يا شباب هذة هي الثورة،وهذا طريق الثورات،رسالة أم أسماء البلتاجي للشباب
"عربي21"تلتقي اسرة أسماء البلتاجي في ذكري مجزرة رابعة
تبدي والدة أسماء تصميما على متابعة المشوار رغم معاناة الأسرة
رغم تأكيدها أنها فقدت "أغلى ما عندي" بعد مقتل ابنتها خلال الفض الدموي لميدان رابعة، عبرت والدة أسماء البلتاجي عن تمسكها بما خرجت ابنتها من أجله، وقالت إنه لو عاد بها الزمن فإنها لن تمنعها من المشاركة في الاعتصام. أما شقيقها عمار فقد عبر عن ثقته بأن "العدالة آتية لا ريب".
وفيم يلي نص المقابلة مع والدة أسماء، سناء عبد الجواد، يتبعه نص المقابلة مع شقيقها:
* في الذكرى الثانية لمجزرة رابعة، بماذا تصفين ما حدث؟
- الذكرى الثانية لمجزرة رابعة العدوية هي بلا شك ذكرى أليمة، فهي جريمة كبرى ارتكبت بحق الإنسانية... عندما يتم حرق الميادين، وقتل من فيها بهذه الصورة البشعة من غير أن يتحرك ضمير العالم، بل وضمائر الكثير من المصريين الذين شاهدوا إخوانهم يقتلون ويحرقون بهذه الصورة البشعة، وكأنما استبدلت قلوبهم وعقولهم فهي لا تشعر ولا تعقل.
أعتقد أن ما حدث في رابعة هو جريمة كبرى في رابعة النهار، ارتكبوها للتفريق بين أبناء الشعب الواحد، بحيث يرى الأخ ما يرتكب بحق إخوته المعتصمين ولا يتحرك ضميره، ولا يهتز شعوره وكأنه أمر عادي.
* ماذا أفقدتك مجزرة رابعة؟
- هذه الجريمة أفقدتني، أغلى ما عندي: ابنتي الوحيدة أسماء. فمصر كلها فقدت أسماء، ومن مثلها من النجيبات اللائي قدمن أنفسهن فداء لهذا الوطن، دفاعا عن الحق والحرية والشرعية. هي ذكرى أليمة وموجعة، ولكن نستطيع أن نجعل منها وقودا جديدا للثورة المصرية، تجدد فيها الدماء كي تظل مشتعلة إلى أن تتحرر من الحكم العسكري الغاشم.
* لماذا أصبحت الشهيدة أسماء أيقونة للثورة؟
- أعتقد أن أسماء أصبحت أيقونة الثورة لأنها كانت لا تمثل فكرا بعينه، وكانت قريبة من كل الأفكار والتيارات، ترى أن للجميع الحق في المشاركة، ودائما ما كانت تناقش وتحلل، وتضع رؤى جديدة تجمع بها كل الأطراف ويشهد لها الجميع بذلك.
كانت أسماء تتفق وتختلف مع الآخر بطريقة راقية، كنموذج للتعاون، واندماج الجميع للصالح العام. في عمرها الصغير، كانت تتمتع برؤى ثاقبة من غير تعصب لفصيل دون آخر. وقفت بإرادتها أمام آلة عسكرية جبارة، في تحد واضح، لتقول لهم: "نحن جيل يرفض الاستعباد للعسكر، ولا نستطيع العيش تحت بطشكم". كنت أرى قوة الإرادة والتحدي في أسماء تؤرق العسكر، وجعلتهم يقدمون على جريمتهم بقتلها، فقتلوا جسدها وبقت روحها تلهم جيلها، والأجيال المقبلة من أجل الحصول على الحرية والكرامة.
* هل يهرب الجناة بفعلتهم ويفلتون من العقاب؟
- لن يهرب الجناة من العقاب مهما طالت الأيام، لن يتركهم الشعب المصري الحر، ولن يتركهم أهالي الشهداء والمعتقلين والمصابين يفلتون من العقاب. ولا بد من يوم تنصب فيها المحاكمات الثورية لتقتص من كل من قتل وشارك وحرض على قتل فلذات أكبادنا، وهذا هو وعد الله الحق في نصره المظلوم ولو بعد حين.
ولكن علينا ألا ننتظر هذا ونحن نبكي ومكتوفي الأيدي، فلا بد من وضع خطط استراتيجية، والاستفادة ممن سبقنا في مناهضتهم للانقلابات، وعلينا ألا نقصر في أي طريق يصل بنا إلى توحيد الصف المصري والاصطفاف لمناهضة الانقلاب.
* بماذا تميزت أسماء البلتاجي؟
- الشهيدة بإذن الله أسماء تميزت أولا بأن مشاركتها لم تكن من أجل شخص ولا جماعة، فمشاركتها جاءت بعد البيان العسكري الانقلابي. كنت أحس فيها بمن يحمل العبء، وكأنها هي المسؤولة عن الجميع. كانت تجول في الميدان طوال الوقت، تناقش وتفند وتحلل وتعرض حلولا، وتجمع بين الأفكار المختلفة، لاستخلاص ما يمكن فعله.
* لو عاد بك الزمن هل كنت تمنعين أسماء من الاعتصام؟
- لو عاد بي الزمن، ما كنت أمنع أسماء من الاعتصام في الميدان. أولا، هي بطبعها شخصية مستقلة، لها رأي يحترم، وفكر مستنير، ولا يستطيع أحد أن يجبرها على شيء كانت لا تريد فعله. وقد ربينا أولادنا وبناتنا على حرية الاختيار، مطمئنين لهم طالما وضعنا فيهم البذور الصالحة التي تجنبهم الوقوع في الخطأ.
ثانيا، ما كان لنا أن نمنعها من حقها في التعبير عن رأيها في مقاومة عصابة عسكر مجرمة، تسلب منها حريتها وإرادتها، وهي الحرة الكريمة. صحيح أن الألم شديد بفقد ابنتي، ولكن ما ندمت قط على مشاركتها. وأنا أشهد الله لها أنها ما قصرت في حق الثورة منذ ثورة 25 يناير إلى يوم استشهادها.
* ما هي رسالتك للثوار كأم ناشطة في الثورة؟
- أشد على أياديهم، وأثمن كل تضحياتهم، وما يلاقونه من قمع وبطش واعتقال وقتل. يا شباب هذه ثورة، وهذا هو طريق الثورات لا بد من تضحيات، فالحرية غالية وتستحق. قدركم أن اختاركم الله لهذه المرحلة لم يكن عشوائيا، ولكن يريد الله لكم أن تصنعوا بأيديكم ما تريدون. الأمل فيكم وبكم، وهذا دوركم، وأنتم من تقررون لا غيركم. ولكن اعملوا على إيقاظ النائمين، وانشروا الوعي بين الغافلين، وازرعوا الأمل في نفوسهم، ولا تتركوهم للراحة والدعة، فقضيتكم واحدة، والدمار والخراب الذي أتى به العسكر سيحل الجميع. فأنا شخصيا، وبالرغم مما أصابني لا أحب مقولة "خلي الشعب يذوق المر علشان يفوق ويصحى"، بل والله لا نرجوا لأهلنا إلا الخير، وألا يصيبهم ما أصابنا.
* كيف أثر ما حدث لأسرة البلتاجي فيكم؟
* في الحقيقة، لا أستطيع أن أنكر أن ما أصابنا كأسرة كثير، ونحتسبه كله عند الله، ابتداء من قتل ابنتي الوحيدة الجميلة أسماء واعتقال كل أفراد الأسرة. فزوجي الدكتور البلتاجي المعتقل في حبس انفرادي لا يخرج من زنزانته من بعد حكم الإعدام في قضية التخابر، و190 سنة أحكام، وابني الكبير عمار اعتقل، وبعد خروجه تعرض لمطاردات أمنية فاضطر للسفر، وابني أنس المعتقل الآن، يقبع في السجن منذ عامين في زنزانة انفرادية، وابني خالد ذو الـ 16 ربيعا أخذ نصيبه من الاعتقال، ثم خرج على ذمة قضية، كما تم اعتقالي وأخلي سبيلي لاحقا، وأنا اليوم على حكم قضائي، ولا أستطيع معه زيارة زوجي أو ابني أنس.
* هل تعتقدين أنكم تدفعون ثمن أخطاء أحد؟
- نحن ندفع ضريبة الحرية، نعم الأثمان غالية، ولكنه طريقنا اخترناه وليس لنا خيار آخر. من حقنا كبشر أن نعيش بكرامة، وإلا فبطن الأرض خير لنا من ظهرها.
نعم هناك بعض الأخطاء، لا نستطيع أن ننكرها، والتي حذرنا منها وندفع ثمنها الآن، ووقف لها زوجي يحذر منها مرارا. ولكن نأمل في أن نتعلم من الأخطاء، ونستفيد من هذه التجربة القاسية. لا بد من مراجعات للجميع لاستبيان الصواب من الخطأ والتعلم منه وتجنب الوقوع فيه مجددا، حتى لا يهلك الجميع على يد هذه العصابة المجرمة.
وفيما يلي نص الحوار مع عمار البلتاجي، شقيق أسماء:
* في الذكرى الثانية لمجزرة رابعة، هل أصبحت المجزرة يوما للذكرى أم لشحذ النفوس؟
- في الذكرى الثانية أعتبر أن المناسبة ليست للبكائيات والحزن فقط. صحيح أن الألم موجود، لكن الأمل بانتصار الثورة وإنجاز مشروعها يتجدد بالصمود والصبر، كما يتجدد بالاجتهاد والتجديد الثوري. نحن متمسكون بموقفنا، ونحيي القابضين على جمر الثورة، ونستبشر بمصير الشهداء عند ربهم. صحيح أننا نحزن لفراقهم، لكننا نثق بوعد الله لهم ونبشر أهلهم. ويشغلنا تحرير المعتقلين كافة من سجون العسكر، كما يشغلنا الاجتهاد للثورة والتجديد في مسيرتها وتجاوز الأخطاء والتعلم من الدروس المستفادة غالية الثمن.
* ما هي رسالتك للثوار والمعتقلين؟
- ذكرى رابعة أصبحت بتضحيات الشهداء والمعتقلين والأحرار رمزا عصيا على الكسر والتجاهل، ودماء الشهداء لن تكون ماء، وتضحيات الأحرار لن تذهب هدرا. ومهما تعرضنا لانتصارات وانكسارات طوال هذه المسيرة الطويلة الممتدة، لن يثنينا ذلك عن الاجتهاد والنضال واستمرار المسيرة، ولن ننشغل عن أهدافنا في ضمان حقوق الناس وأهمها حق الاختيار والعيش الكريم.
نحن نعول على وعي الناس واستفاقتها، وتحريك المجتمع ضد السلطة الظالمة التي توزع الظلم والفقر والإرهاب والقتل بأشكاله على الجميع. وندعو لاصطفاف إنساني وأخلاقي ضد القتل واصطفاف المظلومين ضد ظالمنا الوحيد، وهو الحكم العسكري الانقلابي الدموي الذي يحمل الخراب لبلادنا ومستقبلنا.
* كيف تصف ما حدث في رابعة، وسط تأييد أو صمت البعض؟
- هذه جريمة ضد الإنسانية كانت تبث بثا مباشرا على مدار الساعة أمام النفاق الدولي الذي آثر الصمت على جرائم الانقلاب في مصر، تماما كما صمت على عدوان إسرائيل على غزة، وعدوان بشار والمليشيات الطائفية على السوريين والعراقيين. لكن رابعة أتت كاشفة فاضحة للنفاق الدولي، كما تجلى في مواقف الحكومات الغربية ومواقف الاتحادين الأوروبي والإفريقي.
* هل تعتقد بمجيء يوم القصاص بعد مرور عامين على المجزرة؟
- أعتقد أن العدالة آتية لا ريب، وأن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم. وأنا أوقن بانتصار الثورة، وانكسار الثورة المضادة، والحكم العسكري الانقلابي في النهاية. لكن هذه مسيرة ليست قصيرة، وتضحياتها الكبيرة تتناسب مع أهدافها الكبيرة، والتغيير سيحدث حينما يكتشف الجميع أن ثمن التغيير وكلفته أقل من تكلفة الاستبداد.
* كيف كانت أسرة البلتاجي في الاعتصام؟ وماذا كان دورها؟
- أسرتنا كانت حاضرة في الاعتصام من بدايته لنهايته، كان والدي مشغولا بالنشاط السياسي والثوري، وكنت مشغولا بالعمل الحقوقي، وكان أنس مشغولا بالاعتصام وترتيباته، وأسماء - تقبلها الله في الشهداء - كانت تطوف على الناس تشجعهم وتطمئن عليهم وتسأل عن أحوالهم، وأمي كانت ترعى الجميع وتتابع التطورات وتدعو لنا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق