مصر "اتندهت" يا رجالة!
عزيزي القارئ: اقرأ، لكن لا تضحك، يمكنك أن تبكي، إن شئت أنهارا و"سويسات" وترعا..
فمصر اتندهت، جنّت، فقدت عقلها، من غير ترادمادول..
عادت صديقة صحفية تعمل في مركز استراتيجي بريطاني من أم الدنيا، وهي لا تصدق ما رأته في مصر، فعلماؤها وأدباؤها وساستها وقادتها ذائبون عشقا في طاغية من صنف "أوكا واورتيغا"، وشعبان عبد الرحيم ... كما يكون مطربوكم يولى عليكم والعكس صحيح!
النداهة عنوان قصة طويلة وجميلة ليوسف إدريس، يروي فيها قصة ريفية مصرية سرقتها أضواء المدينة ولحست عقلها.
وأنا أتابع أساتذة علوم سياسية، ومحللين، وأدباء، وشعراء مصريين، وعلماء نفس..وهم يحمدون ربهم الجديد، ويستبدلون العدو الإسرائيلي بحماس أو قطر، أو يحتفلون بمعجزة ترعة السويس، أو يتأسون بمنى البحيري صاحبة جملة "شات يور مواس أوباما"، ولكن بعبارات سياسية منمقة، فأقول إن مصر اتلحست .. مصر اتندهت يا رجالة.
البارحة تابعت حوارا مع الفنان الذي مثّل شخصية دور "محجوب عبد الدائم" في فلم القاهرة 30،" المقتبس من رواية نجيب محفوظ".
محجوب شخصية مكافيلية انتهازية، أما الذي أدّى دوره، فسياسي وعضو مجلس شعب سابق، وفي الثانية والثمانين من العمر.
ذكر الرجل أنه لا يريد شيئا من وراء مدحه للسيسي، فهو على حافة القبر، ليس منافقا .. فالنفاق وباء في مصر.
سألته المذيعة " الخجول" عن كل ما يخطر ببالك من الأسئلة السياسية العامة، فقدم الرجل نموذجا ومثالا للقاهرة 2015، أنه مصري الترعة والكفتة والترامادول. ذكر الرجل الذي لم يكن يحتاج إلى أسئلة حتى يفضي و"يفضفض"، فهو يعرفها ويعرف ما جاء من أجله، فأقسم بالله أن ضابطا كبيرا، والضابط في مصر يعني أنه من حواريي السيسي، وأن كلامه حق لا كفتة فيه، قد أقسم له أن السيسي ليس منقذ مصر، وحسب، وإنما هو منقذ العالم! قال إنه لا يفكر في الفوائد والأرباح التي ستدرها "قناة السويس الجديدة" مثل الآخرين، وإنما يفكر في تضحيات الشعب المصري، والتحامه من جديد حول القيادة الحكيمة الذي جمع في فترة قياسية 68 مليون جنيه، وحفر هذه القناة الرائعة! وزاد الطنبور نغما عندما قال إن من حفر القناة ليس الجيش، وإنما الشباب المصري، مفرقا بين الجيش، وبين شباب مصر كعادة السياسيين المصريين، مع أن الجيش هو من أبناء الشعب!
سألته المذيعة سؤالا، فقال إن مصر تحتاج إلى عضلات الشباب، ولم يذكر العقول، فحتى الطالب بهجت الأباصيري، بطل مدرسة المشاغبين، كان يفطن إلى ثنائية المخ والعضلات!
سألته عن الانتخابات البرلمانية القادمة والأحزاب، فقال إن الأحزاب كذبة كبيرة، ما فيش أحزاب!
وسألته عن الأحزاب الدينية، فقال المحترم: إن ثورة يونيو أذابت السكر في الزيت، ولم يعد لهما قيمة، وبان المرج، وقعر قناة السويس!
وقال أيضا، إن أهم ثلاث بقع في العالم هي: القدس ومكة ومصر، ففي فلسطين ولد عيسى عليه السلام، وفي مكة ولد الرسول عليه الصلاة والسلام، أما في مصر فقد تجلى الله فيها وكلم موسى تكليما!
( ولذلك يقوم السيسي بتهجير أهل البقعة المباركة، وتدمير مساجدها في سيناء، وتحويلها إلى كفتة..!)
ثم أثنى على السويس من جديد، وعلى الأنفاق التي يقوم السيسي بعملها، وذكر أن نهضة محمد علي كما تذكر الكتب المدرسية قامت على الترع والأنفاق! وذكر شيئا غريبا، أنه لم يعد هناك احتلال إنكليزي، فجيش مصر وضباطها في الشوارع، والحمد لله على الحرية والاستقلال! ثم عاد إلى مديح مصر الإفريقية والأسيوية والأوربية، والتغني بها، فمن يملكها يملك العالم . وعادة ما تقال هذه العبارة على لسان محللين سياسيين عن فلسطين و سوريا، وعن إيران، وتركيا، حسب الحال والحديث ..
ولأنه فنان ونجم سابق، وله جمهور، فقد سألته عن السينما، فقال: إن الشعب الذي جمع 68 مليون جنيه من أجل القناة، قادر على أن يجمع 168 مليون جنيه من أجل فلم عن القناة! فالسينما فن ورسالة ..!
وذكر أمرين في غاية الأهمية، الأول؛ أنه لا يمر يوم إلا ويسمع أخبار سفن وبواخر تحمل الأطنان، وهي تعبر القناة ذات العمق 68 قدما !!
الثاني أن الرئيس مواطن وموظف كبير محكوم بأربع مواد دستورية، وهو أمر متاح لكل دول العالم، لكن نادرا ما ينعم الله على الأمم بزعيم له كل هذه الكاريزما مثل المشير فتيحان السيسي.
سؤال وحيد بعث أملا في هذه الأمة المكفوتة، عند سؤال المذيعة عن معاهدة كامب ديفيد، فقال إنه مع تعديل معظم موادها، لكن ليس وقته الآن .. الوقت وقت فرح بالقناة الجديدة.
من الضروري التذكير بأن صاحب أكبر "طظ" في السينما المصرية، أدى دور محجوب عبد الدايم الانتهازي، الذي يخسر أهله وكرامته وشرفه في سبيل الوظيفة، فهو محجوب بطموحه الدائم عن الحق، وعندما زار نجيب محفوظ عامله باستصغار، واستقبله استقبالا سيئا كأنه محجوب ذات نفسه!
حوار البارحة في الفضائية الرسمية، القاهرة 2015، لم يكن يحتاج إلى مخرج ساخر، مثل صلاح أبو سيف، ولا إلى صوت حمار مرافق لطموحات محجوب، ولا إلى قرنين ينبتان في الجدار فوق رأس محجوب..
مصر اتندهت يا رجالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق