هل تخلّت حماس عن الجهاد الإسلامي؟
محمود عبد الهادي
العملية التي قامت بها قوات الاحتلال الصهيوني ضد حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة قبل أيام، تحت اسم "الفجر الصادق"، عملية استثنائية خاطفة وغامضة، أثارت العديد من الأسئلة والتداعيات حول أهدافها ونتائجها، وردود الأفعال المتفاوتة المترتبة عليها، بخاصة حول موقف الحركة الإسلامية (حماس) من هذه العملية، ومدى مشاركتها أو عدم مشاركتها فيها، على الرغم من أن المقاومة الفلسطينية أطلقت على العملية اسم "وحدة الساحات"، في إشارة إلى مشاركة جميع أذرع المقاومة المسلحة؛ فلماذا قامت دولة الاحتلال الصهيوني بهذه العملية؟ وهل فعلًا امتنعت حماس عن المشاركة في صدّ العدوان؟
الدوافع التي ذكرتها حكومة الاحتلال للعملية دوافع واهية وغير مقنعة، ولكنها تؤكد وجود دوافع محددة،
ستثبتها أو تكشف عنها الأيام القليلة القادمة.
لماذا قامت حكومة الاحتلال بالعملية؟
الدوافع التي قدمها يائير لبيد، رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، لقيامه بهذه العملية في غاية الغموض، بقوله إن العملية تأتي كضربة استباقية، نظرًا لوجود تهديدات ملموسة، حيث يستعد تنظيم الجهاد الإسلامي في قطاع غزة لقصف المدن اليهودية والمواقع العسكرية المحاذية للشريط الحدودي الشرقي لقطاع غزة، ردًّا على قيام سلطات الاحتلال باعتقال الشيخ بسام السعدي في الضفة الغربية.
- فهل هذا الدافع كافٍ للقيام بالعملية، وحكومة الاحتلال تعلم أن تنظيم الجهاد الإسلامي لا يستطيع القيام بذلك من تلقاء نفسه، من دون موافقة حركة حماس على ذلك؟ وهل استطاعت هذه العملية القضاء على قدرات تنظيم الجهاد العسكرية، وأجهزة استخبارات الاحتلال تقول إن تنظيم الجهاد تلقّى من إيران في السنوات الأخيرة مئات الملايين من الدولارات لتعزيز قدراته التنظيمية والعسكرية؟ وماذا حققت قوات الاحتلال بقتل الشهيدين خالد منصور وتيسير الجعبري، القياديين في "سرايا القدس" (الذراع العسكرية لتنظيم الجهاد الإسلامي)؟ هل قضت قوات الاحتلال على التنظيم؟ وشلّت ذراعه العسكرية؟ ومتى كان اغتيال قادة العمل العسكري في فلسطين ناجحًا في القضاء عليه؟
- أم إن الدافع كما ذكر رئيس وزراء الاحتلال هو شقّ صف المقاومة الفلسطينية، وإحراج حركة حماس، وتحييدها، لإظهارها بمظهر المتآمر مع الاحتلال الصهيوني، ضمن حملة تستهدف إسقاطها؟ خصوصًا أنه تزامن مع التحضير لهذه العملية إطلاق وسم في غاية الريبة شكلًا ومضمونًا، على منصة تويتر، تحت اسم "بدنا نعيش"، يحرّض المواطنين في قطاع غزة وخارجها على الانتفاض ضد حركة حماس. وقد ذكر الدكتور صالح النعامي، الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، في حسابه على تويتر، نقلًا عن موقع "Israel Defense" أن شركة إسرائيلية شنّت حملة ضد حركة حماس عبر مئات الحسابات والصفحات على فيسبوك وإنستغرام، وأنها تقمصت شخصيات صحافيين محليين ومؤسسات إعلامية.
وكان موقع "Israel Hayom" قد نشر في ١٢ مايو/أيار الماضي حديثًا لإيلي كارمون، الخبير الأمني الإسرائيلي، والباحث في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب (ICT) الإسرائيلي، يدعو فيه حكومته بشدة إلى شن حملة إلكترونية شاملة ضد حماس، ويطالب وزارة الشؤون الإستراتيجية بأن تعطي الأولوية لهذه القضية، ويدعو "إسرائيل" إلى أن تتبنّى نهجًا أكثر استباقية، إذا كانت تريد تجريد حماس من قدرتها على تحريض الفلسطينيين على الإرهاب، بما في ذلك حملة إلكترونية مكثفة لإزالة مواد التحريض الموجودة على الإنترنت والتي تغذي العنف ضد الإسرائيليين، على حد قوله.
- أم إن الدافع تحقيق مكاسب شخصية انتخابية لرئيس وزراء الاحتلال ووزير دفاعه بيني غانتس؟ وما النجاح الذي حققته العملية لإقناع الناخب الإسرائيلي بالتصويت لهما في الانتخابات القادمة، وهو يعلم أن أجنحة المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام، تشكّل تهديدًا مزمنًا ومرعبًا للناخب اليهودي، بخاصة بعد اختبار جدّيتها في معركة سيف القدس في مايو/أيار الماضي، وقدرتها على شلّ الحياة في عموم الكيان الصهيوني؟
- أم إنها رسالة لحركة حماس مفادها أن حكومة الاحتلال مستعدة لشن هجوم واسع لتدمير الحركة وتصفية قيادتها عسكريًّا وسياسيًّا، من دون أن تلقي بالًا لأحد، كما هو الحال في كل مرة، وأن على حماس أن تغيّر من سياستها لتحمي سكان قطاع غزة، وتخفف عنهم وطأة الحصار وشحّ الموارد والإمكانات؟ أم إنها محاولة لاستدراج حركة حماس لتدخل مع قوات الاحتلال في مواجهة واسعة ومفاجئة لم تخطط لها من قبل، ولم تحدد أهدافها العسكرية، ولم تحسب للنتائج المتوقعة لها؟
- أم إنه اختبار سياسي عسكري لحركة حماس، للتأكد من مدى استعدادها للتعاون مع الكيان الصهيوني ودول الإقليم لتكون جزءًا من الترتيبات الأمنية الخاصة به في المرحلة القادمة؟ وهذا مستبعد جدًّا، فحماس مصنفة لدى هؤلاء ككيان إسلامي إرهابي مطلوب القضاء عليه عاجلًا أم آجلًا.
- أم إن الدافع له علاقة بزيارة الرئيس بايدن، وقمة الأمن والتنمية التي انعقدت في مدينة جدة في منتصف يونيو/حزيران الماضي، والتزامات الدول الأعضاء في ترتيبات الأمن القادمة في المنطقة؟ أم إنه خطوة ضمن سلسلة ترتيبات أمنية خاصة تم الاتفاق عليها بين حكومة الاحتلال، والدول العربية التي تشترك معها في العداء لحركة حماس، وفصائل المقاومة الإسلامية، وجماعات الإسلام السياسي بوجه عام؟
كثيرة هي الدوافع التي قد نجدها هنا وهناك في تعليقات المحللين والخبراء والمعلقين، وتبقى الدوافع التي ذكرتها حكومة الاحتلال للعملية دوافع واهية وغير مقنعة، ولكنها تؤكد وجود دوافع محددة، ستثبتها أو تكشف عنها الأيام القليلة القادمة.
من المؤكد أن لدى حركة حماس أسبابها ودوافعها التي تقف وراء غموض موقفها السياسي والإعلامي من عملية "وحدة الساحات"، أما تصوير ذلك على أنه تخاذل وتخلّ عن دعم المقاومة فهو يتنافى مع أبسط قواعد المنطق.
موقف حماس من العملية
لا يشك عاقل في أن كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) شاركت في العملية، وكانت تقود غرفة العمليات المشتركة بحضور جميع أذرع المقاومة المسلحة في قطاع غزة، ولكنها كانت مشاركة حذرة ومحسوبة، لم تقدّم عليها حماس دليلًا رسميًّا واضحًا وقاطعًا، وتؤكد ذلك التسريبات الميدانية من ساحة المقاومة، والطريقة التي تدير بها المقاومة عملياتها العسكرية، والتي يبدو من سياق الأحداث على مدى السنوات الماضية أن حماس تتحكم فيها بشكل شبه كامل، فضلًا عن أن حماس لا تستطيع على الإطلاق الإحجام عن المشاركة في التعامل مع العملية، وذلك للأسباب الرئيسة الآتية:
- أن كتائب عز الدين القسام، وسرايا القدس، وبقية أذرع المقاومة المسلحة، جميعًا في خندق واحد في مواجهة الاحتلال، وأن تخلّي حماس عن الوقوف إلى جانب الجهاد الإسلامي سيشق اصطفاف المقاومة وتماسكها، ويفتح الباب واسعًا أمام كثير من الارتباكات والمصادمات وربما المواجهة المسلحة بين الأذرع المسلحة.
- أن تخلّي حماس عن المشاركة في الرد على العدوان ضرب للأسس التي يقوم عليها مفهوم المقاومة المسلحة وتحرير فلسطين، وللأسس التي يقوم عليها فكر الحركة، وللجهود التي بذلتها لتوحيد المقاومة المسلحة في قطاع غزة.
- أن تخلّي حماس عن المشاركة في الرد على العدوان يتنافى مع قيادتها للمقاومة المسلحة في قطاع غزة، وسيطرتها الكاملة عليها بالتنسيق مع جميع فصائل المقاومة في قطاع غزة.
- أن التخلي عن المشاركة يضع حماس في موقف المتخاذل عن نصرة إخوانه في مواجهة العدو، وذلك سيفقدها الشعبية التي تتمتع بها في الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية.
- أن حماس على علاقة قوية مع إيران، بل هي العلاقة الأقوى حاليًّا بعد تركيا، ولا يمكن لحماس أن تدير ظهرها في هذه العملية لتنظيم الجهاد الإسلامي، الحليف الرسمي لإيران بين فصائل المقاومة الفلسطينية.
- أن أجهزة استخبارات الاحتلال تعلم يقينًا أن كتائب عز الدين القسام تشارك في العملية، وتدير غرفة العمليات المشتركة مع بقية الفصائل، ولكن حكومتها غضّت الطرف عن ذلك، لأسباب ودوافع تعلمها هي دون غيرها.
من المؤكد أن لدى حركة حماس أسبابها ودوافعها التي تقف وراء غموض موقفها السياسي والإعلامي من عملية "وحدة الساحات"، أما الحديث الذي يتردد على ألسنة حكومة الاحتلال وحلفائها في السلطة الفلسطينية ودول الإقليم من أن حماس لم تشارك في العملية، وأن حكومة الاحتلال نجحت في تحييد حماس، فهو يتنافى مع أبسط قواعد المنطق، وهو من قبيل دقّ الأسافين في صفوف المقاومة المسلحة، وتعزيز الحملة الرامية إلى الإطاحة بحركة حماس في قطاع غزة، والتي من المتوقع أن تشتد في الأيام القادمة، وتتعدد أساليبها وأدواتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق