الأربعاء، 22 يوليو 2020

صناعة الهمة أول مهمة

صناعة الهمة أول مهمة

د. ليلى حمدان
،،علمني التاريخ أن القوة تكمن في قلب حامل السيف لا في سيفه، فاعتنوا بقوة قلوبكم.،،

د. ليلى حمدان

تمر الأمة الإسلامية اليوم بأحلك حقبة عرفتها على طول امتداد مسيرتها، لا أبالغ إن قلت أنها لا تقل سوءًا عن محنة التتار، ذلك أن الخطر الذي يهدد آمال نهوضها، لم ينحسر في عدو خارجي يعتدي وينهب ويسفك الدماء، بل لأن الخطر تطور لداء الانهزامية وضعف الهمة الذي تسلل إلى داخل نفوس أبنائها وانتقل بشكل عدوى ووجد له مرتعًا وحضنًا. وهذه مصيبة كبرى أن يصل المسلمون لمرحلة الرضا بالدنية والتعايش مع الضعف والقبول بالهزيمة وانطفاء جذوة علو الهمة وعزيمة النفس، والأخطر من ذلك أن تتوجه الهمم نحو سفاسف الأمور وتنشغل بالتفاهات وكل ما يهدم الإنسان والأمة.
وإنه لمن تمام الفشل لكل أمة أن تموت عزائم أبنائها فيعجزون عن النهوض بها، أن تنهار تلك الروح المثابرة التي تتحدى الصعاب لأجل الوصول لأسمى الأهداف، أن تنطفأ جذوة الإرادة وشغف المنافسة للعلياء، وكيف يمكن لأمة أن تقوم وعناصرها مشتتة تائهة، وطاقاتها مبددة مستنزفة، قد أظلم داخلها كما أظلم ما حولها، تماما كحال بيت في وسط الظلام لكن مصباحه انطفأ، فجمع بين ظلام الخارج والداخل، فأي حياة ستكون فيه!
ولا شك أن ما يعاينه المسلم منذ صغره إلى اشتداد عوده من النوازل والأزمات ومشاهد القهر والبؤس تتوالى على أمته، له تأثير وتداعيات معتبرة، لكن الفطرة تقتضي بأن يكون له تأثير إيجابي وتداعيات محفزة على صناعة التغيير، كما يقول المثل، الضربات القوية تهشّم الزجاج لكنها تصقل الحديد، ونحن أمة معدنها صلب لا ينكسر، لكننا فقدنا المعرفة بذاتنا وأسباب قوتنا فكيف سنخرج من متاهاتنا؟!
ولعل ما يزيد الطين بلة تلك النفسيات النكدة المنتشرة في كل مشهد والتي لا تجيد سوى الشكوى والنواح، وفي أحسن الأحوال توجيه أصابع الاتهام لأحد ما أو ظرف من الظروف لعلها تحقن ضميرها بمخدر إلى حين وتزيح عن كاهلها ولو قليلا من أثقال المسئولية. ومع ذلك لو دققنا النظر لأبصرنا في زاوية من المشهد قدوة مبهرة!
ثم من يتأمل في حجم الميراث الإسلامي ونماذج النجاح وصناعة الهمم الرائعة التي تركها لنا السابقون، يقف مذهولًا ليس لحالة الضعف التي تعيشها الأمة اليوم – بحد ذاتها- بل للتفريط البشع بأسباب القوة التي تمتلكها هذه الأمة.
ومخطأ من ظن أن صلاح الأمة سبب أول في صلاح الفرد، بل العكس تماما، يبدأ صلاح الأمة من صلاح الفرد، من نجاح هذا الفرد ومن قدرته على استجماع نفسه للنهوض لتنهض أمته. مع أن صلاح الأمة ضمان لاستمرار صلاح الأجيال، ومن تدبر في التاريخ  أدرك كيف صنع مجرد عدد من الرجال تاريخًا مبهرًا من الانتصارات والحضارة الماجدة، كان الشخص الواحد منهم بحجم أمة! كل ذلك ثمرة صناعة الهمة.
يقول الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله، عن فضل عِظَم الهمة: “يسمو هذا الخلق بصاحبه، فيتوجه به إلى النهايات من معالي الأمور، فهو الذي ينهض بالضعيف يضطهد أو يزدري، فإذ هو عزيز كريم. وهو الذي يرفع القوم من سقوط، ويبدلهم بالخمول نباهة، وبالاضطهاد حرية، وبالطاعة العمياء شجاعة أدبية.
هذا الخلق هو الذي يحمي الجماعة من أن تتملق خصمها، وتسل يدها من أسباب نجاتها ومنعتها.
أما صغير الهمة، فإنه يبصر بخصومه في قوة وسطوة، فيذوب أمامهم رهبة، ويطرق إليهم رأسه حطة، ثم لا يلبث أن يسير في ريحهم، ويسابق إلى حيث تنحط أهواؤهم”. (موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين).
لقد حفرت في ذاكرتي العديد من العبارات التي سمعتها على ألسنة بعض الغربيين، ولعل أبرزها على الإطلاق، وصف تلك العالمة لقوة المسلمين الروحية، حيث قالت بعفوية وصدق: “يمتلك المسلمون قوة روحية عجيبة لها القدرة على انتشالهم من أسوأ الظروف كما يشهد بذلك تاريخهم. وهو ما ينقصنا نحن الغرب رغم أننا تفوقنا ماديا بشكل لم ييلغه المسلمون. لنكتشف في الأخير أن القوة الحقيقية هي قوة الروح لا المادة”.
وبالفعل فإن لدى المسلمين قوة الروح التي هي سر النجاح الأول لكل فرد وأمة، وإنما فرطنا فيها لضجيج الدنيا وتشويش الباطل ومكر القريب والبعيد، وكل ما في الأمر أننا بحاجة لاستثمار هذه القوة على أكمل وجه وأحسنه، وأن نخرج من دائرة التيه والعبث لسبيل الحكمة والعقل الراشد، حتى نرتقي في حياتنا الدنيوية والأخروية.
ولا أزال أكرر: علمني التاريخ أن القوة تكمن في قلب حامل السيف لا في سيفه، فاعتنوا بقوة قلوبكم.
وإنه لمؤسف بشدة أن نشاهد المسلم الذي يؤمن أن الإسلام يصنع الإنسان ويهذبه ويصقله ويجعل منه نموذجًا فريدًا للنجاح، هو نفسه من يكسل ويسوّف ويعجز عن تقديم هذا النموذج في حياته ولمن بعده من أجيال.
يجلس في مقاعد المتفرجين ينتظر أن ينزل عليه الحل من السماء، وينسى أن بيده هو فقط أن يصنع الإنجاز بفضل الله ومعيته. مع أنه سليل أمة كان نبيها عليه الصلاة والسلام يعلم أنه منتصر بنص الوحي من السماء، ورغم ذلك لم يزهد في جمع الأسباب لصناعة النصر ولم يفتر عن الابتهال لربه يسأله بإلحاح التوفيق وإنجاز الوعد، كما شاهدنا ذلك في معركة بدر الكبرى ومواقع أخرى مهيبة في سيرة المعلم الأول عليه أفضل الصلاة والسلام.
قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21).
قال ابن حزم رحمه الله: “من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق -كلها- واستحقاق الفضائل بأسرها؛ فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به، بمنه، آمين” (الأخلاق والسير،  لابن حزم ص 91).
ومع أن أغلب المراقبين لحال الأمة يتفقون على أن صناعة الهمة هي الحل وهي البداية. إلا أن  تحقيق هذه المهمة لم يحظ بالعناية الكافية التي تستحقها. سواء من ناحية التأليف أو التطبيق.
ومع توفر الكتابات بشأن علو الهمة وتحفيز النفوس على بلوغ المراتب العلى وحسن الإدارة والبناء للذات، إلا أن أغلب هذه المراجع تعتني فقط بجانب العبادات، وتغفل عن أحوال المسلم مع دنياه، مع أن الأمرين مرتبطان بشكل وطيد، فالعابد التقيّ يترجم بركات استقامته بنجاح آخر في حياته ودنياه ولا نجاح في الدنيا دون استقامة، لأنه لا وزن لها في موازين الأعمال عند الله سبحانه. بل إن الإصرار على التفريق بين النجاح الديني والدنيوي خطأ فادح يقع فيه الدعاة، لأن الإيمان يوصل الإنسان لأفضل مستويات طاقته الإنتاجية، فيجعل منه عنصرًا بناءً ومخلصًا يستقر مع عطائه نسيج المجتمع وتبنى ببذله ومثابرته لبنات حضارة الأمة المسلمة. وأقرب مثال على ذلك حضارة الإسلام منذ عصر النبوة إلى عصر الخلفاء الراشدين إلى عصور الدول الإسلامية الكبرى، كانت جميعها تنعم بمساهمة فعالة من الأفراد في صناعة الحضارة وأمجاد الأمة
بلغنا السما مجدًا وجودًا وسؤددًا 
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرًا

وكلما تبحرت في الكتابات بشأن صناعة الهمة، أجد بلا منازع اسم ابن القيم على قائمة الكتاب المبهرين الذين لم يألوا جهدًا في توريث العلوم والخبرات لأجيال المسلمين بهمة قدوة في مختلف الأزمنة والأمصار، فبرع ليس فقط في تحفيز وشحذ الهمم وإبراز أهمية علو الهمة بل برع كذلك في تقديم الأسرار اللازم الإحاطة بها، لتحقيق صناعة هذه الهمة وهو ما يندر في أغلب الكتابات في هذا الميدان، فتجد في نتاج ابن القيم دراسة معمقة عن أحوال النفس وسبر أغوارها وصفاتها ودرجاتها وأنواعها وسبل نمائها وتزكيتها وتحليل مفصل لمختلف العقبات التي تتحدى مسيرتها بما يغني عن غيره من مراجع بهذا الشأن.
وتبرز أهمية كتابات هذا العالم في أنها تقدم خريطة لصحة النفس وأفضل عطاء لها، تبدأ من معرفة الله والإيمان به ومعرفة النفس ومعرفة الناس، لينتقل العبد إلى استغلال الحياة الدنيا واستثمار نعم الله عليه وفق شرع الله وفطرته، ثم التوافق مع الحق لا الخلق، والإيمان الصادق وبناء الحياة الطيبة، ثم ترجمة هذه المعرفة إلى الإنتاج والعمل الصالح والصبر والدعوة والمجاهدة لينعم الإنسان بقلب سليم وحياة طيبة في الدنيا والآخرة.
فابن القيم هو طبيب قلوب قدم رافدًا مهمًا جدًا من روافد العطاء العلمي والإسهامات في تاريخ الطب النفسي. قدم نموذجًا شاملًا لتفسير سلوك الإنسان وفهمه، يمكن أن نكتشف براعته في عدد من كتبه كزاد المعاد، ومدارج السالكين، والجواب الكافي ويعرف أيضا بالداء والدواء، وإغاثة اللهفان، والروح، وشفاء العليل والفوائد وعدة الصابرين.
ومن ينظر في نتاج الأمة الإسلامية في هذا الباب المصيري والحاسم في صناعة الإنسان والأمة، يدرك من أين أوتينا في عصرنا الحديث، فإن نوعية التأليف التي تشغل أبناء أي أمة هي التي تعكس اهتماماتهم ودرجة وعيهم، لا حجم التأليف بشكل عام، وللأسف فإن حجم الاهتمام بما يبني الإنسان ويرتقي بالذات ويصنع الهمة ضعيف بشكل لافت رغم أنه الباب الأول الذي يجب على كل مسلم أن يطرقه.
وحين نتكلم عن التأليف في باب الهمة، سنذكر بلا شك كتاب “صلاح الأمة في علو الهمة”، للشيخ: سيد العفاني، ويقع في سبع مجلدات. من تقديم الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، الذي بدوره له كتاب بعنوان  “علو الهمة” في جزء واحد.
 كما نجد في هذا الشأن بسرد مختلف، كتاب حياتك من الفشل إلى النجاح لسيد صديق عبد الفتاح، والذي عرضه بشكل قصصي لنماذج الهمم العصامية ونجاحاتهم التي انطلقت من لا شيء، مسلطًا الضوء على نماذج مهمة للمعاقين.
ولدينا كتاب الهمة طريق إلى القمة، لمحمد بن حسن بن عقيل موسى، الذي يقول في مقدمته: “وإن مما دعاني لتأليف هذا المبحث ندرة من تكلم فيه وأوضحه ولم أر فيه مصنفًا مستقلًا ولا أزعم أني أعطيته حقه ولكني حاولت دخول هذا المضمار والتطفل على هذا الشأن والله المسؤول بالإتمام وعليه التكلان”.
وهذه أمثلة للكتب التي تناولت موضوع الهمة في المكتبة العربية والإسلامية، على سبيل المثال لا الحصر.
وللأسف وبالمقارنة فقد اهتم الكتاب الغربيون كثيرًا ومطولًا بباب الهمة، لما أدركوه من أهمية صناعة الهمم وتحفيزها ولعل هذا ما يفسر جزئيًا نهضتهم المادية في العقود الأخيرة. ولذلك أرى من المهم الاستشهاد ببعض خلاصات الغرب في هذا المجال، وتدبر استقراءات العقل البشري من خلال التجربة لما ينبغي أن يراعيه المرء وما يلزمه لينجح في صناعة الهمة، حتى لا يفوتنا شيء في هذه الصناعة المهمة. 
والحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أولى بها، قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا) (المائدة:8). وقال بعض الفقهاء: “كل ما لا يتعارض مع الإسلام فهو يندرج تحته”.
ومن ذلك قول الشاعر:
لا تحقرن الرأي وهو موافق  
                     حكم الصواب إذا أتى من ناقص
فالدر وهو أعز شيء يقتنى     
                   ما حط قيمته هوان الغائص


يقول آلبرت أينشتاين: “لا يمكن حل المشكلات الكبيرة التي تواجهنا ونحن على ذات مستوى التفكير الذي كنا عليه عندما صنعنا هذه المشكلات”، وفي هذا إشارة واضحة لضرورة الانتقال من طور التفكير السطحي إلى التفكير الأعمق والأجدى، على أساس المبادئ والقيم التي بفضلها تحل المشاكل ويتم تجاوزها. وهي تحديدًا رحلة التغيير والارتقاء الفكري التي يجب أن نخوضها لنتجاوز قصورنا وضعفنا. إنها رحلة الإعداد لصناعة الأمجاد.
ويقول الدكتور ستيفن كوفي أن تطوير الذات وشحذ القدرات مثل البنزين بالنسبة للسيارة، فلا يمكن لشخص أن يتنقل بسيارته دون أن يزودها بالوقود.
وستيفن كوفي الذي وصفته مجلة تايم على أنه واحد من 25 أمريكيًا الأكثر تأثيرًا في حياة الآخرين، هو صاحب كتاب “العادات السبع للناس الأكثر فعالية”، حيث تضمن دروسًا فعالة حول تغيير الشخصية وهو من أشهر كتب تطوير الذات وصلت مبيعاته لأكثر من خمسة عشر مليون نسخة بثمانية وثلاثين لغة في كل أنحاء العالم وحظي باهتمام شعبي كبير. وصنف كأكثر كتب الإدارة تأثيرًا على مدار التاريخ.
وهو أيضا صاحب كتاب العادة الثامنة الذي صنف كملحق لكتابه العادات السبع للناس الأكثر فاعلية.
ومن الكتب الغربية المصنفة في بناء الذات وصناعة الهمة، “الراهب الذي باع سيارته الفيراري” للكاتب الكندي من أصل هندي، “روبين شارما”، وهو من أشهر كتب تطوير الذات تمت ترجمه إلى ما يقرب من سبعين لغة مع أن سرده يعتمد أساسًا على الخيال.
وقد أدركت الإدارة الأمريكية أهمية صناعة الهمة في نهضتها، فكانت عناية الرئيس باراك أوباما ملفتة بكتاب “النغزة” للكاتبين ريتشارد ثالر وكاس سونستين. حيث أقام معهدًا مُخصصًا لتدريس الكتاب وأسماه على اسمه، معهد “النغزة” Nudge  لأجل تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع الأمريكي وفق المنهجية التي طرحها الكاتبان.
وحصل ريتشارد ثالر على جائـزة نوبل في الإقتصاد لكتابه هذا حيث تدور أفكاره حول التغيير وفلسفته، مسلطًا الضوء على أسباب القرارات الخاطئة في حياتنا، مثل الموافقة على وضع سيئ نعيشه ولا نسعى لتغييره. وكيف أن لأفعال صغيرة وبسيطة ومُستمرة أن تغير حياتنا للأفضل.
وهذا الكتاب الذي صنف من الكتب المهمة جدًا في المكتبات الأمريكية، أوصى بها بيل جيتس رجل الأعمال والمبرمج الأمريكي ومؤسس شركة مايكروسوفت الذي اشتهر بثروته التي صنعها بنفسه.
ولعل من أهم الكتب في باب بناء الذات في التأليف الغربي كتاب السطحيون the shallows لنيكولاس كار وهو كتاب لم يحظ بترجمة للغة العربية إلا أنه تناول موضوعًا خطيرًا وهامًا جدًا وهو تأثير الأنترنت على حياة الناس والأخطار التي تنتج عن ذلك موضحًا كيف حول الأنترنت الجماهير إلى سطحيين.
ومع أن ما عرضته هذه الكتب يعد مهما في صناعة الهمة إلا أن أبرز هذه الخلاصات قد سبق بها المسلمون منذ زمن بعيد، بل تفوقوا على أطروحات الغرب بالنظر لمستوى الأهمية لأن صناعتهم للهمة كانت تتعدى النجاح الدنيوي إلى الأخروي، وكانت تستلهم أنوارها من الوحيين، هذا كي لا نتهم بالجهل والتخلف، بل بالتقصير والغفلة وهو جرم أكبر في نظري.
ولا بد أن صناعة الهمة على أنوار الإيمان واليقين لا تقارن البتة بصناعة الهمة على أنوار الطاقة المادية البحتة. لأن هناك أسرارًا ومعية إلهية وفضلا ربانيًا يحسم المشاهد حسمًا لا تقوى عليه عقول البشر. لا يحوزه إلا من عرف عظمة الله سبحانه جل في علاه.
ولهذا سنحاول خلال هذا الطرح أن نتناول موضوع صناعة الهمة بعمق وتفصيل يستمد أنواره من أعظم مصدرين: القرآن والسنة، ونعضده بتجارب ملهمة وقصص نجاحات مبهرة وأسرار تتناسب وكل طاقة بشرية وكل خصائص نفسية. ذلك أن هدف المؤمن ليس مجرد نجاح دنيوي، بل نجاح أكبر وأعظم خلف خط الموت مع الخالدين.
قال ابن نباتة رحمه الله:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل  إن المحامــد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرًا عن غاية في الطلاب سباق                     


ولا يقولن قائل، لا يمكن لمفلس همة أن يصنع همة، قال الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد:11)  وقال سبحانه (قد أفلح من زكاها) (الشمس: 9). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوقّ الشر يوقه). (قال الألباني: إسناده حسن أو قريب من الحسن). وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: “لا بد للسالك من همة تسيّره وترقيه وعلم يبصره ويهديه”. (الدرر الكامنة 4/21).
فصناعة الهمة مهمة أولى اليوم للنهوض بالفرد والأمة، وسنتناول الحديث عن أسرار هذه الصناعة، ليكون في ذلك بعثًا للعزائم وتغييرًا لحالنا لما يليق بنا كأمة مسلمة.
وفي الختام لست مطالبًا بأن تكون أفضل الناس، بل أن تكون أفضل “أنت”. وهذا ما سنركز عليه في طرحنا، أن نستخرج أفضل ما عندك يحدونا في ذلك ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: 69).
فردد “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”، إلى لقاء الحلقة المقبلة: “مفاهيم أساسية لصناعة الهمة”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق