الاثنين، 22 أغسطس 2022

رسالة ثانية إلى منظمة التعاون الإسلامي بعد توزيع مصاحف بألوان المثليين

 رسالة ثانية إلى منظمة التعاون الإسلامي بعد توزيع مصاحف بألوان المثليين


         

محمود عبد الهادي

قمة منظمة التعاون الإسلامي من أجل القدس عام 2018 (رويترز)

هذا رسالتي الثانية المفتوحة إلى قادة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، إلحاقا برسالتي السابقة التي طالبت فيها بعقد قمة طارئة للاستعجال في تسريع إجراءات تفعيل البند 40 من البيان الختامي لقمة المنظمة الـ14 المنعقدة في مكة المكرمة عام 2019م، والذي دعا إلى "العمل على التصدي للمحاولات التي تقوم بها بعض الجهات لاستغلال اللقاءات والقنوات الدولية لتمرير سياسات وإستراتيجيات في أجندة الأمم المتحدة، مثل المثلية والميل الجنسي".

وتأتي رسالتي هذه إثر المعلومات التي انتشرت عن وجود مصاحف مطبوعة بألوان المثلية الجنسية داخل أحد المساجد في مدينة الجهراء بدولة الكويت مؤخرا، وأوضحت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية أن هذه المصاحف وُجدت في مسجد غير مرخص ولا يتبع الوزارة. وأثارت هذه الحادثة أسئلة كثيرة لدى المتابعين حول الجهات التي طبعت المصاحف، والجهات التي نقلتها، وقامت بتوزيعها، والآلية التي تم بها ذلك، والجهات التي تقف وراءها ودوافعها من ذلك.

الأمر في غاية الجدية والخطورة، ولا ينبغي التأخر أكثر من ذلك في القيام بالمعالجة اللازمة له، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وأنتم أهل لذلك، بما تمثلونه من قوة ديموغرافية وسياسية واقتصادية، ومكانة إستراتيجية، وثقل في المحافل الدولية ينبغي ألا يستهان به

الأمر في منتهى الخطورة!

لم تكن هذه المرة الأولى أو الوحيدة لمثل هذه الواقعة، فقد ظهرت في وقت مبكر عام 2017 في المغرب، وفي العام نفسه نشر المدعو علي أمجد رضوي (كندي ملحد من أصل باكستاني) صورة لمصحف ملون مع أخرى لفتاتين بلباس إسلامي شرعي تحملان علم المثليين. وفي أواخر يونيو/حزيران الماضي، تم ضبط أكثر من 80 نسخة من هذه المصاحف في الجزائر، وذكرت التحقيقات أنها مطبوعة في دول عربية وأجنبية، وهو ما تستطيع أن تتبينه بسهولة عندما تبحث عن هذه المصاحف في شبكة الإنترنت، حيث تجدها تباع في كثير من المواقع التي تحمل أسماء إسلامية، مثل متجر الإيمان (imaanshop.com) في الولايات المتحدة، ودار السلام (dsbook,com.au) وأمتي (myummah.com.au) والصّفّة (suffa.com.au) في أستراليا.

هذا النوع من الطباعة يشير إلى ظاهرة خطيرة جدا بدأت تتشكل في الدول الإسلامية، وفي أوساط الجاليات الإسلامية في الدول الغربية، هي تأكيد الهوية الإسلامية للمنتمين إلى طائفة (LGBTQ+) من المسلمين، التي تتجسد في كثير من التجليات التي تزدحم بها منصات التواصل الاجتماعي، ومن بينها:

  • إضافة الهلال (الرمز الإسلامي) إلى علم المثليين.
  • تصميم حجاب للرأس بألوان المثليين باختلاف أنواعهم.
  • تعبير المثليين المسلمين من الجنسين عن إصرارهم على الهوية الدينية الإسلامية.
  • مشاركة مجموعات من المثليين المسلمين في المناسبات الدينية.
  • إظهار مجموعات من المثليين المسلمين.
  • إدخال اسم الإسلام في مختلف الأنشطة والفعاليات التي يقومون بها.
  • تنظيم ندوات وورش عمل حول علاقة الإسلام بالمثلية الجنسية، من زوايا تعالج عقدة الذنب للمنتسبين لها من المسلمين والمسلمات.
  • تقديم تفسيرات غريبة لبعض النصوص الدينية من القرآن والسنة، تظهر تسامح الإسلام مع أنشطة المثليين.
  • استضافة شخصيات مسلمة منتسبة لهذا التيار في منتديات عالمية مشهورة مثل "تيد" (TED)، وتشجيعها، وإظهار الدعم والتأييد لها.
  • إدراج الإشارات التي تدل على الإسلام والمسلمين في الشعارات والتصميمات التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة الداعمة لهذا التيار.

فالهوية الدينية للمسلمين المنتمين لتيار المثليين تمثل أحد أركان البناء الفكري لنشر أفكارهم، وتعزيز وجودهم في الدولة والمجتمع، بما يحقق لهم المساواة والتمكين والرعاية الصحية، والتسلل إلى سائر الهياكل السياسية والاقتصادية والدينية، وفي مقدمة هذه الأركان:

  • المشروعية الدينية، التي تعالج البعد الروحي الناجم عن الشعور بمخالفة تعاليم الله.
  • الاندماج الاجتماعي، الذي يحقق التطبيع الكامل لأصحاب هذا التيار مع فئات المجتمع المختلفة، من دون تمييز أو تحقير أو ترهيب.
  • المشروعية البيولوجية، التي تحقق الاقتناع الذهني والنفسي لأصحاب التيار بأنهم والآخرين أشخاص طبيعيون، من حيث النوع الجنسي والميل الجنسي.
  • الحماية القانونية، التي تمنع الأفراد -أيا كانت علاقاتهم بالمنتمين لهذا التيار- من القيام بأي أعمال ضد المنتمين للتيار، قد تشكل تهديدا لسلامتهم المادية والنفسية.
  • بناء الأجيال القادمة على أسس جديدة تضمن لهم الانخراط في هذا التيار والانسجام التام معه من دون محاذير دينية أو اجتماعية.

ولهذه الأركان تفاصيل كثيرة، ربما نتناولها في رسالة قادمة إن شاء الله.

الهوية الدينية للمسلمين المنتمين لتيار المثليين تمثل أحد أركان البناء الفكري لنشر أفكارهم، وتعزيز وجودهم في الدولة والمجتمع، بما يحقق لهم المساواة والتمكين والرعاية الصحية، والتسلل إلى سائر الهياكل السياسية والاقتصادية والدينية

هل سيتكرر المشهد بعد 40 عاما؟

يوم 29 يونيو/حزيران 2009م، شهدت العاصمة الأميركية واشنطن حدثًا تاريخيًّا يعد الأول من نوعه، كان بمثابة ذروة انتصار الحركة المثلية في الولايات المتحدة، حيث استقبل الرئيس الأسبق باراك أوباما 300 شخص من نشطاء المثليين في البيت الأبيض، لإحياء الذكرى 40 لأعمال الشغب في خمارة "ستونوول" (Stonewall Inn) في قرية غرينوتش (جنوب مدينة مانهاتن في ولاية نيويورك)، التي كانت مملوكة لمجموعة من رجال المافيا. هذه المواجهات التي كانت سببا في قيام المثليين بتأسيس ما يعرف بـ"جبهة التحرير المثلية" (GLF). وتكلّم الرئيس أوباما بفخر شديد عن هذه المواجهات التي قام بها بضع مئات من المثليين الذين كانوا يرتادون الخمارة ومن الأحياء المجاورة لها، وبين أفراد الشرطة التي كانت تحظر أنشطتهم في ذلك الوقت، حيث أثنى على المجموعة التي قامت بهذه المواجهات "لرفض سياسة التمييز الوحشي ضدهم"، وقلل أوباما من شأن أولئك الذين "ما زالوا متمسكين بالحجج البالية والمواقف القديمة"، التي ترفض العلاقات الجنسية المثلية، وتعدّها خاطئة وفقًا للكتاب المقدس، وترى الزواج اتحادًا بين رجل وامرأة فقط.

وأثنى الرئيس أوباما على "فرانك كاميني" أحد الذين شاركوا في المواجهات، وكان حاضرًا في الاستقبال، ووصفه بأنه "رائد شجاع في مجال حقوق المثليين ومُحرر جنسي من النوع الأكثر تطرفًا"، رجل كتب في عام 2008م يقول "دعونا نتمتع بمزيد من الانحرافات الجنسية بشكل أفضل، بأي تعريف كان، من قبل المزيد والمزيد من البالغين المتراضين"، و"إذا كانت البهيمة مع الحيوانات المتوافقة توفر السعادة لبعض الناس، فدعهم يسعون وراء سعادتهم"؛ و"دعنا نتمتع أكثر وأفضل بمواد إباحية أكثر وأفضل"، رجل قال "إن إله الكتاب المقدس متعصب خاطئ معاد للمثليين، ويحتاج إلى التوبة"، ثم عقّب الرئيس أوباما بقوله "ولذا نحن فخورون بك يا فرانك، ونحن ممتنون لك لقيادتك".

40 عامًا حقق فيها أصحاب هذا التيار تدريجيًّا مكتسبات كبيرة جدا في مختلف المجالات، وربما كان ما تحقق في 13 عاما التالية لها؛ من عام 2009م حتى الآن، يعادل ما تحقق في 40 عاما أو يزيد، على كافة الأصعدة، حتى وصلت نسبتهم إلى نحو 6% من إجمالي السكان في الولايات المتحدة، ويتوقع أن تصل إلى 20% بعد 10 أعوام. وهذا يسير باضطراد منقطع النظير في سائر الدول الغربية، وفي مقدمتها كندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا.

فهل سينتظر قادة المنظمة 40 عامًا قادمة ليعيدوا مشهد الرئيس أوباما، ويستقبلوا رواد الحركة المثلية في بلدانهم بمزيد من الإشادة والتقدير والفخر؟

إن الأمر في غاية الجدية والخطورة، ولا ينبغي التأخر أكثر من ذلك في القيام بالمعالجة اللازمة له على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وأنتم أهل لذلك، بما تمثلونه من قوة ديموغرافية وسياسية واقتصادية، ومكانة إستراتيجية، وثقل ينبغي ألا يستهان به في المحافل الدولية، فما يجري بين ظهرانينا في هذا الزمان يجري وفق خطة مرسومة، وإجراءات عمل مجربة، وسياسات غاية في الدقة والانضباط، وسنتناولها في رسالة قادمة بإذن الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق