الثلاثاء، 13 فبراير 2024

العَالَمُ الأعور !

 العَالَمُ الأعور !

نقطة نظام

أدهم شرقاوي

في العام 1824 زرع الرِّوائيُّ الرُّوسيُّ «إيفان تورجينيف» شجرة بلوطٍ في فناء منزله، ولم يكن يعرفُ أنَّ هذه الشّجرة ستكون في يومٍ من الأيام أشهر منه!

تُوفيَ إيفان بينما كانت الشّجرة ما زالت يافعة، وتحوَّل بيته إلى معلمٍ ثقافيٍّ حظيَ بالاهتمام على مدار عقود، ومع الوقت كان كلُّ شيءٍ في المنزل تتضاءلُ شهرته لحساب الشّجرة التي صارت مَعْلماً وحدها، وما زالت واقفة حتى اليوم على قدميها وهي في المائتين من عمرها!

في العام 2011 أطلق الأوروبيون مسابقة شجرة العام بهدف الاحتفاء بالأشجار المُعمّرة، وتطوير الرَّوابط بين الشُّعوب في قضايا تتسِمُ بالحياد! وكان كل شيءٍ يسير على ما يُرام في أوروبا، وفي كلِّ عامٍ تفوز شجرةٌ عجوز والجميع مُحايدٌ وسعيد!

وفي العام 2022 وبعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أرسلت روسيا ملفَّ صاحبتنا شجرة البلوط لتُنافس أخواتها الشجرات العجائز! ولكن اللجنة قامتْ باستبعاد الشّجرة الرُّوسيّة من المنافسة معلِّلةً قرارها هذا بقولها: نشعرُ بالفزع من عدوان الاتحاد الرُّوسيِّ على أوكرانيا!

فجأةً سقط الحِياد، وطال العقابُ الأشجار، الغرب المتحضِّرُ ضدَّ إراقة الدِّماء، ومع حماية المدنيين خصوصاً الأطفال والنِّساء!

ثمَّ جاءت الحربُ على غزَّة، قتلَ الاحتلال ما يزيد على ثلاثين ألف إنسان غالبيتهم من الأطفال والنِّساء!

فهل قاطعوا دولة الاحتلال؟!

هل صوَّتوا لإيقاف إطلاق النَّار؟!

هل ضغطوا لفتح المعابر وفكِّ الحصار؟!

هل هزَّتهم جثث الأطفال وهي تُنتشل قِطعاً من تحت ركام منازلهم؟!

هل أوجعتهم أشلاء النساء، وأنهار الدِّماء؟!

هل حرَّكتهم مشاهد الأطفال وهم يأكلون خبزاً من علف الحيوانات؟!

كلُّ الذي فعلوه تصريحاتٌ سامجة حول العدد المرتفع للشهداء، لا بأس أن نموت ولكن بأعداد أقل، قتل خمسمائة شخص في يوم وحشيّة، اقتلوا كلّ يوم مائة حتى تبدو أنها حرب لا إبادة!

كلُّ الذي فعلوه دموعٌ باردة كدموع التّماسيح بعد التهام فرائسها، وتحت الطاولة كانوا يُرسلون شحنات الأسلحة بالأطنان إلى الاحتلال، أما حين يتعلّقُ الأمر بنا فإنهم يتأسفون لعدم وصول الطعام إلينا! لم يكفهم أن نموت بل يجب أن نموت جوعى!

أميركا ومعها دول كثيرة من هذا العالم المتحضّر أوقفتْ تمويل الأونروا لأنَّ الاحتلال زعمَ أن 12 موظفاً منها شاركوا في هجمات السابع من أكتوبر! بينما قتل الاحتلال مائةً وعشرة موظفين من الأنروا، وقصفَ مدارس الأمم المتّحدة فلم يسأله عن ذلك أحد!

هذا العالم أعور، يفتحُ عينه جيّداً إذا أراد أن يُحاسبنا ونحن الضّحية، ضحيّة مجتمع دوليٍّ كامل أقام للاحتلال دولة، وموّلها، وساعدها!

أما حين يتعلّق الأمر بالاحتلال فإنه يديرُ نحوه العين العوراء التي لا ترى!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق