السبت، 2 فبراير 2013

عرق الجبين!

عرق الجبين!




الكاتب:  د. سلمان بن فهد العودة
  02 فبراير 2013

جلس ست سنوات يبني بأعواد الثقاب تماثيل لمبانٍ مشهورة حول العالم، منها: المسجد الحرام، كل مبنى استغرق حوالي 6 شهور، واستخدم 6 ملايين عود أسنان!
قد ترى هذا الفعل عبثًا إذا لم تدرك الطاقة الكامنة التي كانت تحدو ذلك المبدع لفعله.
كان النجار يتفصد عرقًا ويلهث، وهو يضرب الخشب بفأسه فتتطاير شظايا صغيرة منه، قبل أن يتمكن من تحويله إلى قطع صغيرة..
زاره خبير نفسي وسأله: كم تحصد من هذا العمل يوميًّا؟
أجاب: عشرة دولار.
- سأعطيك يوميًّا مائة دولار مقابل أن تضرب الخشب بظهر الفأس المحدب غير المدبب!
- ولكن الخشب لن يلين أبدًا؟
- لا يهم، فقط أريدك أن تضربه بهذه الطريقة.
- حسنًا.
وبدأ النجار بتنفيذ المهمة، وسرعان ما أحس بالعبثية وبدأ يتباطأ، ثم رمى مائة الدولار على الرجل وقال: خذ مالك لا حاجة لي به، وعاد يضرب الخشب بطريقته المعتادة.
سأله الخبير فقال: إني أشعر بالنشوة والرضى كلما وجدت الخشب يلين لي، ورأيت الشظايا تتطاير والفأس يحفر كل مرة أكثر وأكثر، واللحظة التي تنقسم فيها الخشبة إلى نصفين هي لحظة فاصلة وجميلة تعودت أن أنتظرها لأشعر بالإنجاز!
هل لاحظت الفرق بين كأس من الشاي تصنعه أنت، وآخر تشتريه من المقهى؟
هل أحسست بفارق الطعم بين تفاحة اشتريتها من السوق، وأخرى قطفتها بيدك من الشجرة؟
ماذا لو كنت أنت من زرع الشجرة وسقاها وتعاهدها وانتظر جناها؟
أجمل الثياب التي نرتديها هي ما طرزت بأيدينا.
الاعتماد على الذات في غسل الملابس وكيها وحمل الأمتعة الشخصية صدقة منك على نفسك.
هل شاهدت صور "بيل جيتس" مع أولاده؟، الثري العالمي يرفض حياة التبذير والبذخ، ويربي أولاده على أهمية العمل وقدسيته لاستكمال المسيرة.
كان أحد ملوك الصين يعاقب خصومه بأن يلزمهم البقاء في بيوتهم ويسخر لهم من يخدمهم ويقضي حاجاتهم كائنة ما كانت تلك الحاجات، وسرعان ما يصيبهم الخمول والكسل، ثم المرض، ثم الموت.
الإنسان مخلوق بطاقة هائلة للعمل والإنجاز في داخله، يتفاوت الناس في مقدارها، كما هو مخلوق بطاقة الأكل أو الجنس.
يريد أن يأكل، فإن وجد طيبًا أكل، وإلا احتاج إلى الرديء.
يريد أن يشرب، فإن وجد صافيًا، وإلا تجرع الآسن.
يريد أن يعمل، فإن وجد عملًا يعزز ذاته وينفع مجتمعه أفرغ فيه جهده، وإلا عمل بأي اتجاه على طريقة الشاعر العربي:
إذا أنت لم تنفع فضُرَّ، فإنما ... يرجى الفتى كي ما يضر وينفع
القيد تعذيب.
في تعبيرات العامة "فلان ما تمسكه الأرض".
حين يكثر الطفل الصخب والحركة يقول له أهله "امسك الأرض"!
هم يطالبونه بالمستحيل! كيف له أن يثبت جرمًا حركه ربه؟
الحركة استجابة للطاقة الداخلية، وهي في الوقت ذاته صناعة لمعنى الحياة، وتأكيد لأهمية الإنسان.
حين تُحَجِّم الأنظمة السياسية أو الاجتماعية تلك الطاقة تصنع أناسًا مشوهين وفاقدين للتألق والسمو والمبادرة، إنها تصنع آلات صماء متشابهة يصعب عليها أن تفهم الأحياء وأن يفهموها!
الأنظمة من شأنها أن ترتب العمل لا أن تمنع الناس منه.
حرمان المواطن من حق العمل والابتكار والتطوع والمشاركة هو إهدار لجزء أساس من إنسانيته.
ثلاثة أمور ينبغي أن تكون في حياتك، لتكون حيًّا بجدارة:
1- شيء تفعله.
2- شيء تحبه.
3- شيء تأمله.
حين نعمل ونكدح فسوف نحب الحياة وتحبنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق