصرين على مؤسسات التعليم، ونقل عن الكاردينال تامكو أحد زعماء حركة التنصير في أفريقيا قوله: (إذا أردتم لأفريقيا النصرانية ديناً لها فسيطروا على التعليم ودور الثقافة والنشر وإنشاء المدارس الخاصة والعامة، وافتحوا الباب أمام المسلم الفقير لتجعلوه يعرف فضل المسيحية عليه، وفي نهاية الأمر سيكون نصرانياً أو يفكر بتفكير النصارى ويتعامل مع دينه انطلاقاً من الحقائق المسيحية؛ فلا يصدق عليه كلمة أنه مسلم وإن لم يمر بالتعميد). وفي كينيا تمكنت الإرساليات التنصيرية من السيطرة على مؤسسات التعليم بشكل كبير، وتشير الدراسات إلى أن 95% من مؤسسات التعليم تقع تحت إشراف الكنائس والبعثات التنصيرية، ولذا فقد كان التعليم أنجح أسلوب اتخذته الكنيسة للتنصير، سواء أكان ذلك من خلال مدارس التعليم العام في الأحراش والمدن، أم من خلال التعليم الجامعي؛ إذ ـ بالإضافة إلى الأقسام الدينية التابعة للجامعات الوطنية الثلاث ـ وصل عدد الجامعات التي تؤهل الطلاب في الدراسات اللاهوتية إلى أكثر من 12 جامعة ومعهداً من خلال مراكز التدريب المهني المنتشرة بكثرة في البلد. وفي المبحث السادس تناول فيه الباحث أساليب تنصيرية أخرى غير مباشرة، من مثل: 1) الحوار، الذي يهدف المنصرون من رفع لوائه إلى تغيير الشكل القسري للتنصير إلى نمط جديد قائم على المعايشة ومستند على الحوار؛ لتتم عملية التنصير بأقل تكلفة وبأقل قدر من المقاومة، يقول كليمون واصفاً حوار المنصرين: (إن هذا الحوار عبارة عن عملية تغليف لحبة قديمة كانوا يفرضونها قهراً على الشعوب فيما مضى). 2) عرض النصرانية في ثياب إسلامية، أو على حد تعبير د. ستانلي: (البحث عن بعض التقاليد والصيغ الإسلامية التي يمكن استخدامها بمحتوى نصراني)، بحيث يكون الشكل إسلامياً والمحتوى نصرانياً، ومن ذلك إنشاء مساجد تسمى المساجد العيسوية، وتسمية المتنصرين بأسماء إسلامية ومحاكاة الأناشيد الإسلامية ومجالس الذكر الصوفي، ونحو ذلك. 3) تشويه الإسلام وإلصاق الافتراءات به، من مثل إلصاق تهمة الرق به بينما جاءت الكنيسة لتخلصهم. يقول الرئيس الكيني السابق مهاجماً الإسلام: (إن المسلمين يكرهون غيرهم، وإن الإسلام كان وراء تجارة العبيد)، متناسين مَنْ وراء المجيء بملايين السود إلى أمريكا وأوروبا، ومن وراء الاضطهاد والتمييز العنصري الذي ما زال يعاني من آثاره الإنسان الأسود في أوروبا وأمريكا إلى اليوم. 4) التخويف من انتشار الصحوة الإسلامية، وفي ذلك يؤكد رئيس الكنيسة الإنجلكانية في كينيا على أن الأصولية الإسلامية تشكل تهديداً لوجود الكنيسة ونموها في كينيا، وفي القارة كلها، وأن المسلمين ينفقون ملايين الدولارات البترولية لتحويل المسيحيين إلى الإسلام، ويقول سكرتير عام المؤتمر الأفريقي للكنائس: (إنه في حين تدرك الكنيسة الأفريقية تطور المسيحية في القارة؛ فإن عليها أن تعالج الأصولية الدينية)، ويقول الأرشيبيشوب نوتو: (الموضوع الحقيقي أن الأصولية الإسلامية كمسألة تحد). 5) إعداد الزعماء والقادة، وفي هذا الإطار يقول سارتر - أحد دهاقنة التنصير في مقدمته التي صدر بها كتاب المعذبون في الأرض للمفكر الأفريقي فرانس فانون، موضحاً أسلوب صناعة الغرب للزعماء ما نصه: (كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء من أفريقيا وآسيا ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريس، فتتغير ملابسهم، ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو، ويتعلمون لغاتنا، وأساليب رقصاتنا وركوب سياراتنا ـ إلى أن يقول ـ: وكنا ندبر لبعضهم زيجات أوروبية ثم نلقنهم أسلوب الحياة الغربية، كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا ثم نرسلهم إلى بلادهم، وأي بلاد! بلاد كانت أبوابها مغلقة في وجوهنا، ولن نجد منفذا إليها، كنا بالنسبة لهم رجساً ونجساً، لكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم كنا نصيح في أمستردام، أو برلين، أو باريس: (الإخاء البشري)، فيرتد رجع أصواتنا من أقاصي إفريقيا، أو الشرق الأوسط، أو شمالي إفريقيا، كنا نقول: ليحل المذهب الإنساني - أو دين الإنسانية - محل الأديان المختلفة، وكانوا يرددون أصواتنا هذه من أفواههم، وحين نصمت يصمتون، إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم). 6) دراسة المجتمعات؛ بغرض تحديد أفضل المداخل والطرق لممارسة العمل التنصيري في تلك المجتمعات، من خلال استغلال نقاط الضعف فيها. أما الفصل الرابع فقد جاء بعنوان: (كيفية مواجهة أساليب المنصرين والجهود المبذولة في ذلك). وقد اشتمل على أربعة مباحث: أولها: تناول (جهود الهيئات والمنظمات الإسلامية الخارجية)، التي تمارس العديد من المناشط التعليمية والدعوية والإغاثية في كينيا، تمكنت من خلالها ـ رغم محدودية الإمكانات والجهود ـ من الإسهام بصورة ملحوظة في تحسين أوضاع المسلمين، كما شدت من أزر المؤسسات الإسلامية المحلية القائمة، وبرز عبرها نوع من المنافسة لجهود المنصرين، كما ساهمت في حماية المسلمين وتحصينهم من هجمات المنصرين. ثم ختم الباحث مبحثه بالإشارة إلا أن بوابة نضج الجهود وقدرتها على المنافسة تتمثل بتنويع الجهود وتحقيق التكامل بينها، وبالتوسع في الاعتماد على أبناء القارة في حمل لواء العلم والدعوة، والعناية بتأهيل العاملين في حقول التعليم والدعوة والإغاثة، وتوفير متطلبات العمل المؤسسي، ونحو ذلك. أما المبحث الثاني فقد تناول فيه الباحث (جهود المنظمات والهيئات والمؤسسات الإسلامية الداخلية)، وابتدأه بتوطئة أشار فيها إلى أنه على الرغم من أن المسلمين يمثلون أكبر تجمع ديني في كينيا 35% من السكان، إلا أن توزعهم في مناطق الدولة أفقدهم التأثير في مجريات الأمور وأحداثها في البلاد، واستشعاراً لهذا الخطر تمت المبادرة إلى تكوين روابط مختلفة تهدف إلى الرقي بواقع المسلمين داخل الدولة حتى أصبحت بكثرتها (52 جمعية ومؤسسة) واحدة من المشكلات التي تواجه المسلمين في كينيا، إذ بدلاً من أن توحد الجهود شتتتها وصار معظمها غير نشيط، وعامة مناشطها في حقول التعليم والدعوة، وبعض المناشط الاجتماعية كالمستوصفات ودور الأيتام ومساعدة المعوزين ونحو ذلك من البرامج والأنشطة التي أسهمت في الحفاظ على هوية المسلمين من الضياع. وتحدث المبحث الثالث عن الجهود الفردية للعلماء والدعاة، الذين كان لهم أثر ظاهر في انتشار الدعوة الإسلامية في كينيا، ومقارعة المنصرين والتيارات المنحرفة كالقاديانية والرافضة وغلاة الصوفية ونحوها. وقد كان من ثمار تلك الجهود المباركة ازدياد وعي المسلمين بما يجري من أحداث، ومطالبتهم بحقوقهم ولجوئهم إلى المحاكم حين وقوع ضيم حسي أو معنوي من النصارى عليهم، وهذا كما يقول الباحث مما يبشر بخير كثير. وجاء المبحث الرابع بعنوان: (الجهود المقترحة في مواجهة الغزو النصراني الحقيقي الذي تعرضت له كينيا والمسلمون فيها)، وأشار الباحث في تمهيده لهذا المبحث إلى العوامل التي ساعدت على هيمنة هذا الغزو، فذكر منها: استثمار المنصرين للكوارث والأزمات، واعتماد ضَعَفَة المسلمين ـ بل وغيرهم ـ على الهيئات التنصيرية في مجال التعليم والصحة ودور الأيتام والعجزة، ووجود مئات المنصرين المدربين؛ يقابله ضعف في جهود المسلمين وإمكاناتهم مقارنة بإمكانات المنصرين. ثم عرج على الجوانب التي يرى فيها حلاً لمواجهة خطر التنصير، فذكر من ذلك: 1) التحصين الذاتي، حتى لا تجد دعوات المنصرين فراغاً روحياً وضعفاً عقدياً لدى المسلمين يمكنها من التغلغل في أوساطهم، ويشير الباحث إلى أن نجاحات المنصرين الكبيرة كانت في أوساط الوثنيين، أما أعداد من تنصر من المسلمين فكان محدوداً، لكن أثر المنصرين الكبير عليهم تمثل في إغراقهم في بحور الشهوات، وإزالة عقيدة الولاء والبراء من نفوس كثير منهم تجاه النصارى، مما يحتم على المصلحين سرعة المبادرة برفع شعار: (التربية أولاً)، حتى لا ينخدع الشباب المسلم أو تنطلي عليهم أفكار القوم المسمومة. 2) إعادة التخطيط للدعوة الإسلامية، والعمل على تطوير وسائل الدعوة وأساليبها بما يتوافق مع تحديات المرحلة، وما نعيشه في عصرنا من تطورات؛ إذ لا بد من الاهتمام ـ إضافة إلى العناية بتعليم الإسلام ـ بالحاجات المرتبطة بالنهضة بالمجتمع الكيني الكبير حتى يتمكن المسلمون من تبوُّء مكانهم الطبيعي في البلاد. 4) عدم الانسياق وراء ردود الفعل؛ إذ يقوم النصارى بأعمال استفزازية، تغضب المسلمين وتجرح مشاعرهم، فيقومون بردة فعل معاكسة نابعة من العاطفة، وغالباً ما تكون غير مدروسة؛ لأن تحكم المسلمين بأفعالهم يفقد المنصرين زمام المبادرة، والقدرة على توجيه المسلمين الوجهة التي يريدونها. 5) تعاون الدول والشعوب الإسلامية، حتى يتم إحباط المخطط الغربي في عزل مسلمي كينيا عن إخوانهم المسلمين في المناطق الأخرى من العالم، وحتى يتم الرفع من قدرات المسلمين هناك في ظل معركة غير متكافئة بين المسلمين والمنصرين من حيث الإمكانات. 6) نقد وإظهار بطلان عقائد النصارى، والتي شابها التبديل والتحريف في إطار موضوعي يعرِّي عقائد القوم وما هم عليه من زيغ، ويظهر محاسن الإسلام، وينقض الشبه التي يثيرها المنصرون حوله، مما سيمكن من نقل المعركة إلى داخل معسكر المنصرين وإشغالهم بأنفسهم، وأشار الباحث في هذا الجانب إلى إمكانية الاستفادة من الدراسات الموضوعية لشخصيات نصرانية في القديم والحديث توصلت من خلال البحث العلمي المتجرد إلى بطلان عقائد النصارى المحرفة، ووجود تحريف متعمد للكتاب المقدس، وتناقضات صارخة بين نُسَخِه. 7) الاهتمام بالدراسات التنصيرية، من خلال إنشاء مؤسسات ومراكز متخصصة ومستقلة تهتم بتلك الدراسات، لتمكِّن الدعاة والمصلحين من وضع خطط فعالة لمواجهة الغزو التنصيري. ثم يذكر الباحث أنه لا أقل ـ في حال ضعف الإمكانات ـ من أن تقوم المؤسسات العاملة في الساحة بإنشاء وحدة داخلها تهتم بهذا الجانب. 8) تنشيط مشروعات البر الخيرية، لأن مواسم الجفاف وأوقات الأزمات، ومراحل الضعف هي مدخل المنصرين للتأثير على المسلمين، مما يحتم على أهل اليسار من المسلمين في كينيا وخارجها سرعة المبادرة إلى دفع شبح التنصير عن إخوانهم. واختتم الباحث دراسته القيمة بخاتمة موجزة تضمنت أهم نتائج البحث، والتي تمثلت بـ: - ارتباط دخول النصرانية الأخير إلى أفريقيا بما يسمى بحركة الكشوف الجغرافية. - تقوي وجود المنصرين في أفريقيا بدخول قوى الاحتلال الأوروبي فيها، والتي فتحت الأبواب أمام المنصرين على مصراعيها. - التقاء جهود الاحتلال الأوروبي مع أهداف المنصرين في محاربة الإسلام وحضارته وثقافته العربية، والتي كانت سائدة في المنطقة لعدة قرون. - استغلال مؤسسات التنصير لحالات الجفاف والفقر التي يعاني منها كثير من المسلمين لتقدم لهم خدماتها وسط إقامة طقوسها وبرامجها التنصيرية. - أن الجهد التنصيري ما زال حاضراً بقوة في كينيا، وتدعمه مؤسسات قوية وإمكانات ضخمة. - أنه لا يمكن درء خطر التنصير إلا بتكثيف الجهود الدعوية من قِبَل المسلمين، لا سيما والإسلام يحظى بنور الحق الذي يحمله بقبول سريع في أوساط الأفارقة متى وجد من يقدمه لهم بطريقة مناســبة مــع بعــض الاحتياجات الضــرورية التي لا تجعلهم يلتفتون إلى المؤسسات الكنسية. وبعد: فقد كان ما سبق عرضاً لأهم ما جاء في هذه الأطروحة القيمة، والتي سطرها صاحبها بشعور بين بالمسؤولية الدعوية من خلال رؤية منهجية واضحة، مدعمة بنقولات قيمة عن أساطير التنصير وبدراسة ميدانية تعري الصورة الحسنة التي تريد أن تظهر الكنيسة بها نفسها أمام الإنسان الأفريقي فائق البساطة، وفي الظن أن الرسالة ستكون أكثر حسناً لو ركز فيها أكثر على الجانب التحليلي، واعتنى بصورة أفضل بجانبي الصياغة اللغوية وتبويب الرسالة. نسأل الله ـ عز وجل ـ أن يوفق الباحث لإخراج أطروحته للنور قريباً لتكون إضافة جليلة للمكتبة الدعوية، وأن يتشجع عدد من أبناء القارة الأفريقية لتقديم العديد من الدراسات العميقة المجلية لحقيقة الجهد التنصيري والاحتلال الغربي ونهبه البشع لخيرات القارة وإمكاناتها غير المحدودة؛ إنه على كل شيء قدير. لقراءة الكتاب اضغط هنـا |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق