الخلافة الراشدة.. وخلافة المهدي!

د. حاكم المطيري 

 أستاذ التفسير والحديث

جاءني هذا السؤال: هل الخلافة الراشدة التي ستكون في أخر الزمان هي خلافة المهدي؛ وإن كنتم تعتقدون أنه ليس شرطاً فنرجوا التفصيل بالأدلة، علماً أننا ليس بين يدينا نصوص قطعية الدلالة والثبوت بشأن عودة أي خلافة وراشدة سوى المذكورة في ذلك الحديث المعروف (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)؟

وأجبت بالتالي:

الأدلة على عودة الخلافة أكثر من أن تحصى من القرآن والسنة، وليست قضية ظنية، بل هي قطعية، وليست فقط حديث:

(ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)،

وإن كان هذا الحديث وحده كاف في البشارة بعودتها،

كما حديث فتح القسطنطينية ونحوه من البشارات، التي تحققت بعد قرون من عهد النبوة، وهي من المعجزات الخبرية ودلائل النبوة ..

فمن الأدلة على عودة الخلافة عموم قوله تعالى ‏

﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم﴾

وهو وعد قائم إلى قيام الساعة باستخلاف المؤمنين كلما نصروا الله ودينه ‏﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾ ..

ومنها وعده سبحانه بظهور الإسلام على كل الأديان إلى قيام الساعة ‏﴿ليظهره على الدين كله﴾ وإنما يتحقق ذلك بظهور أهله واستخلافهم في الأرض: (حتى لا يبقى بيت حجر ولا وبر إلا دخله هذا الدين)، كما في الحديث الصحيح، وهو ما لم يتحقق حتى الآن..

ومن الأحاديث الصحيحة

حديث جابر وأبي سعيد الخدري عند مسلم وأحمد وابن حبان في صحيحه عن أبي نضرة،

قال: كنا عند جابر بن عبد الله، قال: (يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز، ولا درهم، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذلك،

ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار، ولا مدي، قلنا: من أين ذاك؟ من قبل الروم يمنعون ذاك،

قال: ثم سكت هنيهة، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أمتي خليفة، يحثو المال حثوا، لا يعده عدا)،

وفي لفظ عن أبي سعيذ الخدري:

(يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده)، وفي لفظ (من خلفائكم خليفة يحثو المال حثيا، لا يعده عددا)،

وعند أحمد: (يكون في آخر أمتي خليفة، يحثو المال حثوا، لا يعده عدا)، وفي لفظ؛ (ليبعثن الله عز وجل في هذه الأمة خليفة، يحثي المال حثيا، ولا يعده عدا)..

وواضح من سياق الحديث

أن الخليفة يكون في آخر الزمان، بعد حصار الروم والعجم للأمة، ففيه بشارة لها بالفرج بعد الشدة، والظهور والاستخلاف بعد الحصار والاستضعاف،

ولم يحدث أن حاصر الروم والعجم العراق والشام في آن واحد كما جرى في هذه الأحداث المعاصرة اليوم!

ولا علاقة لهذه البشارات -بعودة الخلافة- بالمهدي وظهوره،الذي يتزامن مع نزول عيسى، والذي قد يصدق فيه ما جاء في الحديث الصحيح عند مسلم في أشراط الساعة الأخيرة ولفظه:

(لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم،فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة).

فالمهدي يكون في آخر الزمان مع خروج الدجال ونزول عيسى، بينما بشارات عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي قبل ذلك بعد الحكم الجبري،حتى يفتح المسلمون في ظلها روما كما فتحوا القسطنطينية،وهو من وعد الله بظهور الإسلام على الدين كله الذي يتحقق تباعا وشيئا فشيئا..