الأحد، 30 أغسطس 2015

بروتوكولات حكماء العرب 12

بروتوكولات حكماء العرب
-12-
لبيك اللهم لبيك.."1"


دكتور محمد عباس

في الكعبة

لبيك اللهم لبيك..لا شريك لك..

***
كنا قد أحرمنا من الميقات..
كانت ركبتي ما تزال تؤلمني.. وكان الإخوة يساعدونني..

وفي أحد الاستراحات في الطريق كنا نتناول طعامنا.. هش لنا صاحب المطعم.. كان مضيافا..اهتم بنا كثيرا.. والغريب أنه اهتم بي على وجه الخصوص.. أما أنا فقد كنت مترقبا.. ففي أي لحظة يمكن أن يرسل لي المرسل المجهول أو أحد أعوانه أمرا أو خبرا.. رحت أتفرس في صاحب المطعم.. أستنطقه.. أتوسل إليه.. وبعد أن دفعنا ثمن الطعام فوجئنا بالرجل يرسل لنا تحياته مصحوبة بأطباق من حلوى مختلفة.. ويناول كل واحد منا طبقا.. والغريب أننا اكتشفنا بعد ذلك أنه أعطى لكل واحد منا نوع الحلوى التي يحبها ويشتهيها.. وأسررتها في نفسي.. وقلت أن هذا التصرف يدل على أنه على علاقة بالمرسل المجهول وأن لهذا الرجل شأن.. قد أكتشفه وقد لا أكتشفه.

بعد الطعام غفوت.. وجاءني المرسل المجهول.. كانت عيناه تدمعان ووجهه يضحك.. نظر نحوي في إشفاق ثم ربت عليّ ومسح على ركبتي ومضى فقمت أجرى خلفه ولم أفق إلا بعد أن أدركني إخواني وأجلسوني فقد كنت أجري نائما.. وسألوني في دهشة:
- هل ذهب ألم ركبتك؟
والغريب أنه ذهب كأن لم يكن.

***
وواصلنا المسير..
حتى وصلنا..

لبيك اللهم لبيك..لا شريك لك..
لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد .. والنعمة لك والملك.. لا شريك لك..


و أنا أسير على الأرض يحملني الموج البشري نحو الكعبة المشرفة خشيت ألا أشعر بالجلال..
خفت أن أكون ممن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؟..
خشيت أن أكون ممن طَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ؟..
كيف امتلكت كل هذه الجرأة لآتي و أنا أحمل على كاهلي هذا التقصير كله..
كيف أتيت بل كيف لم أهرب وأنا في المدينة المنورة..
في المدينة توجد الرحمة كلها وهنا يوجد الجلال كله..
لكن الرحمة هناك مغموسة بالجلال والجلال هنا مغموس بالرحمة..

لبيك اللهم لبيك..

***
ههنا تسكب العبرات..
ههنا..
ههنا..
الويل لك إن جفت دموعك..
الويل لك..


***

هل كانت دموع الشوق؟..
هل كانت التحنان؟..
هل كانت الخوف؟..
هل كانت الرعب؟..
هل كانت خجلا لأننا لم نلذ ببيت الله الحرام كما كان ينبغي لنا أن نلوذ ولم ندافع عنه كما كان ينبغي له؟ ..
هل كنت طفلا غاب وتاه وابتعد فلما آب جاشت مشاعره وفاضت عواطفه فارتد الطرف وعجز الحرف فلم يبق إلا الدموع..
طفلا تداعت عليه الدنيا كما تتداعى الأكلة على قصعتها وطاردته الوحوش، فما أن آب حتى بكى..
هل كنت عبدا اقترب ذراعا ففوجئ بسيده ومولاه يقترب باعا فراح يشكو لمولاه هوانه على الناس..

***
هل كانت..
هل كنت..
هل كان..
أم كانت قبسا من الرحمة تهاطل بالمشيئة كي يطفئ بعض النار المشبوبة فيّ ؟!..
بيت الله الحرام..
أعز مكان في الدنيا و أقدسه..
قلب القلب وروح الروح ورمز الهداية والنور..

***

كم تكون قسوة من يدعوك إلى نسيان أبيك و أمك..
كم يكون إجرام من يدعوك إلى نسيان أبنائك و أهلك..
كم يكون فجور من يدعوك إلى أن تهجر ماضيك كله ومستقبلك كله و أن تعيش أسير اللحظة مجرد حيوان ينتشي باللذة ويزدهي بالقوة..
لماذا يغيظهم إيماننا بالله..
نحن ندعو إلى مكارم الأخلاق فإلام يدعون هم..؟؟..
إلى الحيوانية والوحشية وعبادة الشيطان..؟!..

***
لماذا يدعوننا إلى الكفر..
لماذا..
لماذا..
***

لماذا تحالفت حكوماتنا و نخبتنا الخائنة معهم..
لماذا استعملت كل آليات الكذب الفاجر للمستشرقين والمستغربين لتشكيك الناس في دينهم..
لماذا سلطوا كلابهم لينهشونا.. فمن زنديق يتحدث عن التأسلم إلى خنزير يتحدث عن النص إلى حية رقطاء تنفث السم في العقيدة..
لماذا انتشر مفهوم البروتوكولات بينهم ليهدموا به الدين..
فاسقة منهم، ادعت أن الحج والطواف والسعي كلها عادات وثنية..
اعتمدت الفاسقة على جهود سلطة لا تقل فجرا تعمدت نشر الجهل بالدين، وصرخت الجاهلة أنها اكتشفت أن الطواف والسعي كانا من الشعائر التي تمارس في الجاهلية وقبل نزول الإسلام.. نسيت الجاهلة أو تعمدت أن تنسي أن الإسلام نفسه هو ملة إبراهيم عليه السلام.. و أن ما تدعي أنها قد فوجئت به هو من المعلوم بالضرورة.

***

لابد أن أكتب ملحقا للبروتوكولات أذكر الناس فيه بما نسوه ومنه أن الحج يتعلق بمشروع إلهي عظيم، فهو يذكرنا بالمشروع الذي بدأ بإبراهيم عليه السلام واكتمل بمحمد صلى الله عليه وسلم.

ومناسك الحج المختلفة هي مراحل هذا المشروع الإلهي التي يعيدها الحاج بصورة رمزية.
فالحاج يفارق موطنه متجهًا إلى الحجاز كما كان إبراهيم عليه السلام قد خرج من العراق متجهًا إلى الحجاز.
ويتخلى الحاج عن ملابسه العادية ويلفّ حول جسده رداءين، مماثلين للباس البسيط الذي كان إبراهيم وإسماعيل يرتديانه.
وعندما يصل الحاج مكة ويطوف حول الكعبة فهو يقلد الطواف الذي قام به إبراهيم وإسماعيل توثيقًا للعهد الإلهي.
وعندما يسعى الحاج سبع مرات بين الصفا والمروة فهو يقلّد سعي هاجر بحثًا عن الماء في الصحراء.
وعندما يذهب الحاج إلى منى وينحر قربانه فهو يعيد بصورة رمزية ما فعله إبراهيم حين استعد لنحر ابنه ثم نحر كبشًا بأمر ربه.
وعندما يتوجه الحاج إلى الجمرات فيرمي الشيطان بالجمار فهو يكرر عمل إسماعيل عليه السلام الذي رمي الشيطان بالجمرات عندما حاول أن يغويه.
ثم يجتمع كل الحجاج بميدان عرفات..
وهذا هو الشكل النهائي للكلمات "لبيك اللهم لبيك" التي يردّدها كل حاج. وهنا يجتمع كل الحجاج في ميدان واحد مفتوح فيعاهدون ربهم عهدًا جماعيًا بأنهم سيظلون ينفذّون في حياتهم القادمة ما تعلموه خلال الحج وأنهم سيعيشون مقلّدين حياة أولئك الأبرار الذين يؤدي الحج تذكارًا لهم.
وقد وصف القرآن مناسك الحج بالشعائر أي العلامات.. وهي كلها الوقائع التي وقعت لإبراهيم وأسرته خلال تنفيذ الخطة الإلهية التي سبق ذكرها. ويقلد الحاج هذه الوقائع بصورة رمزية ويعاهد ربه بأنه – هو الآخر – سيصبح جزءًا من هذا التاريخ بعد أن يعيد إليه حيويته.. فنحن نريده تاريخا حيا وهم يريدونه ميتا.

***
كنت قد قرأت كل هذا وراجعته عشرات المرات مستعينا بالخرائط والقواميس فالمرسل المجهول ضنين بكلماته مقتضب في إشاراته حيث يمكن أن يكون الأمر كلمة ويمكن أن تكون الكلمة حرفا.
قرأت وعاهدت ربي بأنني سوف أحطم حياتي القائمة لأتقدم نحو الحق لا ألوي على شيء، وأنني سأدور حول معنى الألوهية وأوامرها فحيث أمرت أكون.. و لو اقتضت الضرورة لأجل حماية الدين من بروتوكولات حكماء العرب فإنني مستعد لكي أذهب إلى منتهى ما يمكن أن يذهب إليه أحد من البشر وهو أن "يذبح" ابنه ابتغاء مرضاة الله.

***

نعم.. لقد استدار الزمان اليوم مرة أخرى ليعود إلى سيرته التي كان عليها أيام إبراهيم عليه السلام عندما كان الشرك والوثنية يسيطران على فكر البشر ، والحقيقة أن قضية العصر الحاضر هي عين قضية العصر القديم. إما إيمان و إما كفر.
قلت لنفسي: يجب أن يستعد البعض مرة أخرى للذبح، ويجب مرة أخرى أن يُسكِن البعض أولاده في "الصحراء" لإحياء تاريخ الدين من جديد ولمقاومة بروتوكولات حكماء العرب. وكان القضاء على عصر الشرك يتطلب التضحية بنسل بشرى، واليوم نحتاج إلى تضحية مماثلة للقضاء على عصر الإلحاد. وهذا هو أكبر درس للحج، و"الحج المبرور" هو حج من يعود من الأراضي المقدسة بهذا العزم..
وأنا أشهدك يا رب أنني عزمت على هذا[7].
وكما كان الشرك يتمتع بالغلبة العالمية في عهد إبراهيم عليه السلام، فالإلحاد يتمتع بالغلبة العالمية اليوم. وواجب العائدين من الحج اليوم أن ينضموا جميعا إلىّ في مواجهة بروتوكولات حكماء العرب. ويجب عليهم أن يضحّوا في هذا السبيل بكل ما تقتضيه الأحوال منهم، فيجب عليهم أن يحوّلوا التضحية الرمزية إلى تضحية حقيقية.

هل كان المرسل المجهول يعني هذا عندما أمرني بالحج ؟ أن الحج عزم على إعادة هذا التاريخ بصورة رمزية في أيام الحج، وبصورة عمل مخطط في الحياة الحقيقية بعد انقضاء أيام الحج.

***

لبيك اللهم لبيك..
لبيك لا شريك لك لبيك..
إن الحمد والنعمة لك والملك..
لا شريك لك..


***

أتوقع اللقاء مع مرسل المخطوط في كل لحظة وفي كل خطوة لأنه لم يحدد زمانا ولا مكانا بل إنه لم يعد باللقاء وعدا صريحا..
توقعته في الطريق.. وتوقعته في المدينة.. وها أنذا أتوقعه هنا.. وإن كان يغلب على ظني أنه سيكون في عرفات.. لقد قال لي اذهب إلى الحج.. والحج عرفة..

***

أطوف مع الطائفين..
سبحانك..
سنة الوجود كله هي الطواف..
أتأمل ذلك النظام الكوني المعجز الذي تعتمد الحركة فيه على الدوران حول مركز معين إن الأرض التي نعيش عليها تدور في فلك خاص بها حول الشمس مرة كل عام. والقمر يدور في فلك خاص به حول الأرض مرة كل شهر عربي، كما أن الكواكب الأخرى تدور في أفلاك خاصة بها حول الشمس، ومعظم هذه الكواكب لها أقمار تدور حولها.فنحن إذن نعيش في كون لانهائي تعتمد الحركة فيه على الدوران الذي هو أشبه بالطواف، وكأننا بهذا نلفت الأنظار إلى ناموس كوني وسنة عامة تتجلى في الخلق كله. وإذا انتقلنا إلى عالم الذرة، فإنها تتكون من أجزاء أصغر تطوف حول المركز..

سبحانك..
لبيك اللهم لبيك..

لا يتخلف عالم الأحياء عن هذه السنة الكونية التي تدل على وحدة الكون ووحدانية الخالق، فقد كشف العلم الحديث من خلال تقنية المجاهر (الميكروسكوبات) أن "السيتوبلازم" في الخلية الحية يدور أو يطوف حول نواتها.[8]

وهكذا يتعدد الطائفون، سواء في حالة الإلكترونات حول نواة الذرة أو الكواكب حول الشمس أو الأقمار حول الكواكب مراكز المجرات، أو المجرات حول مركز كوني لا نعرفه، فالكل يسبح ويطوف مصداقًا لقوله تعالى: "كل في فلك يسبحون".

***
ليس من بقايا الوثنية إذن يا حصب جهنم يا جنود البروتوكولات والشيطان .. إنما هو يرمز إلى سر عظيم من أسرار الكون فكأن الكعبة المشرفة مركز للجاذبية الروحية التي ينبغي أن تكون بين العبد المؤمن وبيت الله العتيق، هذا البيت الذي يستقبله المسلمون ويتجهون إليه في صلاتهم خمس مرات على الأقل كل يوم وهم بعيدون عنه. وهذه الجاذبية الروحية هي القوة الخفية التي تجعل كل قادم يطوف حول الكعبة بمجرد الوصول إليها، تمامًا مثلما يطوف أي جِرم سماوي بمجرد وقوعه في أسر جاذبية جِرم آخر أكبر منه.

ولطالما بكيت خشوعا وانبهارا وحنانا عندما عرفت أن حركة الطواف واللف والدوران حول الكعبة هي انسجام مع حركة الكون؛ ذلك لأن الحركة المنضبطة هي الحركة جهة اليمين - عكس الحركة اليسارية لعقارب الساعة - وهذا هو عين ما يفعله الطائف بالبيت.. وهو ما تفعله الكواكب والنجوم والمجرات.

***
لبيك اللهم لبيك.
أطوف مع الطائفين..
أبحث بينهم عن المرسل المجهول..
أقارن طوافي بطواف الإليكترون حول البروتون و بطواف الشمس حول الأرض وبطواف الشمس حول المجرة بطواف المجرة حول الكون..

أهتف : لا إله إلا أنت سبحانك..
أقارن طوافي بطواف السيتوبلازم حول النواة في الخلية فلا أملك إلا أن أهتف: لا إله إلا أنت سبحانك..
لا إله إلا الله .. واحد أحد.. وحدة المنهج والنظام.. سبحانه.. تركيب الذرة ونظامها هو نفسه تركيب المجموعة الشمسية ونظامها.. والطواف هو ذات الطواف.. لكنني أشارك فيه.. فلا إله إلا أنت سبحانك..

وأصرخ: كيف جرؤا على الكفر..
كيف جعلوا بينهم وبين الله حمقهم.

***
لبيك اللهم لبيك..أطوف مع الطائفين..
أتذكر مراحل الجنين في الرحم حيث يلخص في دورته دورة الكائن الحي كله..
الحج أيضا يلخص في مناسكه الوجود البشري كله..
وما أشبه الطائفين في هذين الإزارين البسيطين بيوم النشور.

***
لبيك اللهم لبيك..ما من واحد من هؤلاء الطائفين إلا وهو مستعد أن يبذل ما يملكه كله حتى يصل إلى الحجر الأسود ليقبله..
ولكن ينادى للصلاة، فيتوقف الطواف فجأة، ويصطف الناس حول الكعبة، وترى الحجر الأسود وقد نسيه الجميع فكأنه لا يوجد.
أنت يا من كرمك الله تستطيع التوقف عن الطواف لأنك حملت الأمانة..
أنت يا من كرمك الله تستطيع أن تجعل من هذا التوقف مزيدا من الإيمان..
ليس الطواف إذن، وليس تقبيل الحجر الأسود سوى تنفيذ لأمر ..
فإن صدر أمر آخر له الأولوية نفذ على الفور..
تماما كما تصرف الصلاة الطائفين عن الطواف والمقبلين عن التقبيل.

لا إله إلا الله..
لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الجبار.
قمة التوحيد.
وكنت أطوف مع الطائفين..
وقلت لنفسي أن هذه القدرة المذهلة على التحكم في النفس والشعور هي عين ما يرعب أعداءنا.
نعم.. عشرات الآلاف.. بل مئات الآلاف يطوفون فما أن تقام الصلاة حتى يتوقف الطواف على الفور..
أي قدرة مذهلة على التحكم في الحركة وفي الشعور..
وعشرات بل مئات الآلاف يتنافسون تنافسا لا يمكن وصفه ولا تصوره على الوصول إلى الحجر الأسود.. فما أن تقام الصلاة حتى يتوقف كل ذلك على الفور..
أي قدرة هائلة مذهلة..
أي انتماء هائل مذهل.. ليس إلى الكعبة بل إلى رب الكعبة.. وليس إلى الحجر الأسود بل إلى خالق الحجر الأسود..
أي قوة هائلة سأملكها لو تمكنت من إقناع هؤلاء أن يقفوا معي للانتصار على بروتوكولات حكماء العرب.

***

لبيك اللهم لبيك..
لبيك لا شريك لك لبيك..
إن الحمد والنعمة لك والملك..
لا شريك لك..


أي قدرة مذهلة عند العالم والجاهل على حد سواء، عند الصبي والشيخ، الرجل والمرأة، قدرة مذهلة على استقبال الأمر وفهمه وتنفيذه على الفور.

أي جيش مذهل يمكننا أن نملكه لو قام على نفس هذا الأساس: الإيمان والتوحيد.. أي جيش مذهل يملك مثل تلك القدرة الهائلة على التحكم في كل هذه الجموع على مستوى الحركة ومستوى المشاعر في نفس الوقت..

وكيف أمكن أن يهزمنا أحد..

***

لبيك اللهم لبيك..

كانت أول دعوة دعوت الله بها أن ينصر الإسلام والمسلمين..

***
أطوف مع الطائفين..
أبحث عنه..أنتظره..
تخيلت لوهلة أن أجد أن من يطوف إلى جواري هو هو..
يا رب..
يا رب..
يا رب..

***
أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تنصر الإسلام والمسلمين..

يا رب.. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا.. فاجعل أمر الكافرين علينا من حكام أعدائنا وحكامنا سهلا..

يا رب.. أعوذ بك أن نضل، أو نُضل، أو نزل، أو نُزل أو نظلم أو نُظلم، أو نجهل، أو يجهل علينا..

يا رب..

جاءنا ابتلاء الأولين وليس لدينا إيمانهم..
وما أشبه حال المسلمين اليوم بالحال التي وصفها الله عز وجل في محكم كتابه إذ قال: {إِذْ جاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونا ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً} [الأحزاب: 33/10-11].

تلك هي حال المسلمين اليوم تماماً كما وصفها الله سبحانه وتعالى بالأمس، مع فارق كبير، هذا الفارق يشكل الكارثة الكبرى؛ ألا وهي أن المؤمنين الذين أصابهم ذلك البلاء الذي وصفه الله عز وجل كانوا صادقين مع الله، أما المسلمون اليوم فأكثرهم خونة لإسلامهم، معرضون عن مولاهم وخالقهم سبحانه وتعالى، يوالون أعداءهم وأعداء مولاهم وخالقهم عز وجل.
تلك هي المصيبة التي ينفرد بها المسلمون الآن. هذه المحنة التي تدور رحاها على إخوة لنا هم بِضْعَة من جسد هذه الأمة الإسلامية الواحدة، هذا البلاء الماحق الذي كاد أن يَجْتَثَّهُم، هذا الذي ترونه مما لا يستطيع القلب أن يتصوره وأن يتمثله. ما هو موقف قادة الأمة العربية، ولا أتحدث عن الأمة الإسلامية كلها، ما موقفهم من هذا الذي يجري صباح مساء؟ لاشيء، لا يزال كل منهم منصرفاً إلى شأنه، إلى لهوه، لا يزال كل منهم منصرفاً إلى النهج الأمثل الذي ينبغي أن يحافظ به على عرشه أو على كرسيه يدرس ويستذكر ويطبق البروتوكولات التي تمكنه منا.

يا رب..


يا أرحم الراحمين ارحمنا وإلى غيرك لا تكلنا وعن بابك لا تطردنا ومن نعمائك لا تحرمنا ومن شرور أنفسنا ومن شرور خلقك سلِّمْنا.

اللهم يا من لا يرد سائله ولا يـُخيِّب للعبد رجاءه إنا قد بسطنا إليك أكف الضراعة متوسلين إليك بأسمائك الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم.

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً . اللهم ردنا إليك وأنت راضٍ عنا .

اللهم اقذف رجاءك في قلوبنا واقطع رجاءنا عمن سواك حتى لا نرجو أحداً غيرك فأنت مولانا وَ وَلِيِّنا في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم يا عظيم نسألك باسمك العظيم أن تَكْفِنَا كل أمر عظيم.

يا مُفَرِّجاً فَرِّجْ يا مُفَرِّجاً فَرِّجْ يا مُفَرِّجاً فَرِّجْ..
اللهم إنا نسألك ونتوسل إليك بذل عبوديتنا لك وبعظيم افتقارنا إليك، نسألك ونتوسل إليك بدموع الثكالى، بدموع الأطفال الذين يُتِّموا، بدموع الأُسَر التي شُرِّدت، نتوسل إليك يا مولانا برحمتك التي وسعت كل شيء، يا أرحم من سُئِل، ويا أكرم من أعطى، نتوسل إليك يا رب بعبادك الشُّعْث الغُبْر الذين لو أقسم عليك أحد منهم لأبررت قَسَمَه، نتوسل إليك يا رب بوعدك الذي قطعته على نفسك {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} نتوسل إليك بذلك كله بين يدي دعائنا وبين يدي أكفنا الـمُقْبِلة إليك نسألك اللهم أن تنتصر لإخواننا عبادك المستضعفين المؤمنين المظلومين.

يا رب :
ارفع مقتك وغضبك عنـا ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ولا تعاملنا بما فعل السفهاء منا، ولا بما يفعل حكامنا..

يا كاشف كل ضر وبلية . يا عالم كل سر وخفية.

اللهم انقطع الرجاء إلا منك وأُغلقت الأبواب إلا بابك فلا تكلنا إلى أحدٍ سواك في أمور ديننا ودنيانا طرفة عين ولا أقل من ذلك وأعذنا من الشر كله واجمع لنا الخير كله يا أكرم من سئل وأجود من أعطى.

يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث..

اللهم إنا ببابك نقف فلا تطردنا وإياك نسأل فلا تخيبنا 
اللهم إنك تعلم أننا لا نملك من الجهاد الذي أمرتنا به في هذه الساعة إلا هذا الالتجاء، إلا هذا الرجاء، إلا أن نطرق بابك العالي يا رب العالمين، فنسألك بإيماننا بك، وبتوحيدنا لك، نسألك بأنك ولينا الأوحد الذي لا ولي من دونك، أن تستجيب الساعة دعاءنا فتنصر عبادك المؤمنين المستضْعَفين في فلسطين و أفغانستان والعراق والشيشان وكشمير وسائر بلاد المسلمين، وأن تردَّ عنهم كيد الكائدين بما شئت وكيف شئت يا رب العالمين.


اللهم انتقم من أعدائك وأعدائنا، اللهم انتقم منهم، اللهم انتقم من أعدائك وأعدائنا انتقاماً يشفي غليل صدور قوم مؤمنين يا رب العالمين يا أكرم الأكرمين.

اللهم انتقم من حكامنا الذين أذلونا هذه المذلة و أوصلونا إلى هذا الحال..

انتقم ممن يعلم البروتوكولات ومن يتعلمها ومن عرف بها فسكت عنها..

إلهي أنت القائل: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 11/102] أَرِنَا اللهم كيف يكون أخذك الأليم الشديد لهؤلاء المستكبرين عليك الطغاة على عبادك.

يا رب إن عبادك المؤمنين الذين يُسْحَقون ويُمْحَقون وإن كانوا قِلَّةً ولكنهم مؤمنون ولكنهم صادقون، اللهم إنهم قد رَخَّصُوا أرواحهم واستهانوا بحياتهم في سبيل مرضاتك، فنسألك اللهم بصدق إيمانهم بك وبصدق التجائهم إليك أن تستجيب الساعة دعاءنا. اِرفع اللهم هذا الكرب عن إخوتنا وجيراننا يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك ونتوسل إليك بحبك لرسولك محمد صلى الله عليه وسلّم الذي دعاك ليلة بدر قائلاً: ((اللهم إن تخذل هذه العصابة فلن تُعْبَد في الأرض)) ندعوك بما دعاك به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلّم، ونستمطر التلبية التي لبيت بها رسولك محمداً صلى الله عليه وسلّم، ننتظر النصر الذي أكرمت به رسولك محمداً صلى الله عليه وسلّم. نسألك اللهم بانتسابنا إليه، نسألك اللهم بأننا من أمته، نسألك اللهم بأننا صادقون على العهد سائرون على الدرب أن لا تخيّب آمالنا يا رب العالمين.

***

اللهم إنك قلت وقولك الحق ادعوني أستجب لكم ، اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التِّكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

***

جلست في صحن الكعبة أتلو ما تيسر من القرآن الكريم..

في زمني الأول –قبل وصول المخطوط إليّ- كنت أقرأ القرآن بعقلي معظم الأحيان، وبقلبي أحيانا، لكنني في تلك السويعات التي لا أنسى حلاوتها أبدا رحت أقرأ القرآن بوجودي كله، والكعبة المشرفة أمامي، وكل شيء قد اختلف حتى شكل الحروف وصوتي، و أنا لا أكف عن القراءة مذهولا وثملا بنشوة لم أحسها قبل ذلك قط، وكنت إذ أقرأ مرعوبا من دخول وقت الصلاة لأنها ستقطعني عن قراءة القرآن وكأنني بالانقطاع عن التلاوة ولو بالصلاة سأنقطع عن الهواء الذي أتنفسه فإذا بدأت الصلاة أصبحت مرعوبا لأنها سرعان ما ستنتهي وكأنما بنهايتها سيتوقف تدفق الدماء في عروقي، أحسست ساعتها بقبس من الرحمة يشملني، قبس؟ بل طوفان، يغسلني، ويطهرني من درن الدنيا ونجاستها لأعود إلى براءة الخلق الأول وطهارته، وراح جزء من نفسي يخاطب جزءها الآخر في لوعة: يا أحمق يا مسكين، قضيت عمرك في الصحراء، شوتك الشمس، وجمدك صقيع الليل، وأدمت قدميك صخور كالحراب، و روعتك وحوش الفلاة، وغرقت فيما لم يكن لك به ضرورة لأن الطريق مقطوع مقطوع، بك أو بدونك، ذلك أن أمر الله نافذ و إن جلت على الأفهام حكمته، لكنك اخترت الطريق الوعر وغفلت أحمق يا مسكين عن طريق آخر كان بجوارك دائما، طريق يحفه الأمن والجلال والروعة والنشوة، طريق مرصوف بالجوهر مصفوف بالياقوت محوط بالملائكة، طريق القرآن، وتلك السويعات الفريدة التي أحاول منذ ذقت حلاوتها أن أستعيدها دون جدوى.

في تلك السويعات كنت أكاد أصرخ:
- هل أريد من الدنيا شيئا آخر؟، هل توجد في الدنيا سعادة أكثر من هذه؟
ثم ما ألبث حتى أستدرك:
- بل هل أطمع في الآخرة في نشوة أكثر من تلك.؟ يكفيني هذا، يكفيني ويزيد، تهبط على قلبي السكينة ويغرقني الحب، فالبشر جميعا ليسوا إخوة فقط، بل إن تلك الشمس بكل ما فيها من نار هي أختي في الخلق، وهذا القمر بكل ما فيه من ضياء هو أخي، خلقنا نفس الخالق البارئ المصور جلت قدرته وحكمته فهو البديع. وجميعهم يسبح مثلي ويسجد.

تذكرت أنه عندما تقدم العمر بسيدنا خالد بن الوليد أخذ المصحف وبكى .
وقال: أشغلنا عنك الجهاد .
بكيت بكيت بكيت بكيت..
يا سيدنا خالد، أشغلك عنه الجهاد فتبكي.
فماذا لو كنت مثلنا و أشغلتك عنه الدنيا.
بل تشغل الدنيا أهل الكعبة عنها.. فيستحلونها..
نعم.. يستحلونها ..فلا يستحلُّ البيت الحرام إلا أهلُه، فإذا استحلوه يصيبهم الهلاك ثم يخرج رجل من أرض الحبشة يقال له ذو السويقتين فيستحل البيت الحرام ويخرب الكعبة وينقضها حجراً حجراً ويسلب حليتها ويجرِّدها من كسوتها وذلك في آخر الزمان ولا يُعمر البيتُ بعد هدمه أبداً.
وأبكي.. لا أتصور مكة بغير الكعبة.. ولا أتصور الدنيا بغير مكة..
....


كنت ساعتها جالسا أمام الكعبة لا يشغلني عن القرآن شيء، وجاءتني الإشارة والبشارة، كنت أجلس على حافة ممر، وجاء الجندي ليخلي الممر وجذب الكثيرين جدا ممن أمامي ومن خلفي كي يخلي الممر للمصلين، لكنه تركني، قلت لنفسي لعلى لم أتجاوز المسموح ولعله لم يرني، لكنه بعد حين تصنع أنه يسلم علي ليهمس في أذني:

- لقد تركتك متعمدا.
وتهاطلت دموعي تسبح:
- لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لك الحمد.
شككت للحظة أنه من أنتظر: المرسل المجهول..
لكن سرعات ما شغلني القرآن عنه..
وساعتها كنت أحس كما لو أن خواصا جديدة أضيفت إلى سمعي وبصري وقلبي وعقلي فأصبحت أسمع ما لم أكن أسمع و أرى ما لم أكن أر و أحس بما كان لا يمكنني الإحساس به فأفهم ما لم أكن أفهم، بل حتى صوتي قد تغير وأصبح لنبراته في ترتيل القرآن رنين لم أسمعه قبل ذلك أبدا. كان الصوت طوفانا ملموسا ومحسوسا من النور ولم تكن الحنجرة مصدره بل من القلب كان يأتي، ولم أكن-ساعتها- أسمع بأذني وحدها.كان القلب أيضا هو الذي يسمع وكانت نياطه هي التي تهتز، من أجل ذلك كنت أسمع هدير صوت النجم الثاقب، هل تخيل أحدكم يوما، وهو الذي تعود أن يزعج مسامعه صوت طائرة تحلق، هل تصور كيف يكون صوت هدير دوران الأرض حول الشمس، بل صوت دوران الشمس نفسها، هل تخيل أحدكم أن يرى أبعد من فرسخ أو فرسخين، فكيف بمن يرى سرعة الضوء التي يتسع بها الكون ويتمدد، هل أطعنا القرآن هل تدبرنا هل أحسسنا هل عقلنا؟؟؟؟.

كنت جالسا أقرأ القرآن، أخشى أن يفرط القلم فيفرّط، فلم أكن أقرأ بقدر ما كنت أذوب، وكنت أتعبد بالنظر إلى الكعبة، وكان إخوتي من الناس يطوفون حولها تسبيحا وعبادة، فاض الحب فطغى، أصبح الإخوان إخوة و أصبح الإخوة أشقاء، وفي نفس الوقت، كانت النجوم أمة يطفن في السماء تسبيحا لله وعبادة، كن يسابقنني، وكان القمر أمة يدور طوافا وعبادة.

وكان اتجاه الدوران كله هو اتجاه الطواف حول الكعبة..

***
وكنت أبحر في بحر القرآن ذلك الإبحار الممتع الذي يجعلني لا أريد أن أعود إلى الشاطئ أبدا، تمنيت أن أظل كذلك حتى أموت، وطاف بخاطري أنه لو تحققت أمنيتي فإنني لن أحس بالموت، سوف يكون مجرد انتقال ما أبسطه وما أهونه، مجرد جلباب رثَّ واتسخ فآن أوان استبداله، أما من داخل الجلباب القارئ للقرآن فسيظل يقرأه لا يشعر حتى باستبدال ثوبه.

هل كانت تلك السويعات هي اكتشاف سر اسم الله الأعظم الذي يذهب بعض العلماء إلى كونه حالة وجدانية يكون أي اسم من أسماء الله فيها هو اسمه الأعظم.؟.
ربما..
لكنني أعترف، أنني أبدو أمام نفسي كمن أضاع أثمن شيء في حياته التي لا يبقيه عليها إلا الأمل في العثور ذات يوم على ما فقد.
أبدو أمام نفسي كشخص دخل الجنة ثم أخرج منها.
هل يوجد ثمن في الدنيا ينكص هذا الشخص عن دفعه حتى يعود إليها؟!.
تضاءلت الدنيا. . وحتى اهتمامي بالمرسل المجهول قد تضاءل..!!



لبيك اللهم لبيك.."2"
في عرفات




كنت على مشارف عرفات ألبى..

وكان قلبي مشغولا بالمرسل المجهول للمخطوط..

هل ألقاه حقا؟.. كيف ألقاه؟.. أين ألقاه؟؟..
هذه هي المحطة الأخيرة..
لا.. لا .. ليست الأخيرة.. بقيت المزدلفة وبقيت منى..

لبيك اللهم لبيك..

كان الرهط الذي تعرفت عليه قد وثق بى.. اشتدت الثقة حتى اضطررت لأن أقسم لهم أنني لست المرسل المجهول للمخطوط.. وأنني لست سوى حافظ ناقل ناشر.. ما يميزني عن سواي أنني أحتفظ بالنسخة الأصلية للمخطوط.. بينما ما يتداول بين الناس نسخ مصورة أو منقولة كي يزيد فيها من يزيد وينقص من ينقص.. بل ويحرف من يحرف.. فلقد لاحظت والنار تحرق قلبي أن بعض الناس ممن زعموا أنهم سيتبعونها زادوا عليها ما ليس منها خدمة لمصالحهم.

وأنا أحدثهم انفجر سؤال في قلبي كالنزيف وكالنار..

كيف لم أفطن..

لقد اشتد تركيزي طيلة الوقت على حكامنا وولاة أمورنا.. مدركا أن السمكة حين تفسد فيها الرأس تفسد.. لكن.. لماذا لم أمد بصري كي أرى أكثر.. لماذا لم أر إلا جلالة الجلالات وفخامة الفخامات وسمو السموات.. لماذا وقر بخاطري أن الأمر قد اقتصر على ذلك الحكيم الشيطاني الذي يعلمهم حكمة الرؤساء والملوك.. لماذا لم أتصور أن لذلك الحكيم الشيطان أتباعا وتلاميذ ومساعدين.. وأن هؤلاء الأتباع والتلاميذ والمساعدون أقل قدرا من أن يحاضروا بين الملوك.. لكنهم يذهبون إلى الآخرين.. لماذا لم أضع بين احتمالاتي أن واحدا منهم يذهب إلى علمائنا كي يمسخ من يستطيع أن يمسخه منهم خنازير وقردة.. لماذا لم أضع في حسباني أن واحدا منهم يذهب ليعلم الصحفيين كيف يكذبون وكيف ينافقون.. وأن آخر يذهب إلى القضاة يدربهم كيف يكونوا من قضاة النار.. كيف يتعلمون القانون لا ليطبقوه بل ليهدروه.. لماذا لم أتصور أن واحدا منهم يذهب إلى جهاز العسس.. فيعلمهم كيف يكونون أشد ضراوة من الوحوش وأكثر شراسة من كلاب الصيد.. لماذا لم أتخيل أن آخر يذهب إلى الوزراء.. وآخر لوكلائهم.. وآخر للشعراء وآخر للكتاب وآخر.. وآخر .. وآخر.. كيف عميت بصيرتي وانطمس عقلي.. بل كيف جاز لي أن أتصور أن الرجل الشيطاني الذي يعلم الملوك كيف يكونون ملوكا والرؤساء كيف يكونون رؤساء والأمراء كيف يكونون أمراء .. كيف جاز لي أن أتصور أنه فرد لا هيئة أخطبوطية تحيط بنا كما تحيط خيوط العنكبوت بذبابة.. كيف انطلى على عقلي الكليل أن يحسب ولو للحظة أنه واحد وليس مؤسسة هائلة.. وأنني إذا انتويت الجهاد والتصدي لن أواجه فردا.. بل جيشا عرمرما..

لبيك اللهم لبيك..

اقترب منى الرجل الحادي عشر.. رجل بلد الـ"بدون".. همس لي..:
- هناك سر يثقل على قلبي أريد أن أفضى إليك به.. ففي بلدنا كما تعلم جاوز عمر حاكمنا تسعين عاما.. ولقد انقلب على ملكنا السابق وقتله.. ظل ستين عاما يعدد عيوب النظام الملكي ويمن علينا أنه قد قضى عليه.. فرحنا به في البداية وتبادلنا التهاني ولكننا بعد ذلك بكينا على أيام بكينا حينها منها.. في منتصف سنته الخامسة والثلاثين في الحكم أمسك هو عن التنديد بالملك.. كان هو أسوأ من الملك ألف مرة.. وكان أكثر شرا حتى من كل ما قيل عنه.. اتفق مع الأعداء ونحن نعلم أن يبيعنا ويبيع الدين مقابل الحكم.. وباع .. وباع .. وباع.. ولم يعد لدى الناس أمل في أي تغيير قبل أن يأتيه عزرائيل.. ستون عاما من الأمل.. ستون عاما من الصبر.. ستون عاما من الترقب.. ستون عاما من الانتظار.. ستون عاما من اليأس.. ستون عاما من التعذيب.. ستون عاما من التزوير.. ستون عاما من الكذب.. ستون عاما من مطاردة من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله..

نظرت إليه في دهشة فليس في كل ما قال أي سر.. فواصل:
- مات معظمنا قبل أن يحمله مركب الصبر إلى مبتغاه.. لكن بقى الأمل في أن حاكمنا لا يمكن أن يعيش أكثر مما عاش.. كنا كمن أشرف على الغرق.. فجاهد وجاهد وجاهد وقاوم وقاوم وقاوم حتى أعماه الإعياء لكنه أحس باقتراب الشاطئ .. ثم فجأة إذا بموجة هائلة تدفعه إلى أبعد مما كان..
نظرت إليه مستزيدا كي أفهم فواصل:
- لم أفهم كيف يصنعون الرؤساء والملوك إلا بعد أن قرأت ما وصلني من "بروتوكولات حكماء العرب" هي التي كشفت لي السر..

فنظرت إليه مستزيدا كي أفهم.. فقال :
- هل رأيت كيف صنعوا بوتن ملك الروس ؟..
فأومأت فواصل:
- حاكمنا العجوز يدبر ويخطط.. يعلم كم يبغضه الناس.. ويعلم أن اللحظة التي ينتقل الحكم فيها إلى من سواه فإن الناس قد تنبش قبره لتفعل في رمسه ما عجزت أن تفعله به..

نظرت إليه مستزيدا فقال:
- يخطط الذئب العجوز للانتخابات المزورة القادمة.. سوف يدفع ابنه للترشيح في واحة بعيدة عن العاصمة.. وبالتزوير سوف ينجح.. وفى جلسات مجلس الشيوخ الأولى سوف يهاجم نظام حكم أبيه.. سوف يهاجم الفساد والظلم والقهر والطغيان والكذب والرشوة والمحسوبية وجميع ما تعرف.. سوف تكون تمثيلية مدبرة.. فما من عضو في مجلس شيوخنا إلا وهو خصي باع رجولته كي يتاح له شرف الاطلاع على عورة سيده.. سوف يقوم كل خصي بما أسند له.. وسوف تتم التمثيلية الكبرى بل المهزلة.. سوف تؤيد الأغلبية الخصية الابن ضد أبيه.. وسوف تحشد المظاهرات لتأييد الابن ضد أبيه.. وسوف يتظاهر الذئب العجوز أنه لا يملك سوى الاستسلام أمام رغبة رعيته .. سوف يسألهم عما يريدون .. وسوف ينفجر الناس بالنشوة للنصر الكاذب.. فيدسون بينهم من يقودهم للمظاهرات التي تطالب بالإبن خلفا لأبيه.. ويتصنع الذئب أنه ينزل على أمر الجماهير.. وهكذا.. سوف يصل الابن إلى منصب الحاكم كمطلب جماهيري.. لنبدأ ستين عاما أخرى ننتظر فيها عزرائيل..[9]

***

لبيك اللهم لبيك..
لبيك لا شريك لك لبيك..

***

كنا قد وصلنا إلى جبل الرحمة..
أسترجع خطى حبيبي..
أتذكر خطبة الوداع..
وأبكي..
هل ها هنا كانت تقف ناقتك القصواء يا حبيبي؟..

يا شفيعي يوم القيامة..
يا من برسالته خرجت من ظلمة الظلمات إلى النور..
يا من أدى إلينا أمانة ربه.. وبلغنا رسالته.. ليضيعها ولاة أمورنا .. ولنضيعها.. فكيف وقد ضيعناها نأمل في نجاة..

كنت أواجه الصخرات من جبل الرحمة..
وكان قلبي بين ضلوعي يسجد.. وكان الجبل يسجد وكانت الشمس تسجد..

وكنت أقول لنفسي كيف نواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حين يأتي الله به علينا شهيدا..
وقلت لنفسي أننا وحق جلال الله الذي ما قدروه حق قدره نؤمن.. لكن ولاة أمورنا لا يصدقونك يا حبيبي..
إنهم على دين ذلك الفاجر الذي أجابك إذ تدعوه :

" والله لا أكلمك كلمة أبدا، إن كان الله أرسلك كما تقول فأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، وإن كنت تكذب فما ينبغي لي أن أكلمك"..

يقولون ذلك يا حبيبي ثم يغرون بنا سفهاءهم وعبيدهم وعسسهم ورؤساء تحريرهم وقضاتهم يسبوننا ويسخرون بنا ويطاردوننا ويعتقلوننا ويقتلوننا ..

كنت أواجه الصخرات..
ولم يكن هناك إمام أعظم.. فما من إمام أعظم اليوم في أمتك يا حبيبي إلا منفىُّ أو مأسور أو معتقل أو مقتول أو هارب..
كنت أواجه الصخرات من جبل الرحمة..
وكانت عيني تدمع وقلبي يسجد ولساني يدعو.. فيشكو إلى الله ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على أعدائنا وأعداء الله بعد أن تحالف ملوكنا مع أعداء الله علينا..

كنت أصرخ:

يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربنا ، لمن تكلنا؟.. إلى عدو ملكته أمرنا؟ .. أم إلى ملوك جعلوا همهم في الدنيا أن يجففوا منابع دينك.. وأن يطاردوا أولياءك في أربعة أركان الأرض .. إلى من تكلنا ؟!.. إلى أمير خان ورئيس هان فمالئوا يا رب علينا عدونا وعدوك.. أم إلى عسس كان عليهم أن يسعوا في الأرض كي ينفذوا يا رب أمرك فإذا بهم لا يسعون في الأرض إلا ليبطشوا بمن يقوم بأمرك.. أم إلى قضاة كان عليهم أن يحكموا بيننا بشرعك .. فإذا بهم يا رب يبيعونه بعرض الدنيا الزائل فيبلغ بهم الفجور أن يحكموا على من ينادى بشريعتك وشرعك..

يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربنا ، لمن تكلنا؟.. إلى أبى جهل يسوسنا؟؟.. –نعم..أبو جهل.. فقد أعادته البروتوكولات هو وإخوانه إلى الساحة حية فتية- أم إلى أبى لهب وقد مالأ علينا عدونا وعدوك.. وإلى الملك الضليل.. والحافظ لدين الله فما حفظ والمنتصر بدين الله وما انتصر.. والمستعين بالله ولم يستعن إلا بالشيطان.. والمعتصم بالله ولم يعتصم إلا بالغرب.. والمتوكل على الله ولم يتوكل إلا على التعذيب والتزوير.. .. هؤلاء يا رب هم أمراؤنا وملوكنا وحكامنا وقوادنا ووزراؤنا ورؤساء هيئاتنا وعسسنا وقضاتنا ورؤساء تحريرنا وكتابنا الذين تنشر مقالاتهم في أكبر الصحف بأضخم الأبناط.. ثأرنا منهم يوم القيامة عندك..

إلى من تكلنا..
أنت الحق لا حق إلاك..
وقد ابتليتنا.. فخفف علينا ابتلاءك.. نحن عبيدك.. نحن الضعفاء لكننا لا نؤمن بسواك..
ابتليتنا بهم يا رب.. فعلمنا كيف نواجه الابتلاء لننتصر على البلاء..
خارت قوانا يا رب..
من يحصى من قتل منا يقول لم يسجن ولم يعتقل أحد..
ومن يحصى من سُجن أو اعتقل يقول لم يقتل أحد..
من يحصى من قاوم منا واعترض يقول لم يوافق ولم يستسلم أحد..
ومن يحصى من وافق واستسلم يقول لم يعترض ولم يقاوم أحد..
ولقد حاولنا وعزتك وجلالك..
حاولنا..
حاولنا حتى بلغت القلوب منا الحناجر .. فاستيأسنا..
نعرف أننا لم نحاول كما ينبغي أن تكون المحاولة..
ولم نحبك كما كان ينبغي أن نحبك..
ولم نستشهد في سبيلك كما كان يجب أن نستشهد..
نعرف يا رب أنك أخذت علينا العهد والميثاق فنسينا الميثاق وخُنّا العهد..
نعرف فنستغفر فنتوب ..
ونعرف أن الأولى بنا أن نستغفر عن استغفارنا لأننا لم نعرف كيف يكون الاستغفار وأن نتوب عن توبتنا التي لم تعرف كيف تكون التوبة..

خطاءون يا رب نحن لكننا عبادك التوابون فألهمنا كيف نواجه الابتلاء.. أعنا وأرنا فيهم يا رب آية..
خطاءون نحن يا رب.. لكننا توابون..

ضعفاء نحن يا رب .. ولم يعد لها من دونك كاشفة فلو خرجنا عليهم هلكنا.. ولو أطعناهم هلكنا.. ولو دخلنا إلى دورنا هلكنا..

حاصرونا يا رب.. ملكوا علينا أقطار الأرض.. خاننا أمراؤنا وشيوخنا فانحازوا إليهم.. وأمية بن خلف يقود جيشا من ألف ألف لا همّ لهم إلا اقتناص من يقدس اسمك ويطالب بتنفيذ شرعك.. وليس لنا من ناصر سواك.. فانصرنا..
خذلنا أنفسنا ونبينا يا رب فلا تغضب علينا .. نعوذ بنور وجهك من أن ينزل بنا غضبك، أو يحل علينا سخطك..

نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة

أحبنا يا رب واجعلنا نحبك وامنحنا نصرك..
تب علينا..رحمتك بنا لا عدلك فينا.. فلو لم تدركنا رحمتك نخسر الدنيا والآخرة..
أحبنا.. نعوذ بك أن تذهب بنا لتأتى بقوم تحبهم ويحبونك فتنصرهم.. أحبنا نحن يا رب .. وأرنا من بريق النصر ومضة..
اغفر لنا واحمنا وتب علينا وانصرنا..
إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لنا، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.

***
هل ها هنا كانت تقف ناقتك القصواء يا حبيبي..
وها هنا يا حبيبي كنت تقول :
" أيها الناس ، اسمعوا قولي ، فإني لا أدرى لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ..
أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم "..


هل ها هنا كانت تقف ناقتك القصواء يا حبيبي.. فليتني كنت منها شعرة أو حتى بعرة وليتني كنت تحتها ذرة رمل عسى الله أن يعتقني لكنني خلقت بشرا وحملت أمانة لم أؤدها ..


هل هاهنا كانت تقف ناقتك القصواء يا حبيبي إذ رحت تبلغنا الرسالة:
" أيها الناس ، فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً ، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروه على دينكم.."..
حتى هذا لم نحافظ عليه ..
فلكأنك قصدت قوما سوانا يا حبيبي.. صدقت وكذبنا .. فالشيطان يرتع الآن في أرضنا ويُعبد.. وليس بيننا وبين ولاة أمورنا يا حبيبي شأن من شئون الدنيا لكنه إما إيمان وإما كفر .. وقد اخترنا فسطاط الإيمان يا حبيبي.. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض .. ولسنا ندرى والله ما نفعل.
هل ها هنا كانت ناقتك القصواء يا حبيبي..
وهل ها هنا كنت تقول:
" أيها الناس ، اسمعوا قولي واعقلوه ، تعلمنّ أن كل مسلم أخ للمسلم ، وأن المسلمين إخوة ، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تظلمن أنفسكم"..

لكننا ظلمنا أنفسنا يا حبيبي..

***

لبيك الله لبيك..
لبيك لا شريك لك لبيك..


***
بعد الزوال كان إمام يخطب.. لم أكن أتابع ما يقول.. كانت عيناي تبحثان عن المرسل المجهول .. كيف سيظهر أين سيظهر متى سيظهر.. والإمام يخطب.. وأنا أبحث.. وبرق البصر في عين التقت بعيني ..
خفق القلب..
خفق القلب..
خفق القلب..
قلت لنفسي هذا هو..
كانت ملامحه أليفة على عيني..
لست أدري كيف..
قلت أكلمه..
قلت لا تكشف سرك إن كان هو سيكلمك..
ارتفع صوت الإمام الذي يخطب:
- "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله"..
فرجع الرجل القهقرى وهو يقول:
- بلى والله.. آن يا رب..
وأنا أسمعه وأراه وأتابعه..

بدأت أتذكر..
لقد رأيت هذه الملامح مرة في المنام..
لكنني رأيتها مرة أخرى..
أين ؟ لا أتذكر..
وبغض النظر عن رؤية البصر فقد رأيته بالبصيرة..
هذا هو المرسل المجهول وليس لدي شك في ذلك.. وشبح البسمة الذي رأيته على وجهه منذ لحظات رأيتها قبل ذلك..
أنا واثق أنني رأيتها قبل ذلك..
أين..أين..أين ..أين..
آآآآآآه..
هل هذا معقول ..

هذا الرجل هو من ظننته رئيس الجند في الحرم النبوي.. بجوار القبر الشريف.. عند الروضة..
بلغ بي الانفعال أقصاه..

تخلى عني عقلي فضاع حرصي.. صرخت فيه:
- أنت المرسل المجهول.. أنت المرسل المجهول.. أنت المرسل المجهول..
واجهني بنفس الابتسامة..
ابتسامة غامضة لم أفهم معناها أبدا..
سرى في جسدي ما يشبه الكهرباء..
اندفعت نحوه كي أصافحه.. كي أعانقه.. كي ألثم وجهه ويديه.. كي أشكره..


ولكن قبل أن أصل إليه إذا به يصرخ صرخة هائلة فيسقط على الأرض فأنكب عليه فيسرُّ لي بكلمات فأنكبُّ على يديه .. فتهولني برودتهما فأكتشف أنه قد قبض فأصرخ صرخة عظيمة وأسقط مغشيا على فيحملني الرهط إلى الخيمة تصرعني الحمى فأفيق على الثلج على رأسي وقدمي فيغشى على فأفيق فأسمع من يقول منهم: أنت إذن؟! فأقول : أنا ماذا؟.. فيقولون: قلت كل ششيء تحت وطأة الحمى فغشى علىّ.. فأفقت فسمعتهم يقولون: انتشرت البروتوكولات جميعها بين الحجاج جميعهم.. فغشى علىّ فأفقت.. فسمعت من يقول لن يستطيعوا حبسها عنا بعد اليوم .. فجزاك الله عنا خيرا .. فالآن فهمنا ما التبس علينا فغشى علىّ فرأيت الرجل.. كان حيا.. وكان يطير في الهواء ويحلق في السماء فنظر إلىّ باسما.. قال : أولم تفهم.. قلت بلى.. فأفقت فنسيت ما كنت قد فهمت أو أنسيت فغشى علىّ فرأيت أبى.. وكانت قدماه في الأرض ورأسه في السماء.. وكنت أراه.. وكانت أمامي مخاضة لم أعرف إن كانت ماء أم كانت زيتا أم كانت شمعا .. فسرت على الماء فغرقت في الهواء فعلمت أنني أنتقل من حال إلى حال فصرخت : واكرباه.. فنظر أبى إلىّ مواسيا ومشجعا وهو يقول : لا كرب عليك بعد اليوم.. كان كبيرا جدا أكبر من أي إنسان على وجه الأرض وكنت صغيرا جدا أصغر من أي طفل على وجه الأرض وكنت أبحث عن يده أقبض عليها كي أشعر بالأمان.. فنظر نحو إصبعي قدمي الصغيرين وقال لا تحتاج مزيدا.. ثم وجدته يعاتبني بمرارة: ألم أعلمك ألا تأخذ الحلوى من الغرباء ؟ فصرخت فيه: هل كانت مسمومة؟ وجاوبني الصمت فسألته : وذلك الرجل هل كان من فريق البروتوكولات؟ وساد الظلام فسألته: هل اتبعوني إلى هنا ولم يكن ثمة إجابة فقلت: قتلني الكلب.. قتلني الكلب.. قتلني الكلب.. ثم أردفت : كنت أريد السيف لا السم ودما مهراقا يضعه الله في ميزاني يوم القيامة ثم صرخت فيه يا أبي سيبتّكون الجينوم فأجابني باستهانة فهل يستطيعون أن يبتّكوا الأرواح. فأفقت فوجدت بعضهم يرعاني ويغير الثلج على رأسي وعلى قدمي.. وقلت لهم.. احذروا فالعسس يتبعونا ورجال الشلطان يحاصروننا.. سيستولون على أصل المخطوط.. الغوث الغوث والنجدة النجدة.. ساعدوني يا حجاج بيت الله.. ساعدوني يا حجاج عرفات.. في يدكم أن تغيروا التاريخ لكن افهموا واجتمعوا واتحدوا.. النجدة.. يكادون يصلون إلينا.. أشم رائحة.. رائحة الذئاب والكلاب والثعالب.. أشمهم.. أسمعهم.. احملوني إلى جبل الرحمة.. وكان البعض الآخر يقرأ


المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق