العلم الإسرائيلي في الاحتفال بالقناة الجديدة!
عامر عبد المنعم
فوجئنا بالعلم الإسرائيلي الأبيض بالخطين الأزرقين هو الخلفية الرئيسية للمسرح الذي تم الاحتفال عليه بافتتاح القناة (التفريعة) الجديدة، وحذفوا منه نجمة داوود السداسية ووضعوا مفتاح الحياة الذي يشبه الصليب بدلا منه، وكأن الراغبين في تغيير هوية مصر غير مبالين بالرأي العام والثوابت الوطنية والدينية للشعب المصري.
القائمون على الاحتفال وضعوا العلم الإسرائيلي بدلا من العلم المصري ليكون هو أبرز ما في المشهد الذي ركزت عليه الكاميرات ونقلت صورته على مدار ساعات لكل أنحاء العالم، لتكون الرسالة أن الكيان الصهيوني حاضر برمزه الذي يشير إلى إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.
مثل هذه الإشارات لا يمكن أن تتم بالصدفة أو أن من صنعها لم يكن في وعيه لحظة التصميم والتنفيذ، فهذه الرموز ذات الدلالات والمعاني وما تهدف إليه تقف خلفها دوائر وقوى متنفذة تعرف ما تفعل، وتعي أهمية وخطورة ما تقدم عليه، ولديها من الثقة ما يجعلها جريئة في تنفيذ مثل هذه الأعمال دون خوف من رد فعل شعبي أو انتقادات في الإعلام.
الذين صنعوا هذا الشكل الرمزي الذي يتكون من العلم الإسرائيلي والصليب الفرعوني كتعبير عن مصر الجديدة تجاهلوا علم مصر أو أي رمز مرتبط بالهوية المصرية الراسخة، وهنا تبرز المفارقة ففي الوقت الذي كان أنصار الحكومة يدعون الناس لرفع أعلام مصر فوق البيوت والبنايات احتفاءً بالمشروع الجديد كان منظمو الاحتفال يرفعون العلم الإسرائيلي لتراه الدنيا كلها!
هذا المشهد يعطي الكثير من الإشارات الصادمة للضمير الوطني وعقيدة الشعب المصري المسلم أبرزها أن مصر لليهود وللمسيحيين فقط وليست للمسلمين، فالصليب الفرعوني واسمه مفتاح الحياة يرمز للمسيحية وليس للفرعونية كما يروج البعض، فهذا الرمز بالذات يتكرر استخدامه في الاحتفالات الكبرى منذ 3/ 7، مثل مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي وظهر في الحفل الأخير بشكل ضخم يتوسط المشهد ويحمل العلم الإسرائيلي على جناحيه!
بالتأكيد هناك من يعملون على إحياء الفرعونية على حساب الإسلام لكن لماذا يصر أنصار الفرعونية الجديدة كهوية على هذا الرمز بالذات ولا يستخدمون الرموز الفرعونية الأكثر شهرة مثل الأهرامات الثلاثة وأبو الهول والمسلة الفرعونية وزهرة اللوتس وغيرها؟ لماذا الإصرار على هذا الرمز الذي يشبه الصليب؟ لا تفسير غير أنه يحقق المراد للمسيحية السياسية في مصر التي بدأت تعلو منذ 3 /7 وبشكل علني لا تخطئه عين.
ربط البعض العلم الإسرائيلي بالشركة الأجنبية التي نظمت الاحتفال، وربط آخرون هذا الظهور بشركة ميرسيك الدنماركية المهيمنة على منطقة القناة وتفرض شروطها باتفاقات مجحفة وتعاقدات تصل إلى نصف قرن، وهي أكبر شركة للنقل البحري في العالم وهي في مقدمة من طالب بانجاز التفريعة، ويجري الآن تنفيذ التفريعة الثانية لميناء شرق بورسعيد لصالحها أيضا، ورغم المليارات التي أنفقت من أجل هذه الشركة المرتبطة برأس المال اليهودي العالمي فإنها تضغط على الحكومة المصرية لتخفيض رسوم القناة.
لكن دون الدخول في الجدل حول التأويلات والتفسيرات فإن هذا الرمز الإسرائيلي المسيحي الذي لا يعبر عن مصر هو ترجمة لواقع يجري على الأرض وتغيير متعمد للهوية المصرية، فالسياسات التي تجري تعمل لصالح اليهودية والمسيحية وتحارب الهوية الإسلامية، وهناك من يستغل صراع السلطة مع الإخوان والإسلاميين ليستهدف الثوابت الوطنية والإسلامية ويمرر ما كان ليمر بهذه السهولة من قبل.
بالنسبة للانقلاب على الثوابت الوطنية لقد تحول الكيان الصهيوني إلى صديق وأصبحت غزة ومن فيها عدو، ولم يعد التعاون مع الإسرائيليين خيانة واختفت كلمة التخابر مع الصهاينة ليحل بدلا منها التخابر مع حماس، بل هناك من يدعو لضرب غزة بزعم مكافحة الإرهاب وأصبح مجمل ما نراه في الملف الصهيوني الفلسطيني أن العدو أصبح حليفا والشقيق أصبح خصما وعدوا!
على صعيد الثوابت الدينية لقد أصبح التدين الإسلامي تهمة وعادت الإجراءات القمعية تلاحق المتدينين والمظاهر الإسلامية، وفي المقابل فتحت الأبواب لمن يسبون الدين ويدعون للإلحاد ويحظون بالرعاية، والأمثلة عديدة، أخطرها استهداف المساجد بالتضييق، وآخرها ما أعلنته الحكومة منذ أيام عن تركيب عدادات الكهرباء سابقة الدفع لدور العبادة، وقطع الكهرباء عن المساجد مالم تدفع فاتورة الكهرباء مقدما!
ولم تتساوى المساجد بالكنائس حيث تم إعفاء الكنائس من الدفع، فوفقا للقرار الذي أعلنته وزارة الكهرباء فإن الأوقاف والجمعيات تدفع فواتير المساجد التابعة لها، ومساجد الأهالي (وهي الأغلبية) يدفع المواطنون فواتيرها، وفي المقابل لا تدفع الكنائس وإنما تتحمل الأحياء والمحليات دفع فواتيرها!
هذا القرار يعني قطع النور عن المساجد وإظلام عشرات الآلاف من بيوت الله خاصة في القرى والنجوع التي تعيش تحت خط الفقر، وستغلق بيوت الله التي على الطرق ومداخل المدن التي لن تجد من ينفق عليها، وسيأتي يوم تغلق فيه المساجد الكبرى في المدن والعاصمة لعدم دفع الفواتير مقدما!
الرمز الصهيوني في حفل افتتاح القناة ليس مجرد حدث عابر وإنما هو تلخيص لواقع جديد متعلق بتغيير طبيعة وهوية الدولة المصرية، وهذا يفرض على كل المخلصين إعادة التفكير في توصيف المعركة في مصر وتحديد من هو العدو، ووقف الانجرار في المعارك المخططة لنا التي تستنزف الجميع لصالح إسرائيل، فمصر لن تخرج من المستنقع المعد لها بالحروب المخترعة واللانهائية بين أبناء الوطن الواحد، وإنما بتغيير الأفكار الحزبية والمهنية، وبناء جبهة ضد الحلف الصهيوني واتحاد كل المخلصين لعزل الاختراق ولمنع الاحتراق ولوقف ذبح الذات الذي يدفعنا تجاهه العدو التاريخي للأمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق