الأحد، 26 يوليو 2020

الموقف من الأحداث العربية

الموقف من الأحداث العربية



د: محمد موسى الشريف
2011/05/29
إن التغيرات الواقعة في كثير من البلاد العربية لا تكاد تترك المرء يحسن التفكير فيما ينبغي أن يصنعه إزاءها، ولا يكاد يلتقط أنفاسه مبهورًا من حدثٍ إلا ويفاجئه حدث آخر في مكان ثانٍ وثالث ورابع، وهذا ما لم نعهده في بلادنا العربية التي بقيت الحركة فيها زمانًا طويلاً مكيثة بطيئة، لا تسمع فيها بحدث جلل عظيم إلا كل بضع سنين، فأصبحنا نتقلب بين أحداث يتلو بعضها بعضهًا، ويأخذ بعضها بحُجَز بعض، وهذا أمر أثار استغراب كل المتابعين حتى أعداء الإسلام الذين يمكرون به ويكيدون له ليل نهار، وهو الأمر الذي يدع الحليم اللبيب العاقل حيران، والله سبحانه هو المستعان.



وفي ظل هذه الأحداث يتساءل المهتمون بشأن أمتهم وشعوبهم العربية: ماذا نستطيع أن نعمل؟ وكيف نشارك في تفريج هموم أمتنا وتنفيس كروبها وإيجاد مخارج لها من هذا البأس الذي أحاط بها من كل حدب وصوب؟ وللمشاركة في الإجابة على هذا السؤال المهم قسمتُ الناس إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: العلماء والمشايخ وطلبة العلم.

والقسم الثاني: الدعاة والمثقفون.

والقسم الثالث: عامة الناس سوى أولئك المذكورين.

وأبدأ بالواجب الملقى على الناس جميعًا، ويشتركون فيه ألا وهو:

1- التوبة النصوح والاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله r واتباع ما فيهما من أوامر، والانزجار عما فيهما من زواجر؛ فإن هذا الصنيع لهو من أعظم مقربات النصر، وأهم دعائم التمكين في الأرض إن شاء الله تعالى.

2- كثرة قراءة القرآن وذكر الله تعالى؛ فإن ذلك من أعظم أسباب طمأنينة القلب وسكون الجوارح في هذه الأحداث التي تورث قلقًا كبيرًا وخوفًا عظيمًا.. قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

3- الالتفاف حول العقلاء الثقات من المشايخ والعلماء الربانيين؛ فهم المقصودون مع الحكام بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء : 59]. فأولو الأمر هم العلماء والحكام كما بيَّن ذلك كثير من العلماء، وهذا الالتفاف حول العلماء يحفظ المجتمعات من الزيغ، ويقوِّم مسيرتها، ويضبط توجهها، ويرشّد أفعالها إن شاء الله تعالى.

4- اجتماع صف المسلمين وذلك بالعمل على تحسين الأخلاق وإصلاح طرق التعامل مع الناس، ورحمة الصغير، واحترام الكبير، وتوقير من يستحق التوقير، ومراعاة حق المسلم على المسلم، وإعطاء كل ذي حق حقه، وزجر الظالم على ظلمه؛ فإن هذا الصنيع من أعظم أسباب تثبيت المجتمعات وتراص الصفوف لمواجهة هذه الأحداث والمتغيرات، التي لا يمكن مواجهتها بصفوف معوجة متفرقة، فيها خلل وفساد.

5- البُعد عن سفساف الأمور ودناياها، والتعلق بمعالي الأمور؛ فإن الوقت وقت الجد لا وقت العبث، ولا أرى أن هنالك وقتًا لتحقيق قول الله تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة: 63] أعظم من هذا الوقت.

6- الرضا بالقضاء والقدر، فلو فشلت بعض محاولات التغيير فيجب التسليم لأمر الله وعدم القنوط واليأس، والأيام دُوَل، وأمر الله ماضٍ، وقد قال النبي r: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر وكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".

هذه الستة ينبغي أن يشترك في العمل بها كل الناس.

- أما العلماء والمشايخ وطلبة العلم فواجبهم هو:

1- النزول إلى الناس، ومخالطتهم في مساجدهم ومجامعهم، وتثبيتهم وتهدئة خواطرهم خاصة في مناطق الأحداث، فقد كان النبي r مشاركًا للمجتمع في سرائه وضرائه، لا يكاد يترك شيئًا جللاً إلا وشارك فيه، بل كان على رأسه بأبي هو وأمي r؛ ففي خضم هذه الأحداث العظام لا يسع العلماء السكون واعتزال المجتمعات ولا الاكتفاء بالسكوت.

2- مراجعة فقههم السياسي:

أكثر العلماء كانوا وما زالوا بمعزل عن السياسة وفقهها، وذلك بسبب أمور عديدة لا مجال لذكرها في هذه العجالة، لكن في خضم هذه الأحداث لا بد للعلماء أن يراجعوا أنفسهم، وأن يقرروا النزول إلى الساحة بفقه جديد يساعد الناس على تجاوز هذه المحن، ولا بد أن يقولوا الحق ويذكروا للناس حكم الله تعالى فيما يجري بدون خوف ولا مداهنة لأحد، وأن يتحرروا من ضغط الحكام وضغط العوام ليقولوا كلمة الحق كائنًا ما كان الأمر..

فإن السكوت في مثل هذه الأحوال خذلان للناس، وتضليل لهم، وكتم علم لا بد من إظهاره، وفقه سد الذرائع والبعد عن الفتن لا يصلح في مثل هذه الأحداث التي يقوم فيها الناس ليطالبوا برفع الظلم واستيفاء الحقوق، أو الخلع والإبعاد للحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله أو الحكام الكفرة أو المرتدين، إن أمكنهم ذلك، وعلى العلماء المقارنة بين المصالح والمفاسد وترجيح المترجح منهما عن بصيرة وعلم وفقه لا يشوبه شائبة من هوى أو خوف أو طبع أو عوامل أخرى.

وأما الدعاة والصالحون وسائر المثقفين والخواص فواجبهم هو التالي:

1- قراءة التاريخ قراءة متأنية، والخروج بالعبر والعظات التي تصحح مسيرة الحاضر ويحْسُن بها التخطيط للمستقبل.

2- التأني وعدم التهور المفضي إلى نتائج خاطئة وأفعال مرجوحة أو فاسدة، فإن آفة كثير من الناس أنهم لا يتريثون التريث الكافي في وقت النوازل العظام، ويريدون التعجل في قراءة الأحداث والعمل بعد ذلك بما أملته عليهم تلك القراءة الخاطئة، وفي الوقت نفسه يجب ألا نبطئ في قراءة الأحداث إبطاء يضيع الفرصة حتى تصير غُصَّة، بل الأمر وسط بين هذا وذاك، وهذا الأمر -أي القراءة الواعية والعمل الصحيح- هو مهمة الخواص في كل مجتمع.

3- التفريق بين ثورات الكافرين العمياء الهوجاء التي لا تبقي ولا تذر، وبين ثورات المسلمين التي يجب أن تنضبط بضوابط الشرع، وهذا أمر مهم؛ لكيلا تجنح الثورات الحالية إلى موجات انتقَام لا تبقي ولا تذر، ويضيع معها التعقل والحكمة والنظر الفاحص في خضم العواطف الجامحة.

4- تهيئة الناس للتعامل مع التغيرات السريعة والثورات المشتعلة؛ كيلا لا يتهوروا في حال التقدم، ولا ييئسوا في حال التقهقر والتراجع.

وحفظ نفوس الناس متعلقة بالأمل أمر مهم في نجاح الثورات.

التأمل الطويل في بضع آيات من كتاب الله تعالى فيها تلخيص كل ما يجري تقريبًا، وذلك نحو قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5].

وقوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]. وقوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]. وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26].

وقوله تعالى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]. وقوله تعالى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: 26]. وقوله تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر: 2].

التأمل فيه هذه الآيات ينير الدرب أمام مريدي التغيير، ويرسم المنهج الرباني الصحيح في التوكل على الله تعالى والثقة به وبنصره.

- وأما عامة الناس فواجبهم هو:

نصرة الصالحين والعاملين، ومؤازرة العلماء والدعاة وعدم تركهم فريسة لهجمات اللادينيين والمتفلتين في وسائل الإعلام وغيرها؛ فإن العامَّة درع للخاصة، وردءٌ لهم، والعامة بالخاصة يسترشدون ويهتدون، وعليهم -بعد الله تعالى- يعتمدون وبهم يتقوون وإليهم يستندون، ولا بد من تعاضد الفئتين معًا لنجاح التغيير.

وبعد، فهذه تأملات فيما ينبغي على الناس صنيعه في هذه الأيام، والله تعالى هو المسئول بالنصر والتمكين، ونأوي به إلى ركن شديد، وهو سبحانه {يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الروم: 6].

والله أكبر! والعزة لله ورسوله والمؤمنين.

المصدر: موقع التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق