وائل قنديل
كم عاصمة عربية أشاحت وجهها، وأغلقت أبوابها، وعبست وتولت حين أتاها سوريون، نازحين من مجازر بشار الأسد؟
كم نظاماً عربياً تشدد وتعنت واتخذ التدابير لمنع تدفق النازحين السوريين إليه، خوفاً على أمنه الداخلي، وتركيبته السكانية، أو من أجل الإبقاء على مساحة من الدفء مع نظام شرّدهم؟
كم مرة ضبطت نفسك متلبساً في التفكير في السوريات النازحات، باعتبارهن مشاريع زواج سهل وميسر من نساء يضرب بهن المثل في كيف تكون الزوجة المحترمة؟
كم مرة امتلكت الجرأة، لكي تهتف في وجه حكومتك التي تلفظ السوريين الفارّين من الجحيم، وتطالب باستضافتهم ومعاملتهم مثلك، كمواطنين؟
كم مرة صرخت فيهم: ألا تخجلون، حين تقارنون بين ما تفعله تركيا من أجل السوريين وما تفعلونه ضدهم؟ ماذا فعلت، كمواطن عربي، وكنظام عربي، من أجل السوريين، قبل أن تذرف الدموع على مأساة الموت بالجملة على ظهر قوارب، أو في جوف حافلات، وشاحنات، على حدود أوروبا؟
أن تضج عواصم العرب بالسوريين، وأن تكفهر وجوه حكومات العرب، إذا ما فكّر سوري في الالتجاء إليها، فهذا هو العار نفسه. وبالتالي، ليس من حق هؤلاء أن يعطوا دروساً لأوروبا في الرحمة والنخوة، إذا كانوا هم أنفسهم أول من تجرّد من هذه الرحمة، وتخلى عن النخوة، وسكت، بل شارك في صناعة عذابات السوريين والسوريات من الأطفال والشيوخ والنساء.
لعلك تذكر أنه منذ مأساة مخيم الزعتري على الحدود الأردنية السورية، في ذلك الشتاء الوغد من العام 2013، والتضامن العربي في مجمله لم يخرج عن عروض زواج، منخفض التكاليف، تستوي في ذلك عمّان مع القاهرة، مع غيرها من عواصم طفحت فيها مكاتب الزواج والسمسرة على السوريات.
في هذا المخيم كان يتكدس أربعة وستون ألفاً من السوريين، معظمهم أطفال ونساء، وحسب إدارة التعاون والعلاقات الخارجية للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، فإن الأمطار الغزيرة كانت تلتهم الخيام بالعشرات، كما تلتهم النار الحطب. في ذلك الوقت، قلت إنه، وبامتداد خريطة الدول العربية، ستجد عشرات آلاف من النازحين السوريين، في مخيمات بائسة، وبعضهم على أبواب المساجد يطلبون الغوث والمساعدة، فيما نشط تجار الزواج السهل السريع في السمسرة على السوريات اللاجئات، حتى اللاتي لم يغادرن طفولتهن، بعد أن أصبحن سلعاً في هذه السوق القذرة، وكأن من العرب من انسلخ عن قيم وأخلاق لطالما تغنى بها الشعراء والمتكلمون. كان الرئيس محمد مرسي تحت حصار الثورة المضادة والدولة العميقة في قصر الاتحادية، وكانت الثورة السورية قد بدأت تدفع الثمن في القاهرة، منذ هتف محمد مرسي "لبيك يا سورية"، في خطبة الاستاد الشهيرة، بعد أن أصدر تعليمات بمعاملة الطلاب السوريين في التعليم معاملة المصريين، وقد أعلن كثيرون وقتها أن الوقت حان لتكون مساعدة الأشقاء السوريين اللاجئين في مصر مشروعاً تتبناه وتنظمه وتشرف عليه أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدنى، كي لا نترك هؤلاء نهباً للتجار والقراصنة وسؤال اللئيم، خصوصاً في ظل ما يعرفه التاريخ عن السوريين من عزة النفس والكبرياء.
وبعد أكثر من عامين، تكشف الوقائع اليومية أن أكثر من عانى من الانقلاب العسكري، المدعوم من أثرياء العروبة، وأوغاد مشروع الهيمنة الصهيونية، هم السوريون الذين يدفعون الثمن في الداخل العربي، أضعاف ما يدفعونه على أبواب دول اللجوء الأوروبي.
إن ربع ما أنفقته عواصم عربية على دعم انقلاب السيسي وتثبيته في الداخل، وتسويقه في الخارج، كان يكفي لإنهاء مأساة النزوح السوري، فلا تلوموا النمسا، ولا ألمانيا، وسواهما من دول أوروبية، يموت السوريون بالعشرات، قبل ملامسة حدودها، بل لوموا من سقطوا في اختبار النخوة والإنسانية في بلاد العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق