تأملات سياسية
د. خليل العناني
كاتب وباحث في العلوم السياسية
حجم التحوّلات التي تشهدها القواعد المسيحية في الولايات المتحدة، لا سيما تلك التي أيّدت إسرائيل لعقود طويلة دون تردّد، كبيرة وعميقة وتفوق الجانب السياسي بكثير. فالأخطر اليوم أنّ النقاش بات يتعلّق بالأسس العقائدية واللاهوتية نفسها.
وقد لفت انتباهي تعليق لأحد المتابعين على إحدى حلقات الإعلامي اليميني الأمريكي تاكر كارلسون. المتابع يبدو مسيحيًا بروتستانتيًا إنجيليًا من الطراز التقليدي الأصولي، كان يرى دعم إسرائيل واجبًا دينيًا مقدسًا.
لكنه كتب يقول:
“أنا مسيحي بروتستانتي إنجيلي تقليدي جدًا، وأصولي، وكانت لدي دائمًا قناعات واضحة حول إسرائيل واليهود، ظننت أنها مستندة مباشرة إلى الكتاب المقدس. لكن في الآونة الأخيرة بدأت أسمع أصواتًا كثيرة -من سياسيين مثل تاكر، ومن شخصيات علمانية، ومن متحدثين مسيحيين متشدّدين، بل حتى من قساوسة يعلّمون بنبرة النار والكبريت- وكلهم يقولون كلامًا ينسجم تمامًا مع العقيدة التي نشأت عليها.. إلى أن نصل لموضوع إسرائيل. عندها ينقلب كل شيء ويصبح مربكًا.”
ثم يضيف:
“اليوم أنا في حالة ارتباك حقيقي. كنت أؤمن دائمًا بأن ما تعلّمناه في الكنيسة الإنجيلية -أن إسرائيل واليهود شعب الله المختار، وأن المسيحيين ملزمون دائمًا بالوقوف معهم، وأن نبوءات نهاية الزمان تدور حولهم- هو تعليم كتابي ثابت. هذه العقيدة تربّيت عليها.
لكنني الآن أسمع من سياسيين، ومن لاهوتيين مسيحيين، وحتى من قساوسة محافظين، أن هذه القراءة قد تكون تفسيرات خاطئة وغير دقيقة. وإلى جانب ذلك، أسمع حديثًا واسعًا عن اللوبيات الإسرائيلية داخل الحكومة الأمريكية وأدوار غامضة تجعل الموضوع أكثر تعقيدًا.
لهذا بدأت أتساءل: هل كنت مخطئًا في فهمي؟ هل يجب دعم الشعب اليهودي روحيًا لكن ليس بالضرورة دعم حكومة إسرائيل السياسية؟ أنا مرتبك فعلًا وأبحث عن فهم مسيحي صحيح حول ما يقوله الكتاب المقدس في هذا الموضوع.”
لقد قلبت الحرب على غزة كل الموازين وأحدثت هزّة فكرية وروحية داخل هذا التيار، وزرعت الشكّ لأول مرة في الركائز اللاهوتية التي يقوم عليها الدعم المسيحي المطلق للكيان العنصري. وربما تكون هذه بداية دقّ أول مسمار في نعش المسيحية الصهيونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق