الوزير إبراهيم فهمي كريم الذي وقع اتفاقية مياه النيل في 1929
د. محمد الجوادي
واحتفظت شؤون النيل ومياهه بهذا الطابع حتى حلت على مصر نكبة لجنة السياسات وتصورات الدكتور أحمد نظيف البائسة لشؤون الهندسة بعيدا عن المؤسسات الهندسية التقليدية التي تواصل انضباطها منذ عهد الفراعنة.
وأكرر في هذا المقام أنني أعلنت من على شاشات التلفزيونات المصرية انقباضي من اختياره لأستاذ في كلية الهندسة ليكون وزيرا للأشغال ، وقلت يومها إن الرئيسين عبد الناصر و السادات أخذا بنصيحة المهندس أحمد عبده الشرباصي في ألا يقحما على مؤسسة النيل أحدا ممن لم يعمل فيها من البداية.
وكانت وجهة نظري أن أية قوة متربصة بخط من خطوط دفاعنا عن ثوابتنا وقضايانا ستفهم أوتوماتيكيا إننا انفرط في ثوابتنا بدعاوى الحداثة ومن ثم فإنها سوف تبدا في تنفيذ ما كانت تخشى تنفيذه .
حين كان الصحفيون يسألونني عن مثل واضح أؤكد به نظرتي فكنت أضرب أمثلة كثيرة ، وعلى سبيل المثال فإن مندوب مصر في توقيع اتفاقية توزيع مياه النيل المعروفة باتفاقية 1929 (وهو المهندس إبراهيم فهمي كريم باشا) كان في مسلكه السياسي في تلك الفترة أقرب إلى التآمر لكن أحدا لم يفكر في تغيير هذا الوزير في أثناء الترتيب للمفاوضات ثم للاتفاقية .
وذلك على الرغم من أنه كان قد أصبح وزيرا للمرة الأولى في وزارة النحاس باشا الأولى مارس ١٩٢٨، واستمر في وزارة محمد محمود باشا يونيو ١٩٢٨ رغم تآمره على الائتلاف الوفدي أو بسبب مشاركته في هذا التآمر .
كان المهندس إبراهيم فهمي كريم باشا (1884 ـ 1958) مهندس ري مصري بارز، وهو من باب الطرافة الدالة على مكانة المسائل الفنية وزيرا للأشغال ، وزوجا لابنة وزير سابق عليه في تولي وزارة الأشغال هو المهندس محمود باشا صدقي، وعديلا لوزير لاحق به في تولي الوزارة في عهد الرئيس عبد الناصر و هو المهندس موسى عرفة.
عرف المهندس إبراهيم فهمي كريم باشا في أولي التشكيلات الوزارية التي اشترك فيها باسم إبراهيم فهمي من دون اسم ثالث ، ثم عرف باسم إبراهيم فهمي كريم بدءاً من مشاركته في وزارة إسماعيل صدقي الأولي، وتعتقد بعض الكتب أن الأسم لشخصين مختلفين نظرا لأن المدة قريبة .
كان هذا المهندس واحدا من وزراء الأشغال الذين تولوا هذه الوزارة ما بين عهد إسماعيل سري (الأب) وعهد حسين سري (الابن).
عرف المهندس إبراهيم فهمي كريم باشا في أولي التشكيلات الوزارية التي اشترك فيها باسم إبراهيم فهمي من دون اسم ثالث ، ثم عرف باسم إبراهيم فهمي كريم بدءاً من مشاركته في وزارة إسماعيل صدقي الأولي
و في مجال عمله فإنه قام بدور مهم في اتفاقية مياه النيل، وهي الاتفاقية التي وقعت في عهد محمد محمود باشا، وإن كان العمل من أجل التوصل إليها قد بدأ قبل ذلك.
لكن ذكره في الأدبيات السياسية الوطنية لا يأتي إلا مصحوبا بالانتقاد بسبب اشتراكه غير المبرر في مؤامرة سياسية مبكرة، فقد كان أحد الثلاثة الذين انضموا مع محمد محمود باشا لتصديع الائتلاف الوزاري الذي كان النحاس باشا يستند إليه في رئاسة الوزارة.
وذلك تمهيدا لتولي محمد محمود رئاسة الوزارة فيما عرف في التاريخ المعاصر على أنه المؤامرة على الائتلاف الذي كان قد التأم قبلها بعامين (في 1926 برياسة الزعيم سعد زغلول) وقد نجحت هذه المؤامرة التي تمت بموافقة ملكية ، واستقال النحاس باشا وكلف الملك محمد محمود بتشكيل الوزارة و استبقى إبراهيم فهمي كريم باشا في منصبه كوزير للأشغال.
ولد المهندس إبراهيم فهمي كريم سنة 1884، وتلقي تعليما مدنيا، وعمل مفتشا للري بالدلتا، ثم تولي منصب مفتش عموم الري في مصر، وشارك في إنجاز عدد مهم من مشروعات الري في مصر.
وتوج تدرجه بأن صار وكيلا لوزارة الأشغال العمومية (يناير 1927)، ثم تولى وزارة الأشغال العمومية في وزارة النحاس باشا الأولي (مارس 1928 ـ يونيو 1928)، وكانت وزارة ائتلافية، وبقي إبراهيم فهمي كريم في الحكم وزيراً للأشغال في وزارة محمد محمود الأولي (يونيو 1928 ـ أكتوبر 1929)، لكنه ترك الحكم مع قدوم وزارتي عدلي يكن باشا ثم وزارة النحاس باشا الثانية.
عاد المهندس إبراهيم فهمي كريم إلي تولي الاشغال بعد ثلاثة أسابيع من تشكيل وزارة صدقي باشا الأولي (12 يوليو 1930)، واحتفظ بمنصبه حتي نهاية عهد الوزارة، ثم تولي منصب وزير المواصلات طيلة الوزارتين التاليتين وهما وزارة صدقي باشا الثانية (يناير 1933 ـ سبتمبر 1933)، وعبد الفتاح يحيي باشا (سبتمبر 1933 ـ نوفمبر 1934).
وقيل إنه تولي الوزارة رغما عن صدقي لأنه كان من الساسة المرتبطين بحسن باشا نشأت رجل الملك فؤاد القوي، ومن الطريف أن بعض مصادر التاريخ تشير إلي أن الوزارة استقالت بسببه وبسبب أزمته مع صحيفة "السياسة".
وفي ذلك العهد شارك إبراهيم فهمي كريم في أنشطة حزب الشعب وكان عضوا في اللجنة التنفيذية لذلك الحزب الملكي محدود التأثير والشعبية وقصير العمر (ديسمبر 1930).
وبهذا فإن إبراهيم فهمي كريم تولي وزارتين فقط هما: الأشغال والمواصلات وشارك في خمس وزارات وعمل مع أربعة رؤساء وزراء، وهو الوحيد الذي عمل وزيراً في وزارات الأقطاب السياسيين الثلاثة لعقد الثلاثينيات: النحاس، ومحمد محمود، وصدقي(!!) لكن وجوده أصبح في الذاكرة التاريخية مرتبطا بعهد الدكتاتوريتين اللتين حدثتا علي يد محمد محمود ثم إسماعيل صدقي.
كان من الطبيعي أن يفقد المهندس إبراهيم فهمي كريم فرصته في العمل الوزاري بعد صعود نجم حسين سري باشا الذي وصل لرئاسة الوزارة أيضا . أما ما بقي منه للتاريخ فهو أنه كان له نشاط واسع ومثمر في جمعية المهندسين المصرية منذ تأسيسها.
منح إبراهيم فهمي كريم الباشوية (أكتوبر 1930). وترك ذرية مباركة منها حفيده الذي يحمل اسمه وهو مهندس مشهور، وتوفي إبراهيم فهمي كريم سنة 1958.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق