الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

رابعة، دماء لم تجف

رابعة، دماء لم تجف

د.عيده المطلق قناة

في ذلك اليوم الحزين (الرابع عشر من آب 2013) شهدت مصر إحدى أكبر عمليات القتل الجماعي التي استهدفت اعتصاما سلميا مفتوحا، أراد منفذوه أن يكون وسيلة حضارية للتعبير السياسي الراقي.
في ذلك اليوم كانت المقتلة المحرقة، التي افتقرت إلى الحد الأدنى من المعايير الإنسانية والأخلاقية، تم التخطيط لها على أعلى مستوى حكومي وعسكري واستخباري، فكانت مدفوعة بالخيانة والغدر والطغيان، ومؤطرة بانفلات القانون واختلال العقل وغياب الضمير، وعدم الاكتراث بقيمة الحياة، أو الاعتراف بحق الحياة.
مقتلة روج لها وسوقها إعلام فاجر، ودعمتها نيابة عامة انسلخت عن الضمير القانوني والقضائي، فلم تكتف بأن تلعب دور الأداة الرخيصة بيد الطغمة الانقلابية بل أغمضت عيونها عن كل ما جرى في ذلك اليوم الحزين وما قبله وما بعدها من قتل وقنص وحرق وسحل واعتقال، بل ارتضت أن توفر مظلة خسيسة لكل ما جرى من انتهاكات، فتصبح رابعة أحد الشهود على موت الضمير وانتحار العدالة!
ثلاثة أعوام على انقلاب دموي شرس استحضر إرث فرعون، في القتل والحرق وتقطيع الأوصال والسجن، والغدر والخيانة، فراح يسحق إرادة المصريين في خمسة استحقاقات انتخابية، ويحترف صناعة الخوف، والكذب على الداخل والخارج، عقيدته ميكافيلية تقول: «من الأفضل أن يهابك الناس على أن يحبونك»!
انقلاب مشروعه الأساسي صناعة الخوف والاستبداد، في إقامة حكمه على جماجم الأحرار، ولتحقيق ذلك لا بد له من استدعاء الأعداء الداخليين والخارجيين على حد سواء تارة تحت فزاعة الإرهاب، وتارة تحت فزاعة الأمن القومي، ورعاية ما تحتاجه هذه الفزاعات من شبكات البلطجة والمدارس المتخصصة في التعذيب والتنكيل بالضحايا والمعارضين، والقتل الجماعي، وتفعيل كل أجهزة التجسس والرقابة على الناس، والسماح باستخدام كل الوسائل القذرة في صناعة الخوف وإدامته.
عامان من القمع الممنهج والقتل بالتعذيب والتجويع ومنع العلاج والتحقير والاغتصاب وكل ما نبذته البشرية من وسائل حقيرة!
عامان من تكميم الأفواه واعتقال الرموز وتشويهها واغتيال سمعتها بتهم التجسس والعمالة والتخابر والخيانة، مع التوظيف الرخيص لكافة مؤسسات الدولة الإعلامية والقضائية والدينية والتشريعية، لتتحول كل هذه المؤسسات إلى أدوات في صناعة الخوف والقمع والاستبداد وإنتاج أشباه الرجال وأشباه الدول وأشباه الجيوش، وتفصيل كل شيء في الدولة بحسب مقاسات وأحجام وأمراض الانقلابيين، ومن يدور في فلكهم،
فأصبحنا أمام بلد المفارقات الغرائبية، تتصدر أخبارها عناوين مخزية مثل:
• الجيش يعتقل طفلا عمره 3 سنوات في سيناء لإجبار والده على تسليم نفسه!
• لواء شرطة لصلاح سلطان في السجن: إحنا هنا زي ربنا نقول للشيء كن فيكون!
• كلاب بوليسية في زنزانة محمد البلتاجي داخل سجن العقرب.
• أبناء الأزهر: 12 ألف مطارد في صفوفنا.
في بلد المفارقات ابتلع شيوخ الصمت ألسنتهم..
• فسكتوا عن انتهاك حرمات الله جهاراً، وعلى تجميل «الإلحاد» وتسويقه، وعلى انتهاك حرمات المساجد، وعلى الاغتصاب وانتهاك الحرائر والأحرار.

في بلد المفارقات هناك قوى سياسية (ليبرالية وقومية وعلمانية وإسلامية) ابتلعت ألسنتها فصمتت على: الاستبداد والقمع ومصادرة الحريات من قبل الذين (طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد)، وعلى الاستهانة بأرواح الناس، وتلفيق التهم للأبرياء، وعلى الإعدام وتصفية الأحرار خارج القانون والقضاء، بل تنفيذ أحكام الإعدام بتهم باطلة على أبرياء من المصريين.
قوى سياسية ملأت الدنيا صراخا وعويلا على حقوق الإنسان والحريات العامة، ولكن حين الانقلاب أغمضت عيونها وأنوفها عن مشهد الدماء المستباحة في كل الساحات، حتى تواطأت على مسح وتزوير وشيطنة ثورة يناير وثوارها، بل حملت الفلول على أكتافها إلى سدة الحكم مرة أخرى!
قوى منافقة مرتعشة صمتت عن سلخانات التعذيب، وعن بيع مقدرات الدولة المصرية من غاز ومياه وأراض وموانئ!
ولكن من قلب المأساة يستنبت الثوار أملا وعهدا، لم ترهبهم آلة القتل المنصوبة في كل مكان، ولم تخيفهم مشاهد الجثث المحترقة والتصفية الجماعية والتعذيب الممنهج، ما زالوا في الشوارع يتحدون الخوف وصانعيه، يجددون العهد بالاستمرار حتى القصاص للشهداء ومحاكمة القتلة،ويؤكدون بإصرارهم الرسالي أن رابعة ستظل عنوانا في سفر جرائم انقلاب ينتظر العدالة الناجزة، وستظل -رغم ما تمثله من ظلم إنساني- عنوانا للثوار والأحرار في العالم ورمزا للصمود والصبر والثبات والإقدام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق