علامة استفهام (34) لماذا يفترق الحبيبان؟
أسعد طه
(1)
يقعان في الحب، يزلزل الغرام حياتهما، يقرران الارتباط ليعيشا معًا حتى الموت، تعترضهما مشاكل عديدة من عائلتهما ومن المجتمع، يواجهان الأمر بشجاعة وصبر وينتصران، يتزوجان، وبمجرد أن تمضي سنوات قليلة حتى يقررا الافتراق، يمتدح كل منهما الآخر، لكنهما يقرران الانفصال. يسأل الجميع: ماذا حدث؟ ما الذي قلب الأمور رأسًا على عقب؟
(2)
هل يتغير الإنسان؟
وهل هناك إنسان لا يتغير؟ بل هو يتغير بطريقة عجيبة ومخيفة أحيانًا، الشخص الذي ارتبطت به، أصبح اليوم كائنًا آخر، ربما لا صلة له بهذا الذي اخترته رفيقًا للعمر.
لا علاقة للأمر بالأخلاق، وهي ليست المقصودة هنا.
وإنما المقصود هُوية الشخص، صفاته، مزاجه، أفكاره.
نعم.. الأصل أن يتغير الإنسان، بل بقاء المرء على ما هو عليه لـ20 و30 عامًا أمر غير منطقي، الإنسان يجدد نسخته كل فترة تمامًا كما نفعل مع أجهزتنا الإلكترونية، يحدث ذلك عن عمد أو دون عمد، الحياة اليومية التي نمر بها، وتجاربنا التي لا تنتهي؛ لا تتركنا كما كنا أبدًا.
أنتغير إلى الأفضل أم نتغير إلى الأسوأ؟
لكل فرد حالته، بل ربما يكون لمن حوله آراؤهم المتناقضة فيه، فهناك من يرى أن الشخص المقصود طور نفسه وأصبح نسخة أفضل، وهناك من يرى أن النسخة المستحدثة بائسة، وهذا ينطبق على الطرفين.
إذن أصبح لدينا نسختان، لكل طرف نسخة جديدة، فهل تتوافق النسختان الجديدتان كما توافقت النسختان القديمتان؟
الأمر مخيف، ومثير للرعب، أن تستيقظ في الصباح فتجد رفيق الحياة وقد فقد رغبته فيك، فقد شغفه بك، فقد جنونه بوجودك.
(3)
هل كان هذا يحدث لآبائنا وأجدادنا؟
لا يمكن المقارنة، لكل جيل خصوصيته، وظني أن إيقاع الزمن الآن أسرع كثيرا جدا من الزمن الذي عاشه آباؤنا، لذا فإن التغييرات التي تلحق بنا سريعة جدا أيضا.
كان آباؤنا في أغلبهم يولدون ويعيشون في بلدانهم، حياة مستقرة إلى حد ما، أما هذا الجيل، فإنه يواجه فتنًا ومحنًا ضارية بفعل التطورات السياسية، يستوي في ذلك الذين هاجروا والذين بقوا، أحداث عاصفة، وبركان أفكار، وأزمات اقتصادية خانقة، ووسط ذلك كله يصعب على المرء البقاء كما هو، هادئا مستقرا، يذهب إلى عمله، ويعود منه هادئ البال.
(4)
هل يمكن أن تنطفئ المشاعر فجأة؟
ولم لا؟!
لماذا ننسى أن تلك المشاعر قد ولدت فجأة، دون سبب واضح، تعلق القلبان ربما من النظرة الأولى، دون أي حسابات، لقد اختارها هي بالذات رغم أن هناك من هو أجمل منها، لقد اختارته هو بالذات رغم أن هناك من هو أفضل مقدرة وحالًا، غير أن كل واحد قد اختار رفيقه لأسباب مجهولة، لا يعرفها الشخص نفسه، إنما قلبه يدفعه دفعًا، لذا -وكما ولدت هذه المشاعر دون سبب واضح- فإنها قد تموت دون سبب واضح للأسف.
الأمر مخيف، ومثير للرعب، أن تستيقظ في الصباح فتجد رفيق الحياة وقد فقد رغبته فيك، فقد شغفه بك، فقد جنونه بوجودك.
للأسف في أي علاقات إنسانية ليست هناك أي ضمانات لاستمرارها، لا يمكن أن تتخذا إجراءات ما قبل الارتباط تضمن لكما الاستمرار على ما تحبان، وأن الرفيق لن يتغير.
لكني لا أظن أن هذا يحدث فجأة، لقد كانت هناك علامات ومؤشرات لم تنتبها لها، ولم تعملا على علاجها، والأسباب التي تؤدي إلى ذلك كثيرة ومتعددة:
الروتين -مثلًا- الذي لم تفكرا في كسره، الحياة اليومية المملة، المستمرة والمتواصلة بنفس طقوسها دون انقطاع، لا عطلة أسبوعية ولا سنوية.
تدخلات العائلتين، نصائح الأصدقاء بحسن نية أو بسوء نية، قد تورِّط الطرفين في ما هو أسوأ.
مفاهيم كل طرف عن الحياة الزوجية، وعن دوره فيها، وعن آلية العلاقة مع الطرف الآخر، مع ما يعتقده البعض بأنها أشبه بحرب يجب خوضها بضراوة، والانتصار على الخصم (الحبيب)، وإثبات الذات والوجود.
اختلاف الثقافات والمعتقد، بين جنسيتين مختلفتين، لتتحول حالة الانبهار بالآخر إلى حالة الرفض له.
النكد الذي يجيده أحدكما، ويجده سببا لإظهار القوة والسيطرة، في حين أن الطرف الآخر يرغب في الحياة، ويريد أن يعيشها سعيدًا فرحًا.
ربما السفر والغياب، الذي يلهب الشوق في البداية، ثم ما يلبث أن ينقلب إلى برود في المشاعر.
ألفُ سبب وسبب، وألفُ علامة وعلامة، لكنكما لم تنتبها لها.
(5)
هل يمكن تجنب ذلك؟
في أغلب الأحوال نعم.
إذا كان الطرفان بداية يؤمنان بأن الزواج أكبر من اللحظة التي يوقّعان فيها على شهادة رسمية أمام المأذون.
يؤمنان بأن الزواج مشروع للحياة، مؤسسة تحتاج إلى الإدارة، والرعاية والصيانة والتجديد.
وهل هذا يضمن ألا يفترق الحبيبان؟
للأسف في أي علاقات إنسانية ليست هناك أي ضمانات لاستمرارها، لا يمكن أن تتخذا إجراءات ما قبل الارتباط تضمن لكما الاستمرار على ما تحبان، وأن الرفيق لن يتغير.
نعم حسن الاختيار يقلل من احتمالات الاختلاف والفراق، لكنه لا يضمن عدم وقوعه، ثمة أشياء لن تستطيع اكتشافها في نفسك وفي شريك حياتك إلا بعد الزواج، بعد الحياة اليومية، بعد تحمل المسؤولية، بعد مواجهة مشاق الحياة.
(6)
هل يمكن أن ننجو من الفراق؟
ابتعدا.. افترقا لفترة محدودة.
فنحن عندما نغضب لا نفكر في قيمة ما نملك، الفراق المؤقت يمنحنا الفرصة لإعادة حساباتنا.
إنه بمثابة هدنة، يراجع فيها كل طرف نفسه، ومن العدل أن يتذكر محاسن الآخر كما يحفظ جيدًا مساوئه، يُذَكِّر نفسه بأن لا شخص كامل، وأنه هو نفسه لديه عيوب، وأن أي إنسان آخر سيرتبط به لاحقا سيكون لديه عيوبه أيضًا.
إنه "وقت العقل"، التفكير المتزن، اختيار العقلاء من الأصدقاء لاستشارتهم، دعاء الله أن يهبه القرار السليم، استحضار الأيام الحلوة، خطط المستقبل، وتمامًا مثل أي شركة تتعرض للخسارة يحاول رسم خطة لإعادة البناء.
فإذا فشل ذلك كله فليسلم أمره لله.
(7)
ماذا نفعل عند الفراق؟
امنح نفسك الفترة الكافية للحزن، إنه شعور إنساني طبيعي، فلا تجبر نفسك على فعل ما هو غير طبيعي، لكن لا تقض وقتا طويلًا في ذلك.
إذا كانت التجربة فاشلة، فإن تذكرها واستحضار أحداثها هو كأنك تعيشها مجددًا، كأنك تعاقب نفسك بنفسك.
لملم جراحك وامض.. الحياة كلها تجارب قاسية، فلا تتوقف.
لا تدخل في ارتباط جديد إلا بعد أن يلتئم الجرح تمامًا، وإلا آذيت نفسك ومن ترتبط به.
اطو الصفحة وابدأ من جديد واستفد من تجربتك.
نعم هذا ليس سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق