إلى الشاب الساخط على نفسه!
خواطر صعلوك
لكل جيل صُعوباته التي يعيشها وفُرصهُ التي يغتنمها، والشباب والشابات اليوم يعيشون ضمن سياق صعب يضغط عليهم من كل اتجاه حيث المقارنات تأخذ شكلاً أكثر اتساعاً من الأجيال السابقة.
في ما مضى كان الفرد يقارن نفسه بابن جيرانه، أو ابن عمه أو صديقه أو بشخص يسكن في آخر الشارع... وكانت معايير النجاح بَنتْ سياقها ضمن القرية أو الحي أو الفريج، ولكن الجيل اليوم يعيش «مقارنات» بشكل أفقي وعمودي.
لقد سمحت وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح على العالم والاطلاع على التجارب البشرية في كل مكان وزمان بظهور حال من المقارنات بين كل شباب وشابات العالم، وليس فقط ضمن «السياق» الحقيقي والواقعي، بل ضمن السياق الكوني، فلم تعد المقارنات تأخذ الشكل الأفقي بل والشكل العمودي الذي يدور حول العالم، فهذا شاب نجح مشروعه الصغير في كوريا، وتلك شابة انتجت شيئاً يفيد البشرية، وهذا رجل جمع ثروة من التعاملات الرقمية، وتلك سيدة تدير شركة من منزلها، وهذا ذو إعاقة عَبرَ البحار الثلاثة، وهذا طفل يستطيع أن يحل مسائل رياضية عجزَ عنها أساتذة الجامعات، وهذه كاتبة أصبحت في مصاف الأثرياء بسبب رواياتها، وهذا مراهق تمّ الاستثمار في فكرته، وهذه زوجة اشترى لها زوجها طائرة خاصة، وهذا زوج اشترت له زوجته جزيرة في المحيط، وهذه أرض مناخها معتدل طوال السنة، وهذه عائلة تسافر طوال السنة في القارات السبع، وهؤلاء ركبوا الأفيال وأولئك قفزوا من الطائرة وتسلّقوا الجبل... وأصبحت معايير النجاح عالمية وليست شخصية أو مكانية أو حتى ضمن المستطاع والمتناول، وهذا بالإضافة إلى كونه ضغطاً يؤدي إلى القلق والاكتئاب فقد أدى أيضاً وبصورة كبيرة إلى الاستخفاف بالإنجازات الشخصية وتقديرها على المستوى الفردي، وإلى عدم التقدير المجتمعي على المستوى المحلي.
إن سيل المقارنات هذا أدى إلى فشل زواجات كانت مستقرة، وإلى اكتئاب شباب يعتقدون أنهم لم ينجزوا شيئاً، وإلى سخط أبناء على آبائهم، وعلى قلق آباء على أبنائهم، والأهم من كل هذا فقد أدى إلى ضياع أهم قِيمة كانت راسخة وتتوارث في مجتمعنا وهي «الرضا».
ونِعمَ القرينُ الرّضا، ورَضيَ بالذُّل مَن قارن نفسه بغيره، ولا كل أموال الدنيا أذهبُ للفقر والفاقة والحاجة طالما الرضا بالموجود غير موجود، ولا كنز أغنى من القناعة. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
@Moh1alatwan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق